بدأت فايزة أبو النجا العمل في السلك الدبلوماسي من 1975 وانضمت لفريق الدفاع المصري في لجنة التحكيم الخاصة بطابا في 1987. وكانت مندوب مصر في الأمم المتحدة من 1999 إلى 2001 ووزيرة التعاون الدولي من 2001 حتى 2012. وعينها رئيس الجمهورية مستشارة له لشئون الأمن القومي في نوفمبر 2014. وفي هذا كله، دائما كانت أبو النجا أول امرأة تطأ هذه المواقع.  

بدأت فايزة أبو النجا العمل في السلك الدبلوماسي من 1975 وانضمت لفريق الدفاع المصري في لجنة التحكيم الخاصة بطابا في 1987. وكانت مندوب مصر في الأمم المتحدة من 1999 إلى 2001 ووزيرة التعاون الدولي من 2001 حتى 2012. وعينها رئيس الجمهورية مستشارة له لشئون الأمن القومي في نوفمبر 2014. وفي هذا كله، دائما كانت أبو النجا أول امرأة تطأ هذه المواقع.  

يتباهى أنصار النظام الحالي بتعيين أبو النجا مستشارة باعتباره خطوة متقدمة على طريق تمكين المرأة من شغل المناصب العامة. لكن لا يمكن اعتبار فايزة أبو النجا شخصية ديموقراطية. فلديها مثلا تاريخ طويل من العداء مع منظمات المجتمع المدني وتتعامل معها باعتبارها ألعوبة في الأيادي الخارجية. وهي لا تعطي وزنا لقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية في السياسة عامةً والتعاون الدولي خاصةً، حيث لا يجب أن يتعامل أحد مع الخارج سوى الدولة ومن تسمح لهم الدولة.

ففي إطار شهادتها بخصوص قضية المنظمات الأمريكية غير الحكومية العاملة في مصر في 2011، المتهم فيها مصريين وأمريكيين، اعتبرت أن هذه المنظمات تنشر الفوضى، واعتبرت القضية حربا من أجل الاستقلال الوطني وأن “الأمة المصرية ترفض أن تكون سلعة عديمة القيمة تتداولها أيادي الأقوياء“. لكنها لم تعترض مثلا على تهريب المتهمين الأمريكيين المحبوسين على ذمة القضية سرا في اختراق عجيب لسيادة القانون حتى أن قاضي التحقيق في القضية استقال فيما يبدو احتجاجا على هذا.

كذلك، لم تقدم فايزة أبو النجا طوال مسيرتها أي شيء لحقوق المصريات على العكس مثلا من نساء أخريات في السلطة كميرفت التلاوي أو حكمت أبو زيد ممن يمكن أن نطلق عليهم نسويات الدولة. فحكمت أبو زيد رعت مشروعات مثل الرائدات الريفيات والأسر المنتجة وخاضت نقاش مع عبد الناصر وغيره من رجال الحكم حول المواد الخاصة بالمرأة في الميثاق. وميرفت التلاوي تبنت قوانين كانت الحركة النسوية تدافع عنها لسنوات مثل تلك الخاصة بالختان والخلع وسن الحضانة والولاية التعليمية على الطفل وكذلك دخلت في خلافات مع أجهزة الدولة حول تعيين المرأة في المناصب العامة لا سيما القضاء. لكن فايزة أبو النجا اشتركت معهن في خصلة أساسية وهي المساهمة في تقييد حق المواطنات والمواطنين في التنظيم الحر بتبني مفاهيم وقوانين تقييدية لتنظيم العمل الأهلي ومنه العمل النسوي (راجع مثلا دور حكمت أبو زيد في إصدار قانون الجمعيات الأهلية عام 1964 أو ميرفت التلاوي في قانون عام 2002).

إذن هل تعيين امرأة كهذه في موقع كهذا خسارة كاملة للنضال النسوي الديمقراطي؟ إجابتي لا. فوجود امرأة في موقع لم تطأه قدم أنثى من قبل له بعض المزايا حتى لو كانت هذه المرأة من أعداء الحركة النسوية ومن طبقة اجتماعية عليا تستغل الطبقات الأدنى. فالنساء تواجه عوائق في الترقي الوظيفي والمهني ووجودهن في هذه المواقع الجديدة يكشف إشكاليات من المهم كشفها. على سبيل المثال عانت المصريات من مختلف الطبقات طويلا من الأنظمة التي تمنعهن من إنهاء العلاقة الزوجية، لكن كثيرا ما كان لنساء الطبقة الوسطى والعليا المتعلمات الصوت الأعلى في النضال ضد هذه القوانين والفرصة الأكبر في كسرها. لكن فعليا من أكثر من استفدن من قانون الخلع هو النساء الفقيرات اللاتي ليس لديهن ما يخسروه من ترك العلاقة الزوجية. كذلك، من حصلت على حكم من المحكمة الدستورية بإلغاء قرار وزير الداخلية الذي يجعل الزوج متحكما في قدرة زوجته على السفر هي موظفة كبيرة تعمل في دبي أدرجها زوجها فجأة على قوائم الممنوعين من السفر. ربما لم تفكر هذه السيدة في حقوق باقي النساء من الطبقة العاملة اللاتي يحتجن للسفر للعمل في مهن أبسط كثيرا من مهنتها، لكن الحق الذي انتزعته لنفسها ساعدهن بالتأكيد.

الحركة النسوية تناضل من أجل حقوق النساء في العمل والتعليم والمشاركة السياسية والحياة الشخصية، وتعتبر أن لا تقدم في المجتمع إلا بتحرير نصفه من القيود الواقعة عليهن. لكن الحقوق التي تنتزعها الحركة وتجبر الدولة والمجتمع على الاعتراف بها تتمتع بها جميع النساء قانونيا سواء كن عاملات أو رأسماليات أو كن رجعيات أو تقدميات.

وعمليا، قد تستفيد النساء السلطويات من المنجزات التي تكتسبها الحركة النسوية أكثر من الديمقراطيات، فالتنفيذ الفعلي للمبادئ يكون بأيدي من له السلطة والنفوذ. مثلا، ناضلت الحركة النسوية وحلفاءها من التنظيمات الديمقراطية من أجل إقرار مبدأ التمييز الإيجابي في دستور 2014 لكن السلطة الحاكمة والقوى الاجتماعية المهيمنة هي التي وضعت قانون مجلس النواب الجديد والذي جعل القائمة الانتخابية مطلقة وليست نسبية، ومن ثم لن تدخل مجلس النواب سوى النساء المنضمات للقائمة الأقوى (القائمة المتحالفة مع النظام الحاكم وأصحاب النفوذ المستندين لرؤوس الأموال والعصبيات). ولهذا يُطرح السؤال أحيانا هل تعبت الحركة النسوية من أجل انتزاع مكسب لعموم النساء أم للاستبداد؟ وهو في الحقيقة سؤال مغلوط وبه الكثير من الابتزاز، فالمشكلة ليست في المكتسب وإنما في توازن القوى القائم، وهي مشكلة نجدها قائمة بالنسبة لكوتا الأقباط أو العمال والفلاحين وغيرها بل ومع العملية الانتخابية برمتها.

ابتزاز شبيه تتعرض له الحركة النسوية حين يقدم نظام كالنظام الحاكم لمصر حاليا باتخاذ بعض الخطوات الإيجابية حيال حقوق النساء (تعديل المواد القانونية المتعلقة بالعنف الجنسي – استحداث وحدات مكافحة العنف ضد المرأة – زيادة عدد النساء في البرلمان)، وهي خطوات تكون الحركة قد ناضلت من أجلها لسنوات ويقرر النظام في توقيت معين قبولها – بل ونسبها لنفسه – لأسباب مركبة، وقد حدث هذا كثيرا في التاريخ مع الأنظمة الاستبدادية غير الإسلامية مثل بورقيبة أو عبد الناصر أو مبارك في النصف الثاني من عهده.

يصدق البعض مثلا أن محاكمة مغتصبي الفتيات في التحرير في يناير 2013 ويونيو 2014 جاءت فضلا من السيسي. لكن تلك المحاكمة منتج للحركة المناهضة للعنف الجنسي تحت الأنظمة المتعاقبة، بل وثمرة استفادة الدولة من جهد بعض أطراف الحركة الديمقراطية (المنظمات الحقوقية مثلا) في هذه المحاكمة، تلك المنظمات المهددة بالغلق الآن بسبب القوانين الجائرة التي ستدافع – ودافعت – عنها فايزة أبو النجا وأمثالها وستبررها في الداخل والخارج.

الأمثلة كثيرة. تهاني الجبالي أول قاضية لم تكن تصل لمنصبها هذا سوى بكفاح طويل من أجل تمكين المرأة من دخول القضاء. لكنها أيضا تتخذ مواقف ضد الديمقراطية وضد حقوق النساء. فقد دعت لمنح الأميين نصف صوت فقط في الانتخابات رغم أن أكثر من ثلثي الأميين في مصر نساء، ودافعت عن الكثير من الممارسات القمعية. قام الذكوريون الإسلاميون باستخدام تهاني الجبالي لتشويه حق النساء في العمل في سلك القضاء أصلا.

لكن علاقة الحركة الديمقراطية بالنسوية أصلا علاقة مرتبكة، فرغم أن الحركة النسوية تعتبر جزء من الحركة الديمقراطية الأوسع. وهناك الكثير الذي يجب فعله من أجل تبني الحركة الديمقراطية للنضال النسوي وترجمته إلى انجازات ديمقراطية والتحرر من ابتزاز القوى الرجعية بتصوير منجزات النضال النسوي كأدوات سلطوية. فقد سعد الكثير من الديمقراطيين مثلا بفوز هالة شكر الله برئاسة حزب الدستور في 2014 واعتبروه  دليلا على ديمقراطية وجندرة الحركة الديمقراطية وتنظيماتها، لكن ما الآليات التي تبناها الحزب لاستقطاب وتدريب كوادر نسائية شابة تستطيع أن تحل محلها يوما ما؟ الأحزاب الديمقراطية تطالب بالتمييز الايجابي في القوائم البرلمانية لكنها نادرا ما تتبناها داخل لوائحها الداخلية. أيضا، طالبت الحركة النسوية – ودعمتها في ذلك الأحزاب الديمقراطية – بوضع متميز للنساء في القوائم النسبية لكي تتمكن النساء من مختلف التيارات السياسية في دخول البرلمان، لكن السلطة باغتتها بقانون يجعل المشاركة في القوائم مستحيلة، فهل تقوم الأحزاب الديمقراطية التي ستنافس على المقاعد الفردية بترشيح عدد كاف من النساء؟

لكي تتحرر الحركة النسوية من هذا الابتزاز عليها أولا أن تكافح محاولات النساء السلطويات احتكار الحديث باسم المصريات وتأميم الحركة التي لولاها ما وصلن لهذه المواقع أصلا، وثانيا أن تعتبر نفسها جزء أصيل من الحركة الديمقراطية الأوسع فلا مجال لحركة نسوية حيوية وقادرة على انتزاع مكتسبات مؤثرة بدون حركة ديمقراطية قوية، وثالثا أن تعمل على تبني الحركة الديمقراطية لقضايا النساء وتعزيز أدوراهن داخل تنظيماتها (أي جندرة هذه الحركة نفسها) لكي لا تصبح عملية تمكين النساء وتحررهن حكرا على السلطة المستبدة ونساءها النافذات.