98 صوتا فقط من أصل 217 في المجلس التأسيسي (البرلمان)، منحت الثقة لهيئة الحقيقة والكرامة التي ستشرف على تحقيق مسار العدالة الانتقالية في تونس ما بعد الثورة.

نصاب دون المنتظر من تركيبة قيل إنها توافقية بين مختلف الحساسيات السياسية المنضوية تحت قبة المجلس التأسيسي.

جنين مشوّه

أكثر من نصف أعضاء المجلس لم يمنحوا ثقتهم لهؤلاء وتوزعوا بين رافض ومتردد ومقاطع للجلسة، ما يزيد من احتمالات التشكيك في نزاهتها قبل حيادها ويزعزع ثقة المتدخلين في المجال.

98 صوتا فقط من أصل 217 في المجلس التأسيسي (البرلمان)، منحت الثقة لهيئة الحقيقة والكرامة التي ستشرف على تحقيق مسار العدالة الانتقالية في تونس ما بعد الثورة.

نصاب دون المنتظر من تركيبة قيل إنها توافقية بين مختلف الحساسيات السياسية المنضوية تحت قبة المجلس التأسيسي.

جنين مشوّه

أكثر من نصف أعضاء المجلس لم يمنحوا ثقتهم لهؤلاء وتوزعوا بين رافض ومتردد ومقاطع للجلسة، ما يزيد من احتمالات التشكيك في نزاهتها قبل حيادها ويزعزع ثقة المتدخلين في المجال.

فوسط مثلث من العوائق نشأت هيئة الحقيقة والكرامة؛ ضلعه الأول هو عدم التوافق حول أسماء أعضائها رغم ما يبدو ظاهرا من أنها تركيبة حصلت على تزكية  كل الأقطاب السياسية، أما الضلع الثاني فهو التشكيك في حيادية الأعضاء، ويبقى المناخ السياسي وبطء سير عجلة العدالة الانتقالية آخر ضلع وأكثر الحواجز صلابة في وجهها.

عدد من المراقبين والمختصين في مجال العدالة الانتقالية توقع أن يموت هذا الجنين المشوه أشهرا بعد ميلاده نتيجة كثرة الخلافات حول أعضائه وفيما بينهم، لكن أهم ما يتهددها هو فقدان ثقة من طال انتظارهم للعدالة للانتقالية، في قدرتها على حل مشاكلهم.

قضايا عديدة تنتظر التسوية منذ ثلاث سنوات، منها آلاف الملفات التي عمرت مدارج وزارة العدالة الانتقالية سابقا (وزارة تم حلها في إطار حكومة الكفاءات الجديدة)  ستتم إحالتها لهيئة الحقيقة والكرامة التي ستتولى النظر فيها وفق ما ينص عليه قانون العدالة الانتقالية.

إطناب رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر في الحديث عن “توافق” حول أعضاء هيئة الحقيقة والكرامة” لا يعكس حقيقتها. فالمقايضات التي وقعت داخل لجنة فرز الترشحات لعضويتها تكشف بشكل واضح أن تصريحات رئيس المجلس لا ترتقي للصحة.

المعارضة اعترضت منذ مرحلة فرز الترشحات على ملف الحقوقية والصحفية سهام بن سدرين الذي ورد منقوصا وكان من المفروض ووفق القانون أن يتم رفضه، لكن دعم حركة النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل والتحالف الديمقراطي لترشحها كان الفيصل وتم تصحيح ملفها والابقاء عليه.

في المقابل رفضت ممثلة كتلة المؤتمر الحفاظ على ملف خميس الشماري (كان عضوا في برلمان الرئيس الفار بن علي لكنه عارض قرارات الحزب الحاكم آنذاك مما أدى الى استبعاده واخراجه من البرلمان ركلا وضربا).

وما أن فتح باب الطعون حتى تقدمت كتل المجلس التأسيسي باعتراضات على تركيبة الهيئة التي توافقوا حولها. كما قدمت جمعيات المجتمع المدني بدورها عددا هاما من الطعون والتحفظات. لكن رئيس المجلس خير رفضها جميعا ورفع شعار التوافق على جثة الطعون.

السعي للانتقام

لم تستسغ الجمعيات الحقوقية هذا القرار بل شنت بدورها حملة من الانتقادات له ولأعضاء الهيئة معتبرة أن ما يصفه البعض بالتوافق لا يعدو أن يكون سوى “صفقة سياسية مقنعة”.

فقد أوضح عمر الصفراوي رئيس التنسيقية الوطنية للعدالة الإنتقالية لـ”مراسلون” أن “الهيئة كانت وليدة صفقة سياسية ضربت مصداقيتها وحيادها، ولم يقع اختيار المترشحين وفق المعايير المنصوص عليها بقانون العدالة الإنتقالية بل كانت ترضية للحساسيات الحزبية ليس أكثر ولذلك سيستمر حراك المجتمع المدني نحو تصحيح مسار العدالة الانتقالية”.

وبغض النظر عن الخلافات حول طريقة تنصيب الهيئة، فإن المراقبين للوضع الحقوقي في تونس يؤكدون أن الاسماء المصادق عليها لقيادة قاطرة الحقيقة والكرامة ليست على قدر كاف من الحياد تجاه طرفي النزاع وهم المتورطون مع النظام السابق والضحايا.

ولا ينف المراقبون أن أعضاء الهيئة يحملون ضغائن تجاه نظام بن علي (الرئيس الفار) وقد يقودهم سعي محموم للانتقام بدل تحقيق المحاسبة ثم جبر الضرر والمصالحة، مشككين في قدرة “الضحية” على العفو عن جلادها.

فأغلب الأعضاء المنتخبين لتحمل مسؤوليات صلبها، هم في الأصل ضحايا النظام السابق، زج بهم في السجون وشرد عائلاتهم ومنعهم من ممارسة العمل السياسي والنقابي في حين التجأ بعض منهم للمنظمات الدولية التي احتضنتهم وسخرت لهم  الأموال والدعم والتجهيزات لمقارعة النظام السابق.

رابح الخرايفي عضو لجنة الفرز التي شكلت هيئة الحقيقة والكرامة أكد لـ “مراسلون” أنه رغم اتضاح المشهد بتشكيل الهيئة إلا أن فرضيات نجاحها في مهمتها تبقى نسبية.

وأضاف أنه “من طرائف العدالة الانتقالية في تجارب المقارنة، أن رئيس الهيئة المكلفة بتحقيقها في دولة افريقية عزل من منصبه بعد بضع أشهر من توليه المنصب، بل تم سجنه وحل الهيئة التي عجزت حتى عن ترتيب بيتها الداخلي، فكثرت الصراعات داخلها وحولها وتبين أن رئيسها من الفاسدين”.

وتابع “نحن نخشى أشد الخشية أن يتكرر ذلك في تونس ما حصل وتفشل تجربة العدالة الانتقالية بعد سنوات من انتظار الانصاف والمصالحة، لذلك حرصنا على التوافق حول أعضائها”.

وأعرب الخرايفي عن أمله في أن لا تفشل اللجنة في مهمتها، خاصة وأن “المناخ السياسي متوتر، والعديد من مكونات المنظومة السابقة عادت لسالف نشاطها مما يثير شكوكا حول امكانية الولوج للأرشيف والتحقيق في الانتهاكات ومحاسبة المتورطين”.

الانتخابات أولاً

أعضاء الهيئة ذاتهم، يشاطرون مقولة تأخر تشكيل منظومة العدالة الانتقالية ووقوعها في التجاذبات السياسية والتي لم يحفزها حتى الأحكام الصادرة من القضاء العسكري في عدد من قضايا الشهداء والجرحى والتي وصفت بالصادمة وغير الملائمة للجرائم المقترفة رغم ثبوت الأدلة.

ولئن يحاول نواب المجلس الوطني التأسيسي والأحزاب الممثلة بالحوار الوطني بدورها، إلقاء المسؤولية على عاتق هيئة الحقيقة والكرامة حديثة التشكل، لإنصاف الضحايا وكشف الحقائق وتحديد المسؤولين عن قتل شهداء الثورة وكتابة تاريخ الثورة التونسية من جديد، فإن ذلك سيؤدي لإغراق الهيئة الجديدة التي ستواجه سيلا من الملفات والقضايا ما إن تنطلق في عملها.

زهير مخلوف عضو الهيئة المنتخب قال لـ “مراسلون”، إنه إثر مرور ثلاث سنوات على الثورة، وإثر ما صدر عن القضاء العسكري من أحكام في قضايا الشهداء والجرحى “من المنطقي أن تكون ارادة إرساء العدالة الانتقالية محل شك وتفقد التونسيين الثقة في هذه العدالة نتيجة المناخ العام للبلاد”.

ورأى أن كل التجاذبات التي طغت على الساحة السياسية كان محورها الاستحقاق الانتخابي، ولم توضع العدالة الانتقالية على رأس الأولويات وسط هذا الزخم السياسي.

“فحتى الحوار الوطني ووسطاؤه لم يضعوا تفعيل منظومة العدالة الانتقالية صلب خارطة الطريق وهو ما يكشف فعلا أن الجدية في التعامل مع هذا الملف لم تكن بالحد المطلوب”.

وطالب مخلوف في حديثه لـ “مراسلون”، كافة مكونات المشهد السياسي والمجتمع المدني بأن تكون داعمة للهيئة ومعينة لها على إنجاز مهمتها، “باعتبارها اهم ركائز النظام الديمقراطي”.

وستواجه الهيئة طيلة الأربع سنوات القابلة للتمديد لسنة، وهي فترة وجودها القانوني، تحديات كبرى. وتلوح في أفقها مهمات صعبة سيزيدها التشكيك في نزاهتها صعوبة وإرباكا، خاصة وأن المجتمع المدني التونسي يوجه أنظاره على تحركاتها وقراراتها بعد أن أسندت لها صلاحية اعادة النظر والتحقيق في قضايا شهداء وجرحى الثورة.