فاز راشد الغنوشي بولاية جديدة من أربع سنوات على رأس حركة النهضة خلال المؤتمر الذي انتظم الأسبوع الماضي رغم أن جزءا من المؤتمرين منحوا ثقتهم إلى مرشحين آخرين.

فرغم أن نتيجة الانتخابات أظهرت توافقا كبيرا حول الزعيم التاريخي لحركة النهضة فإن كواليس المؤتمر أظهرت في مقابل ذلك وجود صراع خفي على قيادة مفاصل هذا الحزب الإسلامي.

فاز راشد الغنوشي بولاية جديدة من أربع سنوات على رأس حركة النهضة خلال المؤتمر الذي انتظم الأسبوع الماضي رغم أن جزءا من المؤتمرين منحوا ثقتهم إلى مرشحين آخرين.

فرغم أن نتيجة الانتخابات أظهرت توافقا كبيرا حول الزعيم التاريخي لحركة النهضة فإن كواليس المؤتمر أظهرت في مقابل ذلك وجود صراع خفي على قيادة مفاصل هذا الحزب الإسلامي.

وكان كل من القياديين عبد الحميد الجلاصي وعبد اللطيف المكي اللذان أمضيا أحكاما سجنية في العهد السابق في معركة انتخابية مفتوحة مع الغنوشي من أجل تحجيم دوره وصلاحياته.

ورغم أن هذا الشق حاول من خلال بعض اللوائح المقدمة تقليص نفوذ الغنوشي، فإن الأخير استطاع بملاحظة المراقبين أن يسحب البساط من تحت أقدامهم ويوسع من صلاحياته.

وكاد الغنوشي أن يسحب ترشحه في موقف غاضب من محاولات هذا الشق الدفع نحو توزيع النفوذ على المؤسسات التي تحكم الحركة، لكن الغنوشي تخطى معارضيه وبسط سيطرته.

مخاوف

ولم يرفض التيار المعارض لتفرد الغنوشي بزعامة الحركة ضرورة بقائه على رأس القيادة بقدر ما رفض تعزيز صلاحياته لذلك طالب بعض القيادات بخلق نفوذ متوازن داخل الحركة.

وفي تصريح يلخص بعض ما جاء في كواليس مؤتمر حركة النهضة قال القيادي بالحركة ووزير الصحة السابق عبد اللطيف المكي لوسائل الإعلام “نريد حركة لديها زعيم وليس زعيما لديه حركة”.

وتعكس هذه التصريحات وجود حالة من التخوف لدى بعض قيادات حركة النهضة من تفرد الغنوشي بزعامة الحزب وإطلاق يده على جميع هياكل الحزب بسبب توسع دائرة صلاحياته.

ومع أن أنصار الغنوشي يرون أن الأخير يبقى صمام الأمان للحركة التي حافظت على بقائها كرقم صعب في المعادلة السياسية فإن معارضوه يعيبون عليه عدم تكريس الإصلاحات والديمقراطية.

وبحسب مراقبين لم يكن جوهر الصراع الخفي الذي طفت جوانب منه على السطح داخل مؤتمر الحركة يتعلق بسياساتها بقدر ما كان يتعلق بالزعيم الذي سيرسم وينفذ والمؤسسات التي ستراقبه.

والخلافات داخل حركة النهضة كانت جلية خلال المؤتمر الأخير خصوصا بعد مقاطعة قياديين بارزين للمؤتمر الانتخابي وهما سمير ديلو وعامر العريض المحسوبان على التيار الإصلاحي.

هذا الغياب يعد سابقة في تاريخ الحركة المتضامنة عقائديا وتركيبيا والتي يبدو أنها رحاها أصبح يدور اليوم حول فلك الغنوشي الذي يصفه البعض بأنه حنفية المال للحركة والعقل المدبر لسياساتها.

الزعيم الأوحد

وبحسب نبيل الشاهد الإعلامي والمحلل فإن المؤتمر العاشر لحركة النهضة “كان في نهاية الأمر استفتاء على توسيع صلاحيات الزعيم الروحي للحركة راشد الغنوشي”.

ويتابع “عمليا لم يفرز المؤتمر إلا ترسيخا لسطوة الغنوشي على مؤسسات القرار داخل الحركة منذ أربعين عاما وإحكام قبضته على الأقل لأربع سنوات مقبلة بصلاحيات أوسع وورقة ضغط جديدة تتمثل في إقرار أحقية رئيس الحركة الترشح للمناصب العليا للدولة بما فيها الرئاسة”.

ويخلص الشاهد في تحليله إلى أن المؤتمر لم يغير كثيرا داخل الحركة رغم كل البهرج والتسويق الإعلامي للفصل بين الدعوي والسياسي “في ظل غياب آليات واضحة وطرح ضمانات تنفيذ هذا الفصل”.

ويرى الشاهد أن حركة النهضة نجحت في تحويل وجهة المتربصين بها من المعارضة السياسية والرأي العام بالتركيز على مسألة الفصل بين الدعوي والسياسي لإخفاء مشاكلها الداخلية إضافة إلى تمرير تقريرها المالي والأدبي في شبه تكتم.

توافق داخلي

لكن القيادي بحركة النهضة نجيب الغربي يقول لـ”مراسلون” إن حركة النهضة نجحت في حسم خلافاتها وتجذير حالة من التوافق الداخلي حول انتخاب الغنوشي “بفضل سياسته المعتدلة التي ترمي لتحسين صورة الحزب والقبول بتبني خيار الانفتاح والمصالحة والفصل بين السياسي والدعوي”.

لكن عالم الاجتماع السياسي طارق بلحاج محمد يعتبر أن هذا الإعلان عن الفصل بين السياسي والدعوي لا يعدو أن يكون سوى مجرد “مناورة تكتيكية وليس تحولا استراتيجيا في فكر النهضة ومرجعيتها وطريقة تعاطيها ومشروعها الاجتماعي والثقافي والعقائدي”.

ويقول “هذا ينم عن واقعية سياسية وانحناء للعاصفة المحلية والاقليمية والدولية أكثر منه تعبير عن تغير نهجها وتوجهاتها وقناعاتها. فجمال فتاة الغلاف في فن التسويق لا يعكس بالضرورة جودة المنتوج داخل العلبة وهذا هو تقريبا حال النهضة في هذا الإعلان”.

ويضيف “كان من الممكن أن يكون لهذا الفصل مفاعيل عميقة لو ارتبط فعلا بنقد ذاتي وتقييم واعتذار عما قامت به هذه الحركة عندما كانت في المعارضة وعندما مارست الحكم لكن هذا لم يحدث”.

ويتابع “حتى وإن كان هذا التوجه الجديد صادقا فإن الأمر يتعلق بجزء من قيادات النهضة وليس من كل قياداتها التاريخية والحالية ولهذا فهو طرح ومشروع مرتبط بفريق منها أو بجزء من قياداتها”.