بعد أن حكم عليه بسنة سجن نافذة وغرامة مالية بسبب استهلاك مادة القنب الهندي المخدرة، غادر منذ فترة الشاب التونسي محمد علي (26 سنة) سجن المرناقية بالعاصمة قبل أن تنتهي مدة محكوميته بعدما شمله عفو رئاسي.
بالنسبة إليه كان خبر إطلاق سراحه بمثابة “الربح في جائزة يناصيب كبرى” فلقد أسعفه الحظ للخروج من جحيم لا يطاق في أكبر سجن بالبلاد التونسية عرف بشدة اكتظاظه وانتشار الأمراض والعنف وحتى الاعتداءات الجنسية وغيرها.
منذ يومه الأول في السجن اضطر محمد بحسب روايته لمراسلون أن يفترش الأرض فوق غطاء في الممر المؤدي على بيت الراحة بسبب عدم وجود أسرة وحشايا كافية للمسجونين، ولم يتمكن من الحصول على سرير إلا بعد 15 يوما من سجنه.
وضع كارثي
يقول محمد علي متحدثا عن الاكتظاظ داخل الزنانين “كانت الغرف تعج بالموقوفين واضطررت لافتراش الأرض كي أنام ولم أتمكن من الحصول على سرير إلا بعدما وعدت سجينا بمنحه علبة سجائر كل أسبوع مقابل أن يترك لي سريره”.
والغرفة التي وُضع فيها محمد علي والتي لا تتجاوز مساحتها 40 متر مربع تحتوي على حوالي 150 سجين وموقوف، وهي ذات جدران اهترأت بفعل الرطوبة وعششت فيها العناكب وأنواع أخرى من الحشرات لم يرها من قبل في حياته.
يقول لمراسلون إنه كان يشعر في بعض الأحيان بالغثيان بسبب انتشار الروائح الكريهة التي تخرج من المراحيض. “في كثير من الأحيان كنت أضغط على نفسي قدر المستطاع حتى لا أذهب لقضاء حاجتي البشرية” يضيف محمد علي.
أما عن الاستحمام فقد كان ينتظر دوره لعشرات الدقائق “فبعض السجناء كانوا يبقون وقتا طويلا بدعوى الاغتسال لكنهم في الحقيقة كانوا يقومون بالعادة السرية. لقد كان ذلك واضحا من خلال الأصوات التي يصدرونها” بحسب قوله.
عراك ومناوشات
وتتميز العلاقات بين الموقوفين داخل غرف السجن بكثرة الخصومات والمناوشات إما بسبب النعرات الجهوية أو التعصب الرياضي أو تقاسم مواد مخدرة بل أن هناك عراك حول الحصول على سجين للاعتداء عليه جنسيا، وفق مصدرنا.
وعلى الرغم من وجود سجانين تعينهم إدارة السجون لحفظ النظام داخل السجن إلا أنهم عادة ما يختارون النأي بأنفسهم عن تلك الخصومات تجنبا لتعرضهم للاعتداء أو الصمت بسبب الحصول على رشوة من قبل أحد أطراف الخصومة.
ويتذكر محمد علي بإحدى الليالي أنه سمع صراخ سجين كان يترجى سجناء آخرين ليتركوه في حال سبيله بينما كانوا يسعون للاعتداء عليه بالفاحشة وذلك دون أن يتدخل أحد من السجانين “إلى أن خيم الصمت على المكان شيئا فشيئا”.
بعد انقضاء ستة أشهر تمكن محمد علي من الانتفاع بعفو رئاسي خلصه من كابوس حقيقي رأى فيه أبشع الويلات. وحتى اليوم لم ينقطع محمد على عن استهلاك مخدر القنب الهندي فقد أصبح يستعمله كوسيلة لتنسيه تلك التجربة السيئة.
قصة محمد علي تختصر تقريبا ما تؤكده تقارير منظمات حقوق الانسان المحلية أو المنظمات غير الحكومية العالمية من أوضاع مزرية تعانيها السجون التونسية منذ سنين طويلة حتى أن السلطات التونسية أقرت بذلك في عديد المناسبات.
بنية متدهورة
والمشكل الأبرز في السجون بنيتها التحتية فهي لم تكن في الأصل مهيّأة لكي تكون سجونا حسب المعايير المتفق عليها بل كان بعضها في السابق ثكنات للاستعمار الفرنسي أو مصانع ومبان قديمة أو اصطبلات وقع التخلي عليها.
وأضحى مشكل الاكتظاظ بالسجون التونسية الشغل الشاغل للمنظمات الحقوقية، ذلك أن المعايير الدولية تقرّ بأن طاقة استيعاب السجن لا يجب أن تتجاوز 1500 سجين في حين أن سجن المرناقية يحوي بمفدره 6 آلاف سجين.
ويقول المنذر الشارني الكاتب العام للمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب لمراسلون بأن الميزانية المخصصة للسجون لا تتجاوز 50 مليون دينار (20 مليون دولار) “وهي ميزانية غير كافية بالمرة لتوفير الحاجيات المطلوبة من صحة والأكل”.
ويضيف محدثنا “السجين محتاج من 4 إلى 6 أمتار مربع حسب المقاييس الدولية ولكن الوضعية في سجون تونس تقتصر على 2.5 متر مربع فقط للسجين الواحد الشيء الذي من شأنه أن يخلق توترات بين السجناء ويسهل انتشار الأمراض المعدية”.
ومن بين أسباب الاكتظاظ في السجون ارتفاع أعداد المتهمين باستهلاك مادة القنب الهندي (53 بالمائة) من مجموع المساجين (قرابة 20 ألف)، هذا إضافة إلى ارتفاع عدد الموقوفين على ذمة قضايا منشورة لم يقع فيها البت أمام القضاء.
كما برزت ظاهرة الموقوفين الذين تتعلق بهم تهم إرهابية. وقد كشفت إحصائيات حديثة عن وجود أكثر من ألف سجين مُدان بقضايا الإرهاب الشيء الذي زاد من المخاوف والتحذير من ظاهرة الاستقطاب ونشر التطرف داخل السجون.
ويشار إلى أنه يتم إيواء المتورطين في قضايا إرهابية بالوحدات السجنية مع بقية السجناء العاديين من دون أن يتم إعداد زنزانات خاصة بهم من أجل ضمان عدم ارتباط سجناء الحق العام أو تعاطفهم مع المتطرفين داخل السجن.