الشيخ راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الإسلامية، يتحدث لـ “مراسلون” عن موقفه من فتح باب التوبة أمام المتورطين في قضايا إرهاب عائدين من بؤر التوتر، وعن موقفه من الاستراتيجية الحكومية لمكافحة الإرهاب المتفشي بالبلاد.

ويتطرق الغنوشي في هذه المقابلة إلى مشروع قانون المصالحة مع رجال أعمال متهمين بالفساد، ومسائل أخرى متعلقة بالتحالفات المقبلة في سياق الانتخابات المحلية.

الشيخ راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الإسلامية، يتحدث لـ “مراسلون” عن موقفه من فتح باب التوبة أمام المتورطين في قضايا إرهاب عائدين من بؤر التوتر، وعن موقفه من الاستراتيجية الحكومية لمكافحة الإرهاب المتفشي بالبلاد.

ويتطرق الغنوشي في هذه المقابلة إلى مشروع قانون المصالحة مع رجال أعمال متهمين بالفساد، ومسائل أخرى متعلقة بالتحالفات المقبلة في سياق الانتخابات المحلية.

الحوار وحده.. لمعالجة ملف الإرهاب

هناك تصريحات متواترة حول التحاور مع أولئك العائدين من بؤر الارهاب في الداخل والخارج. ما هو موقفكم من ذلك؟

هذا أمر يحتاج إلى استراتيجية عامة تضعها الدولة لاحتواء ظاهرة الإرهاب على نحو يعتبر هذه الظاهرة معقدة ولا يجب أن يضطلع بها جهاز واحد وهو جهاز الأمن والقضاء، بل يجب وضع استراتيجية تشمل التنمية والحوار الفكري الديني الذي يقوم به علماء مؤهلون حتى تعالج هذه الظاهرة معالجة تناسب طبيعتها المركبة.

أما العلاج الأمني، فيمكن القبض على آلاف من هؤلاء والزج بهم في السجون لكن ما سيحصل أن السجون ستصبح مجال استقطاب ومجال ترسيخ لهذه الأفكار السوداوية وسنجد وراءهم آلاف من البشر ومن العائلات التي ستتعاطف معهم، وهذه قصة حركة النهضة التي سجن عشرات الآلاف منها فتعاطفت معهم عائلاتهم وها هي في الحكم اليوم.

إذا أردنا أن تكون “داعش” في الحكم إثر عشر أو عشرين سنة فلنستمر في اعتماد نفس المعالجة الأمنية.

هل ترون أنه من الممكن ومن المقبول التحاور مع الأشخاص الضالعين في الإرهاب والقتل؟

الحوار ركيزة أساسية لمعالجة ظاهرة الإرهاب. هناك تجارب أخرى ناجحة مثل ما حصل في المغرب الذي ابتلي بهذه الظاهرة وعالجها بمحاورة هؤلاء الشباب وتمكن من إقناعهم بأن تصوراتهم الدينية ليست صحيحة وأن الاسلام ليس قتلا واضطهادا للمرأة وإنما عدل ومساواة، لذلك وجدنا بعضهم صار إماما بمسجد صلّى وراءه الملك محمد السادس.

تجربة الحوار ليست من التجارب الجديدة وانما مورست في المغرب والسعودية ومصر وفي الجزائر، وهناك حزب جزائري أعلن عن نفسه مؤخرا وزعيمه كان يتزعم سابقا الجبهة الإسلامية للإنقاذ وهو الذراع المسلح للجبهة الإسلامية سابقا وأنصاره حاربوا الدولة لمدة ست أو سبع سنوات وقتلوا ما قتلوا. في النهاية وإثر الحوار سلموا أسلحتهم وعادوا للحياة المدنية والبارحة انتظموا في إطار حزب سياسي.

هذه تجربة عظيمة تفند القول بأن الإرهاب لا يعالج إلا بالسجون.

كيف تقيمون تعامل السلطات التونسية مع الموقوفين في قضايا الارهاب؟

نحن ضد أي ممارسة يقوم بها الأمن أو القضاء ضد القانون، لذلك تولينا المشاركة في اللجنة البرلمانية التي تولت التحقيق في شبهات التعذيب والتقت مع المعنيين بالأمر وقدمت تقارير وبالتالي لا ينبغي أن تتخذ الحرب على الارهاب ذريعة لتجاوز حقوق الانسان والتعذيب. الشرطة تعاني الأمرين في معالجة الإرهاب وحياة رجل الأمن مهددة وهو يواجه أناسا شرسين وصحيح أنه ليس من اليسير عليهم أن يلتزموا بالقانون لكن عليهم أن يتقيدوا به وعلى الدولة أن توفر له وسائل الحماية الكافية لهم.

نريد استرجاع الأموال المنهوبة

أحدث مشروع قانون المصالحة مع رجال أعمال متهمين بالفساد خلافا كبيرا في البلاد. ما هو موقفكم من تمرير هذا المشروع؟

نحن ننظر إلى هذا المشروع على أنه يمثل أرضية ملائمة للشروع في معالجة التجاوزات المالية لبعض رجال الأعمال والموظفين الحكوميين من أجل استعادة الأموال المنهوبة والمهربة. لكن مشروع القانون يحتاج إلى تعديلات وإصلاحات حتى يكون مجاله متمايزا عن مجال العدالة الانتقالية ونحن حريصون جدا على أن يستمر مسار العدالة الانتقالية دون أن يأخذ مجالا آخر يختلط مع المصالحة الاقتصادية.

كيف تنظرون للاحتجاجات الرافضة لهذا المشروع الذي اعتبره البعض رد جميل من الرئيس التونسي لرجال أعمال مولوا حملته الانتخابية؟

أنا لا أحكم على المقاصد وإنما أحكم على هذا المشروع الذي يبقى قابلا للتطوير والرئيس التونسي عندما طرح من خلال مبادرته التشريعية هذا المشروع قال إن القانون بين أيديكم وعدلوا فيه كما شئتم وهذا المشروع هو ليس نصا قرآنيا حتى نتمسك بما جاء فيه حرفيا وإنما هو مبادرة تشريعية تهدف لاسترجاع أموال منهوبة لاستغلالها في التنمية والبنية التحتية عوضا عن ترك تلك الأموال تضيع.

ولكن حركة النهضة الإسلامية طالما رفعت شعار محاسبة الفاسدين، ما الذي جعلها تبارك مشروع العفو على رجال الأعمال؟

نحن لسنا ضد المساءلة أو المحاسبة بالعكس نحن نرفض إسقاط أي دعاوى قضائية في حق المتهمين بالفساد من دون محاسبة كخطوة أولى تقودنا فيما بعد إلى جبر الضرر والمصالحة. المطلوب الآن ليس غلق ملف المحاسبة وإنما فتح الملفات واسترجاع الأموال المنهوبة والمهربة، إذ ليس من مصلحة الشعب التونسي في هذا الظرف الصعب أن تبقى تلك الأموال المهربة مدفونة ومخبأة في خزائن سويسرا أو في هاواي أو غيرها من البلدان.

مصلحة الشعب التونسي تكمن في استرداد تلك الأموال وتوجيهها للتنمية والاستثمار في المناطق الفقيرة والعناية بالفئات المهمشة والمعطلة عن العمل لذلك نحن نؤيد مشروع قانون المصالحة رغم أننا نحرص على إدخال بعض التعديلات فيه.

هل لديكم نية في إدخال بعض التعديلات على مشروع قانون المصالحة الاقتصادية من خلال كتلتكم البرلمانية؟

لقد كونا لجنة من البرلمانيين وتضم أعضاء من المكتب السياسي لحركة النهضة ومن خبراء في القانون لدارسة المشروع وايجاد خط التمايز بين المصالحة الاقتصادية والمصالحة السياسية. ونحن بصدد العمل على تقديم مقترحات تعديل لتنسيقية أحزاب الائتلاف الحاكم للتوافق بشأنها ومن ثمة سيتم عرض مقترحات التعديل على البرلمان عند البدء في مناقشة مشروع القانون.

الهيئة.. وليس سهام بن سدرين

ما تقييمكم لعمل هيئة الحقيقة والكرامة التي تشرف على العدالة الانتقالية بعد الحرب الكلامية بين أعضائها وموجة الاستقالات وإعفاء أحد أعضائها؟

نحن نعتبر أن هذه المؤسسة بقيت منذ تكوينها تعمل على تسوية وضعياتها الداخلية وتكوين لجانها الجهوية وإدارتها دون أن تنطلق في العمل الفعلي في البحث عن الحقيقة وكشف التجاوزات السابقة. لقد تسلمت الهيئة حتى الآن قرابة 15 ألف ملف ونحن نستحث هذه الهيئة حتى تنطلق في عملها تعالج اختلالاتها وتوحد صفوفها ولا يبقى هناك مجال للأخذ والرد والتشكيك في أدائها إلى درجة أن البعض أصبح يطالب بتغيير تركيبة الهيئة بالكامل.

هل تحظى سهام بن سدرين رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة بحماية خاصة من حركة النهضة؟

ليست سهام بن سدرين التي نحرص على رعايتها وعلى انطلاق عملها في أحسن الظروف وإنما هيئة الحقيقة والكرامة باعتبارها هيئة مسؤولة عن المسار العدالة الانتقالية وكشف الحقيقة ومساءلة المورطين في منظومة الفساد والاستبداد. وبالتالي القضية ليست قضية حزبية أو شخصية وإنما قضية وطنية تهم مصير الشعب بأكمله.

ماذا عن رأيكم في دعوة بعض النواب لتشكيل لجنة تحقيق برلمانية حول شبهة فساد تحوم حول رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة؟

نحن لا نساند تكوين هذه اللجنة البرلمانية وقضية هيئة الحقيقة والكرامة قضية دستورية ينبغي أن يتم التعامل معها بتروّ، فقضية العدالة الانتقالية قضية وطنية وليست حزبية.

نحن دعونا الهيئة إلى أن تلملم صفها وتنطلق في العمل وأن تسد الشغورات الحاصلة في بنيانها ولا يوجد حسب ظني من يسعى لحل الهيئة أو استبدال تركيبتها وهذا ما سننقله في اجتماعنا في إطار تنسيقية أحزاب الإتلاف الحاكم حتى نتخذ قرارا مشتركا بشأنه باعتبار أن الحكم القائم اليوم هو حكم ائتلافي وليس حكم حزب واحد.

الأحزاب الكبيرة تدخل الانتخابات وحدها

لكن هناك أحزاب داخل الائتلاف الحاكم تشتكي من تغول حركة نداء تونس وفرضه اختياراته فيما يتعلق بتعيين الولاة، كيف تردون على هذا؟

ليس هناك أي إمكانية لتغول أي حزب سياسي على الحكم الأن الشعب التونسي لم يعط الحق لأي حزب كي يهيمن لوحده على السلطة وحكم علينا بأن نحكم في إطار تشاركي وفي إطار ائتلاف.

أما قضية تعيين الولاة فهي ليست قضية صراع بين الأحزاب لأن كل حزب في الائتلاف الحاكم قدم مقترحاته لرئيس الحكومة الذي كانت له الكلمة الأخيرة والحاسمة في هذا الموضوع.  

كيف تقيمون عمل الحكومة الحالية برئاسة الحبيب الصيد؟

حكومة الحبيب الصيد تبذل كل جهدها من أجل الانطلاق بالتنمية ونحن ندعم هذه الحكومة ونعمل على إنجاحها ونتمنى من الشعب التونسي أن يعمل على ذلك أيضا وأن يعطيها الفرصة حتى تختبر اختبارا حقيقيا، لأن نجاح الحكومة هو نجاح للتجربة الديمقراطية في تونس.

نحن نعطي الأولية الآن لاستقرار الحكومة رغم أنه قد يحصل تحوير وزاري جزئي في الفترة القادمة ولكن نرجو ألا يؤثر هذا التحوير على استقرار الحكومة.

هل تفكرون في خوض الانتخابات المحلية (البلدية) في قوائم مشتركة مع حركة نداء تونس؟

نحن لم نتناقش بعد في هذا الموضوع وعادة الأحزاب الصغيرة هي من تخوض هذه المعارك في إطار تحالفات سياسية أما الأحزاب الكبيرة فهي تدخل معاركها بصفة مستقلة لتختبر نقاط قوتها ونقاط ضعفها. نحن انتخبنا هيئة يترأسها النائب السابق عماد الحمامي وهي ستتولى الإعداد للانتخابات البلدية التي ينتظر أن تجرى العام القادم.

كيف تقيمون الأوضاع الاجتماعية في ظل ما تشهده البلاد من اضرابات واحتجاجات متواصلة؟

ليس خارج عن تقاليد التونسيين ممارسة حقه في التظاهر أو الاضراب، لكن يسوئنا ما يحصل في قطاع التعليم مثلا نحن نعتبر أن رجال التعليم هم أهل تقدير وينبغي أن يستجاب لمطالبهم وتحسين وضعياتهم بما يتناسب وأوضاع البلاد، لكن في كل الأحوال لا يجب أن يتخذ أبناؤنا وبناتنا أداة للمساومة باستئناف العودة الدراسية فهذا غير معقول. العودة المدرسية والامتحانات يجب أن تجرى في موعدها ومطالب المعلمين يجب أن تتم الاستجابة لها أيضا.

لا أحد حريص على النهضة أكثر من غيره

يتحدث الدستوريون عن “علاقة قرابة” مع حركة النهضة الإسلامية هل هذا صحيح؟

نحن والدستوريون لدينا جد واحد وهو الشيخ عبد العزيز الثعالبي مؤسس الحركة الوطنية ونحن ننتسب إليه. من المهم أن نبحث عن قواسم مشتركة كالمدرسة الإصلاحية في القرن التاسع عشر والمصلح عبد العزيز الثعالبي بدل التركيز على فكرة القطيعة ورفض الآخر واعتقد أننا كتونسيين إذا ما استبعدنا الفكر الإقصائي سنجد أن ما يجمعنا كثير لأن تراث الثعالبي وتراث فرحات حشاد ومحمد علي الحامي (شخصيتان نقابيتان مؤسستان) جامع لنا.

هناك تيار متشدد داخل حركة النهضة (يمثله الصادق شورو والحبيب اللوز) عارض تحالفكم مع حركة نداء تونس هل تم اقصاء هذا التيار من الحركة لتبنيه تلك المواقف؟

الحبيب اللوز والصادق شورو رمزان من رموز النهضة ورافد من روافدها، كلاهما بمجلس الشورى وأحدهما مستشار لدى رئاسة الحركة. حركة النهضة حركة واسعة ومتنوعة لكنها جميعا تلتقي حول الإسلام الوسطي والديمقراطية ورفض العنف والاحتكام للمؤسسات، وفي هذا الاطار يوجد أمزجة كثيرة وكلها تتناقش وتتحاور داخل النهضة ولا أحد منها حريص على النهضة أكثر من غيره.

متى ستعقدون مؤتمركم وهل سيحسم في الفصل بين العمل الحزبي والدعوي؟

حركة النهضة حزب مدني باستمرار لكن بقيت مشكلة توزيع الأعمال والمسؤوليات بين مؤسسات الحركة، وهذا هو الموضوع المطروح على المؤتمر الذي تقدمت أشغاله كثيرا وقد ينعقد قبل نهاية السنة أو بداية السنة القادمة.