بدأ مصطفى عبد الجليل حياته كلاعب كرة قدم، ثم عمل قاضياً قبل أن يصبح وزيراً للعدل في زمن النظام السابق، إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يتحدى معمر القذافي ويعلن استقالته في جلسة علنية لمؤتمر الشعب العام (رئاسة الوزراء) عام 2010.

هذا التاريخ الطويل بين السلطة والمعارضة لم يحم عبد الجليل من سهام النقد التي طاولت أداءه وأداء المجلس الانتقالي والحكومة التي انبثقت عن الأخير فيما بعد.

فيما يلي نص الجزء الثاني من الحوار الذي أجراه “مراسلون” مع عبدالجليل:

بدأ مصطفى عبد الجليل حياته كلاعب كرة قدم، ثم عمل قاضياً قبل أن يصبح وزيراً للعدل في زمن النظام السابق، إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يتحدى معمر القذافي ويعلن استقالته في جلسة علنية لمؤتمر الشعب العام (رئاسة الوزراء) عام 2010.

هذا التاريخ الطويل بين السلطة والمعارضة لم يحم عبد الجليل من سهام النقد التي طاولت أداءه وأداء المجلس الانتقالي والحكومة التي انبثقت عن الأخير فيما بعد.

فيما يلي نص الجزء الثاني من الحوار الذي أجراه “مراسلون” مع عبدالجليل:

س- لم يعتد القذافي أن يقوم أحد وزرائه بمواجهته، لكنك فعلت ذلك عندما قدمت استقالتك على الهواء مباشرة في جلسة لمؤتمر الشعب العام عام 2010. ما الذي دفعك إلى ذلك؟

ج- أنا لم أكن راضياً عن الوضع وكل متابع لأحكامي في القضاء منذ عام 1978 سيلحظ ذلك. فغعندما كنت وزيراً للعدل كانت لي أرائي المستقلة، ولم تجمعني صورة واحدة مع معمر القذافي ولم أسمه بالقائد أو أتفوه بكلمة الجماهيرية.

وللعلم فقد قدمت استقالتي للبغدادي المحمودي عندما كان رئيساً للوزراء، وقدمتها لرئيس مؤتمر الشعب العام مفتاح كعيبة.

وعندما أتى مبارك الشامخ -الذي أرى من خلال الأربع سنوات التي قضيتها معه أنه شخص وطني من الطراز الأول بغض النظر عن ماضيه، شأنه في ذلك شأن عبد الرحمن شلقم وعبد القادر البغدادي وفرحات بن قدارة- جئت إليه وقلت له أنني لم أعد أريد العمل، فأجابني “معمر هو من عينك وهو من يقيلك وعليك أن تأتيني قبل انعقاد مؤتمر الشعب العام بيوم لأخبرك إذا كنت من ضمن التشكيلة الوزارية أو خارجها”.

بالفعل حضرت في الموعد فأخبرني أنه لم تتم إقالتي، ثم بحثت عن فرصة  للحديث في جلسة مؤتمر الشعب العام فلم أجدها إلا أثناء المساءلة.

جهزت نفسي للحديث وأعددت حتى الأحاديث الشريفة والآيات القرآنية التي سأقرأها، ثم تبين أنه لا توجد أية مساءلة لوزارة العدل، ولم تكن للوزراء الذين لديهم مساءلات فرصة للرد عليها.

وعندما تسنت لي الفرصة للحديث ابتدأت بالبسملة والصلاة والسلام على رسول الله الذي وصفته بأنه “القائد الأوحد”.

أبديت استغرابي من عدم مساءلة وزارة العدل، برغم أننا كلجنة شعبية لم نعقد طيلة عامي 2009 و2010 أي اجتماع، لأن شؤون العدل يسيرها رؤساء النيابات والمحاكم، أما أمناء العدل (الوزراء) فما هم إلا “كومبارس”، وهذا يعارض سلطة الشعب التي تحتاج اجتماعات ربع سنوية على الأقل. كما أن هناك متهمين محكومين بالبراءة لم أتمكن من إطلاق سراحهم، وهناك محكومون بالإعدام قمت بإخراجهم وكل ذلك لم تتم مساءلتي عنه، لذلك لا يشرفني أن أبقى.

هذا الكلام أحدث ردة فعل من معمر القذافي وهدى بن عامر وحدث بيننا النقاش الذي يعرفه الليبيون.

س- ألم تخف أن يتم استهداف حياتك من قبل معمر القذافي والمحيطين به؟

ج- القذافي لا يتورع عن فعل أي شيء لكنني لم أخف يوماً برغم التحذيرات التي وصلتني من الأصدقاء ومن بعض الوزراء، خصوصاً أنني كنت أقيم عازباً في طرابلس [المستشار مصطفى عبد الجليل لم يكن  يقيم بشكل مستمر في العاصمة وكان يتردد عليها لوحده بدون العائلة- المحرر]. عندما كان بعض الليبيين يرونني في مطار الأبرق مسافراً كانوا يلغون رحلتهم خوفاً من أن يتم تفجير الطائرة.

س- بماذا تفسر أن يتم اختيارك لتولي حقيبة العدل في العهد السابق، رغم أنك لم تكن من المحسوبين على النظام؟

ج- في تلك الفترة كانوا يريدون الإصلاح، وعندما عُرضت علي حقيبة العدل رفضت بشدة وتحججت بعدم معرفتي باللغة الإنجليزية، فردوا بأنهم يريدون وزيراً للعدل من شرق ليبيا، وحين رشحت لهم عدة شخصيات قالوا “نريدك أنت شخصياً”.

وللعلم لم أكن أنا الوحيد غير المحسوب على النظام، فهناك وزراء آخرين مثل الدكتور علي العيساوي ومحمد بوعجيلة الذي للأسف لم ينضم للثورة، كما قام النظام بدعوة عدد من المعارضين للمشاركة في الإصلاح وأخرج عدداً من السجناء.

ولكن عملية الإصلاح كانت تهدف إلى استمرار معمر القذافي وأبنائه في الحكم إلى ما شاء الله، لولا أن الله أراد غير ذلك فوقعوا في الخطأ عندما قال سيف الإسلام في أول خطاب له خلال تلك الفترة “أن الأخطاء الحاصلة لم تكن من أبي بل من المحيطين به، وهؤلاء هم القطط السمان التي سألاحقها”.

كما أن جميع المشروعات التي جاءت مع الإصلاح خُصصت لها مبالغ مغالى فيها، ما أشعر الثوريين (المحيطين بالقذافي) بأن المال قد صار خارج أيديهم، وأنهم محل اتهام، وبالتالي التفوا حوله وعملوا على تعطيل تلك المشاريع، ومن ضمنها مشروع إنشاء 60 ألف وحدة سكنية في بنغازي، والتي لو أنجزت في الموعد المحدد لها وهو 9.9. 2009، وكذلك بقية المشاريع في باقي المدن، لما خرج أبناء بنغازي وبقية المدن الليبية بالكثافة التي خرجوا بها في بداية الثورة.

س- هل يمكن أن تحدثنا عن تفاصيل انشقاقك عن نظام القذافي؟

ج- أقول مثلما قال رئيس الوزراء الأسبق مبارك الشامخ: “مصطفى عبد الجليل لم ينشق لأنه لم يكن مع القذافي أصلاً”. وأنا كنت أتتبع الأحداث وكانت هناك اجتماعات أمنية داخل النظام، وعندما انطلقت المظاهرات في المنطقة الشرقية غادرت طرابلس على عجل إلى البيضاء في 16 فبراير (شباط) لكي أبقى قريباً من الحدث.

ساءني الإتلاف والحرق الذي قام به الشباب في المدينة، فحاولت رفقة الأخوة محمد الدرناوي وإبراهيم فضيل وإبراهيم هزاوي ثنيهم عن حرق المحاكم ومراكز الشرطة الذي نرى ما ترتب عنه الآن ولكننا كنا نؤمن بأن الثورة ناجحة.

س- أين تصنف نفسك أيديولوجياً؟ هل أنت علماني، سلفي، صوفي، إخواني؟

ج- أنا مسلم عادي لا أقبض يدي أثناء الصلاة، حتى في مكة المكرمة كنت الوحيد بين المصلين الذي يرخي يديه ولا يقبضهما. وذلك ما تعلمناه من أجدادنا وآباءنا.

ليست لي أي أيديولوجيا والإسلام هو الوسط الذي ليس فيه مغالاة في التشدد أو التفريط.

 س- هل سيكون لك أي دور في الحياة السياسية في ليبيا بعد المؤتمر الوطني العام، وهل يمكن أن تنضم إلى حزب سياسي معين؟

ج- لم يكن لدي رغبة في العمل السياسي لا في السابق ولا في اللاحق ولا حتى هذا اليوم، بل عندما غادرت المجلس الانتقالي سجدت لله “سجدة شكر، فقد جاءنا ما كفانا”.

لقد قالوا أنني من قتلت عبد الفتاح يونس، وهربت بشير صالح، وأخرجت مصطفى الخروبي لأداء فريضة الحج وهو لم يذهب أصلاً للحج، ويتحدثون أنني أحمل الجنسيتين التركية والقطرية، وأقيم في إيطاليا.

كما تعرضنا للاقتحامات والمحاصرة، وتعرضنا للخطر في أكثر من مناسبة، والحمد لله تحملنا كل ذلك، ولم نمس أنا أو حرس المجلس أحداً بأذى، رغم القيل والقال والأفعال التي يندى لها الجبين.

أنا لن أنتمي إلى أي حزب وسأدلي بصوتي في الانتخابات كمواطن.

س- أثناء تحرير طرابلس كان لك تصريح اعترفت فيه بوجود فساد في المجلس الانتقالي، ووعدت بكشف المتورطين، أين وصل هذا الملف؟

ج- أعتقد أن تقرير ديوان المحاسبة وضح هذا الأمر فأغلب أعضاء المجلس استلموا “عُهداً” ولم يقوموا بتسويتها بالشكل المناسب وهذا يعتبر فساداً، وظهر ذلك في تقرير ديوان المحاسبة.

س- شهدت فترة المجلس الانتقالي اعتصامات تطالب باستقالة عبد الحفيظ غوقة (الناطق السابق باسم المجلس الانتقالي).هل كان غوقة ضحية مؤامرة ما؟

ج- غوقة كان محامياً ناشطاً حتى أيام النظام السابق. إنه مناضل وحقوقي من أوائل من التحقوا بالثورة وتم ترشيحه من قبل المجلس المحلي بنغازي كممثل لهم في المجلس الانتقالي وكان الناطق الرسمي للمجلس. تعرض في تلك الفترة للضرب في جامعة بنغازي، وهوجم المجلس بحثاً عنه، ما دفعه إلى الاستقالة.

لكن ما ألصق به من اتهامات مالية ما هي هي اتهامات مغرضة وغير صحيحة، فالرجل لم يرتكب أي فعل مما نسب إليه، وكان ضحية أشخاص غوغائيين.

س- لو عاد الزمن بالمستشار مصطفى عبد الجليل إلى الوراء ،ما هو القرار الذي اتخذته وتمنيت أنك لم تتخذه، والقرار الذي لم تتخذه وتمنيت أنك اتخذته؟

ج- الأمور كانت تسير بإرادة الله سبحانه وتعالى. وأنا لم أندم على عدم اتخاذي قرار رأى الناس أنه يستوجب الاتخاذ، ولم أندم على قرار اتخذته ورأى الناس أنه كان مخطئاً، وأتحمل مسؤولية ذلك.