حرب ضارية استمرت خمسة أشهر خاضتها قوات عسكرية تابعة للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني ضمن عملية سميت “البنيان المرصوص” ضد تنظيم داعش داخل مدينة سرت انتهت في ديسمبر 2016، خلف القتال بعدها دماراً كبيراً في المدينة سواءً على صعيد المباني والمرافق العامة أو على صعيد منازل المواطنين وممتلكاتهم الخاصة ما دفعهم للمطالبة بتعويضات عن الخسائر من أجل صيانة وترميم منازلهم المدمرة.
الدمار الذي لحق منازل المواطنين ليس الأول من نوعه، فقبلها تعرضت المدينة للدمار إبان حرب التحرير عام 2011، وتلقى أهلها وعوداً بدفع تعويضات مقابل دمار منازلهم مثلهم مثل باقي المواطنين الليبيين في المناطق الأخرى التي شهدت معارك مسلحة فترة الثورة.
لمعرفة كيف سارت عملية حصر الأضرار وتقدير حجم التعويضات وما تم دفعه منها فعلاً التقى “مراسلون” عميد بلدية سرت مختار المعداني، والذي كان معه الحوار التالي:
س- هل ليكم تقديرات واضحة عن نسبة الدمار بالمدينة؟ وما الذي تم فعلياً في هذا الصدد؟
ج – الحقيقة أن نسبة الدمار مرتفعة جداً بعد تعرض سرت للقصف بشتى أنواع الأسلحة وحتى الطيران، فالحرب استمرت خمسة أشهر متواصلة، ومن خلال رصدنا لما يتم دفعه من إيجارات منازل من قبل العائلات التي نزحت عن المدينة تبين أن حوالي 7 مليون دينار تدفع شهرياً كإيجارات مساكن بدل بيوتهم المتضررة، حيث اضطر أرباب الأسر للخروج بأسرهم خارج المدينة بحثاً عن أماكن آمنة ولا يخفى على أحد الارتفاع المهول الذي طال أسعار العقارات سواءً البيع أو الإيجار في كافة مدن ليبيا.
أما ماتم على الأرض من خطوات فقد شكل المجلس البلدي سرت لجنة تختص بحصر الأسرالمتضررة فقط كمرحلة أولى، فيما تبقى الخطوة التالية حصر المنازل والتي تتباين نسب أضرارها بين كبير ومتوسط، فبعض المنازل بحاجة لترميم فقط فيما البعض الآخر لم يعد صالحاً للسكن.
س – هل هناك عدد معروف للمنازل المتضررة؟
ج – نعم نستطيع القول إن أكثر من 3000 منزل تعرضت للتدمير بالكامل وأصبحت غير صالحة للسكن، إضافة إلى أعداد من المنازل متفرقة بكل الأحياء تعرضت لأضرار وبحاجة لتعويض أصحابها لصيانتها لكنها في الوقت القريب لن تكون صالحة للسكن، حيث هناك من تعرضت أحد غرفه للتدمير أو أحد جدرانه وبعض البيوت استخدمت من قبل التنظيم وتم حفر أرضياتها وغير ذلك من عمليات التخريب.
س- هناك لجنة أزمة بالمدينة ما هو اختصاصها الفعلي، وهل تقدم هذه اللجنة الدعم في مسألة دفع إيجارات المنازل للمواطنين؟
ج- لجنة الازمة مازالت موجودة وتقوم بالدور المُناط بها، لكن مهام اللجنة تتمثل في التواصل مع المنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني وأهل الخير الذين يقومون بمد يد العون للعائلات النازحة خارج المدينة، فهي توفر لهم بعض السلع الغذائية والأغطية والفرش والمواد الكهربائية كالتدفئة، وكذلك الملابس والأدوات المدرسية في موسم الدراسة والأدوية.
اللجنة لا تملك ميزانية للأسف بل تعتمد على تبرعات المواطنين ومساعدات المنظمات والجمعيات الخيرية، وبالتالي هي لا تملك تغطية إيجارات المساكن للمواطنين، ولكنها تتواصل مع العائلات النازحة لمعرفة ظروفهم الاجتماعية، ومن خلالها تم تقدير قيمة الإيجارات في الفترة السابقة حين قامت بمحاولة للمساعدة في توفير بدل إيجار لمن لم تسمح لهم ظروفهم بالدفع، لكن اللجنة لم تفلح في ذلك بسبب عدم حصولها على أي مبالغ مالية.
س- هناك عائلات نازحة رجعت بالفعل، ماهي ظروف سكناهم؟
ج – بالفعل عدد كبير من السكان رجعوا لبيوتهم ولكن ليس كل من عاد استقر، كما أسلفت من هم بحاجة لقيمة مالية محددة لترميم مساكنهم يبقى السكن في البيوت حتى لو كان جزءاً منها مدمراً والعمل على إصلاح الأضرار أفضل من دفع إيجار في مدينة أخرى وانتظار التعويض، وفي كل الأحوال ستقوم لجنة التعويضات لاحقاً بمعاينة المسكن لتقديرقيمة الضرر ودفعها، وهناك من غادروا مجدداً بسبب سوء الوضع العام وانعدام الخدمات في المدينة.
س- هل هناك قيمة معينة رصدت ولو بشكل مبدئي للتعويضات؟
ج – إطلاقاً.. فالمجلس البلدي لم يستلم حتى الآن أي ميزانيات لا لغرض التعويض ولا النظافة ولا حتى صيانة المواقع والمرافق العامة والهامة بالمدينة، لازالت مدينة سرت ورغم مضي ثمانية أشهر على إعلان تحريرها من تنظيم الدولة تواجه مخاطر التلوث وانتشار الجثث في مواقع عدة من المدينة، وهي غارقة في مياه الصرف الصحي ولم تعد الحياة بعد للمؤسسات العامة كالمصارف والمدارس والمستوصفات، لدينا مستوصف غارق للأسف في مياه الآبار السوداء ولا أحد من المسؤولين يحرك ساكناً، بل لم يدخل سرت أي مسؤول من الدولة سواءً من الحكومة المؤقتة أو حكومة الإنقاذ أو المجلس الرئاسي، نحن نجتهد لرصد الاضرار ونعمل تطوعاً لتكون لدينا قاعدة بيانات على الأقل متى قررت أي جهة مسؤولة الالتفات للمدينة.
س- هناك أنباء يتم تداولها أن المجلس الرئاسي يتخذ إجراءات بشأن سرت، ما الإجراءات التي اتخذت بالضبط؟
ج- المجلس الرئاسي يُفترض أن يشكل لجنة عليا لحصر الأضرار يكون من ضمن مهامها التواصل مع اللجنة المشكلة من قبل البلدية وحصر كافة الأضرار، ومن ثم تضع تقديراً للقيمة الإجمالية للتعويضات وهو مالم يتم حتى الآن، يقال أن هناك لجنةً شكلت برئاسة وزير التخطيط لكن على الأرض لم يصلنا شيء حتى الآن.
س- هناك تعويضات صرفت في السابق داخل سرت لمن أعطيت؟
ج- التعويضات التي مُنحت في السابق كانت لعدد من الأسر المتضررة جراء حرب تحرير سرت 2011، وللاسف أكثر من 50 % من العائلات المتضررة التي كان يفترض أن تستلم تعويضاتها لم تستلم تعويضاتها حتى الآن، وأكثر من عشرة آلاف مسكن لم يتم تعويض أصحابها ومنهم من رفع قضايا تظلم ولازال ينتظر التعويض العادل، وهناك من استلم جزءً أول من التعويض فقط ولم يستلم الجزء الآخر، ونستطيع القول إن ملف التعويضات في سرت هو أحد الملفات الشائكة التي تحتاج إلى تسليط الضوء بشكل أكثر جدية.