لم تكن حرية التعبير المضمنة في الدستور كافية لتجنب مجموعة من الشباب التونسي التتبعات أمام المحاكم حيث أحيل بعضهم بعد اعتقاله بتهم تتعلق بالكتابة على عقارات عمومية دون رخصة ومخالفة قانون الطوارئ.

من ضمن الشبان الذين تم اعتقالهم بسبب كتابة مواقفه على الجدران الشاب غسان بوعزي رئيس الاتحاد العام لطلبة تونس (نقابة طلابية) الذي كتب على تمثال الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة الذي تم وضعه مؤخرا بقلب العاصمة عبارة “ولد في دارك” (ابنك في البيت).

لم تكن حرية التعبير المضمنة في الدستور كافية لتجنب مجموعة من الشباب التونسي التتبعات أمام المحاكم حيث أحيل بعضهم بعد اعتقاله بتهم تتعلق بالكتابة على عقارات عمومية دون رخصة ومخالفة قانون الطوارئ.

من ضمن الشبان الذين تم اعتقالهم بسبب كتابة مواقفه على الجدران الشاب غسان بوعزي رئيس الاتحاد العام لطلبة تونس (نقابة طلابية) الذي كتب على تمثال الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة الذي تم وضعه مؤخرا بقلب العاصمة عبارة “ولد في دارك” (ابنك في البيت).

تمثال بورقيبة

أراد هذا الشاب من خلال كتابته أن يعبر عن موقف احتجاجي ضد توجه الرئيس الحالي الباجي قايد السبسي الذي يقول مراقبون إنه بصدد تعبيد الطريق أمام صعود نجله حافظ قايد السبسي لمقاليد إدارة حركة نداء تونس التي تقود الحكومة ضمن ائتلاف سياسي مع حركة النهضة الإسلامية وبعض الأحزاب الصغيرة.

وتحيل عبارة “ولدك في دارك” إلى دعوة الرئيس التونسي بأن يترك نجله بعيدا عن السياسة وأن يلتزم بحياده تجاه عائلته وأن يمنعها من التدخل في شؤون الدولة أو حزب نداء تونس.

ورغم أن الشاب غسان بوعزي أكد للشرطة بعد اعتقاله بأنه هدفه كان التعبير عن رأيه وليس النيل من الممتلكات العمومية تم اصطحابه بالقوة إلى وزارة الداخلية حيث تم استنطاقه وإحالته على القضاء قبل أن يتم إطلاق سراحه.

يؤكد غسان بوعزي لـ”مراسلون” أن أعوان الأمن اصطحبوه بعد اعتقاله إلى قاعة المحكمة دون أن يعرف التهمة الموجهة إليه تحديدا قبل ان يخبره محاميه أن تهمته هي “القيام بأمر موحش في حق رئيس الدولة”.

عند مثوله أمام القاضي قال غسان مجيبا عن سبب الذي دفعه للكتابة على تمثال الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة: “ما قمت به كان تعبيرا لإرسال رسالة للحكام الجدد بأنه لا مجال لإعادة استنساخ ظاهرة التوريث وأننا لن نتنازل عن الدفاع عن مبادئ الجمهورية واستقلال القضاء”.

وهج ثوري

يرى غسان الذي عاد لمقاعد الجامعة أن انخراط مجموعة من الشبان في الكتابة على الجدران يعكس حماسهم المتواصل لمقاومة أي شكل من أشكال عودة الدكتاتورية إلى تونس، مبرزا أن هذا الشكل من التعبير له تأثير قوي في السلطة.

وحول المقاصد من الكتابة على الجدران يقول “هذا الأسلوب في التعبير لا يكلف الشباب شيئا ولكنه في نفس الوقت واسع التأثير ومتماشيا مع العصر خاصة إذا كانت الكتابة تجمع بين الفني والسياسي وهذا أمر يمكن أن يلفت الأنظار”.

ويضيف بأن “توجه السلطات لاعتقال الشبان الذين على الجردان يهدف إلى التضييق على حرية تعبيرهم لأنهم يقومون من خلال كتاباتهم بتوصيف الواقع المتردي وتقديم رسائل تنقد للسلطة في كل مدينة وكل منطقة وكل حي”.

ويرى بعض المنخرطين في حملات كتابة المواقف والتعبير السياسية الاحتجاجية على الجدران أن الفضاء الافتراضي لم يعد كافيا للتعبير، معتبرين أن الكتابة على الحيطان “نوع من فنون الشارع التي تلتصق بالناس أشد التصاق”.

قوانين جائرة

تعتبر المدونة لينا بن مهني التي يتم مقاضاتها حاليا بسبب تعليق مناشير تندد بمشروع قانون المصالحة مع رجال أعمال مورطين بالفساد في عهد النظام السابق إن “القوانين التي تجرم الكتابة على الحيطان هي قوانين جائرة”.

وقصة لينا تعود إلى أسابيع قليلة مضت عندما تم إيقافها من قبل أعون الشرطة ليلا مع أحد رفاقها بتهمة “نية إلصاق صور على عقارات عمومية بلا ترخيص”.

وتؤكد لينا لـ”مراسلون” أن رجال الشرطة الذين اعتقلوها أعلموها بأن النيابة العمومية على علم بالحادثة وأن الأخيرة أمرت إحالتهما على القضاء في حالة سراح.

لكن إلى اليوم لم يتم استدعاء لينا ورفيقها للبحث معها من جديد، وهو أمر قال إنه يبعث الريبة لأن “أجهزة الأمن تقوم بحفظ قضايا الرأي لمدة معينة في انتظار إخراجها من جديد على السطح للضغط على المعارضين”.

والتعبير بالصور والمعلقات على الجدران بدأ ينتشر أكثر في تونس مع مجموعة “زواولة” (الفقراء) وهي مجموعة تعرض أعضاؤها لملاحقات أمنية بسبب نشاطاتهم.

ويعتبر شاهين بالريش عضو سابق بمجموعة “زواولة” أن الكتابة على الجدران هي “معركة شوارع بين شباب ثوري والسلطة، بين من يرى في مواقفه دفاعا عن حقوق المهمشين بأسلوب فني وبين من يعتبر ذلك نيلا من النظام”.

وشاهين له ذكريات سيئة مع الملاحقات الأمنية بسبب رسوماته على الجدان. ففي عام 2013 قام مع أحد رفاقه برسم صور على جدران بمحافظة قابس احتجاجا على وجود شبهة فساد في توظيف عمال بالمجمع الكيميائي التونسي الحكومي لكنهما تعرضا إلى ملاحقة أمنية كادت تقصف حياتهما.

ففي تلك الحادثة حاصرتهم مجموعة كبيرة من أجهزة الأمن وقامت بمطاردتهم إلى درجة أن بعض رجال الأمن أطلقوا الرصاص باتجاههما لكن لحسن حظهما تمكنا من الهرب.

في اليوم الموالي علم شاهين أنه محل تفتيش مع صديقه فتوجه إلى مركز الأمن حيث أعلمهم أنه هو المعني بالأمر، متسائلا عن سبب مطارتهم له وإطلاق الرصاص نحوه.

أخبر شاهين بأنه كان متهما مع صديقه بمحاولة إلقاء قنابل حارقة وتخريب منشآت تابعة للدولة، لكنه استطاع أن يفند تلك التهم بإقناعه المسؤولين الأمنيين بأنه كان فقط يعبر عن مواقفه بالكتابة على الجدران.

انتهاكات وضغوط

بعد يومين من ذلك فوجئ باعتقاله من جديد لإعلامه بأنه مطلوب لدى وكيل الجمهورية للتحقيق بتهمة “الكتابة على عقارات عمومية دون رخصة وانتهاك قانون الطوارئ ونشر أخبار زائفة من شأنها تعكير صفو النظام العام”.

وبالفعل تمت إحالته على المحكمة وعُينت له ولصديقه جلسة في الغرض مع إبقائهما في حالة سراح.

أمام هذه التهم التي كادت أن تحيلهم إلى السجن بادرت منظمات حقوقية وسينمائية ومسرحية بتنظيم وقفات احتجاجية للضغط على السلطات من أجل إطلاق سراحهما وعدم التعدي على حرية الرأي والتعبير السلمي.

وخلال جلسة المحاكمة حضر العشرات من المحامين للترافع عن شاهين ورفيقه، وفي النهاية وبحكم الضغط الذي مورس على السلطات تم الحكم بخطايا على شاهين وصديقه.

حتى اليوم تواصل السلطات التونسية التضييق على حرية التعبير بطرق مختلفة حتى أنها تقوم بالتعدي على عمل الصحفيين أنفسهم.