بالرغم من أن رئيس الحكومة الحالية يوسف الشاهد أكد مرارا بأن الحرب على الفساد لن تستثني أحدا وأنها ماضية قدما بلا هوادة لكبح جماح الظاهرة التي نخرت الاقتصاد، فإن شق كبير من المعارضة بأن الحملة على الفساد “مجرد حرب مزعومة”.
قبل أيام تفاجأ الرأي العام بمقال نشرته جريدة “لو فيغارو” الفرنسية التي اتهمت فيه رئيس الحكومة بالتورط في قضية فساد عندما كان كاتب دولة مكلفا بالصيد البحري في حكومة الحبيب الصيد السابقة، إلا أنه تم حفظه القضية بسرعة، حسب الصحيفة.
وقد اتهمت الصحيفة الفرنسية رئيس الحكومة يوسف الشاهد بتحويل صفقة متعلقة بتركيز منظومة مراقبة أسطول الصيد البحري في البلاد إلى شركة أخرى بدل الشركة التي فازت بالصفقة وهي شركة “جيوماتيكس”، حسب الصحيفة “لو فيغارو”.
وهذه القضية دعمت شكوك المعارضة حول الحرب على الفساد واعتبروا أنها تصب في خانة “المصلحة السياسية الشخصية ليوسف شاهد وتصفية حساباته السياسية مع عدد من الخصوم خاصة وهو يروم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة سنة 2019”.
تغطية على الفشل
كما يؤكد شق من المعارضة التونسية بأن حملة رئيس الحكومة يوسف الشاهد على الفساد هي “مجرد رد فعل وانتقام شخصي له” من رجل الأعمال شفيق جراية الذي كان قد أهانه علانية في وسائل الإعلام واعتبره “عاجزا حتى عن سجن عنزة”.
وترى المعارضة لاسيما الجبهة الشعبية اليساريةب أن إيقاف مجموعة من المهربين ورجال أعمال ووضعهم تحت الإقامة الجبرية كانت “محاولة من الشاهد للتغطية على الفشل في معالجة الملفات الجهوية والقطاعية المتعلقة بالتنمية والتشغيل والاستثمار”.
مع العلم أن الحملة على الفساد تزامنت مع الاعتصام الذي نفذه أهالي جهة تطاوين في منطقة “الكامور” (الجنوب) الذين أوقفوا نشاط الشركات البترولية هناك للمطالبة بالتشغيل وبالحصول على نسبة من عائدات الثروة البترولية لفائدة المشاريع التنموية.
ويتساءل بعض المراقبين عن صمت الحكومة من عدم مواجهة رجال أعمال ومتورطين آخرين يثار حول جدل كبير في أوساط الرأي العام على غرار كمال اللطيف رجل الأعمال الذي يُتهم بتوظيف نقابات أمن وشخصيات سياسية للتأثير في صنع القرار.
وإلى جانب ذلك تواجه الحرب على الفساد انتقادات كثيرة لاسيما بعد اتهام وزراء في الحكومة الحالية بالتورط في قضايا فساد في إشارة إلى وزير العلاقة مه الهيئات الدستورية المهدي بن غربية ووزير الجماعات المحلية والبيئة رياض المؤخر.
كما لم ينجو وزير المالية بالنيابة فاضل عبد الكافي من الانتقادات بدعوى أنه يملك ثلاثة مؤسسات ويُعتبر وسيطا بالبورصة وهو أمر اعتبرته بعض أطراف المعارضة ضربا من ضرب التضارب في المصالح الذي لا يكرس مبدأ الشفافية والحياد الحكومي.
قوى متنفذة
ويرى النائب بالبرلمان شفيق العيادي بأن الحرب المزعومة على الفساد لن تستمر طويلا في ظل وجود قوى متنفذة في رئاسة الجمهورية وفي حركة نداء تونس أحد أطراف الائتلاف الحكومي تسعى لكبح جماح حملة يوسف الشاهد ضد الفساد”.
ويقول لـ”مراسلون” إن الشاهد يحاول من خلال حملته تحسين صورته وكسب شعبية ترقبا لموعد الانتخابات القادمة.
ويتابع “يحاول الشاهد سحب أوراق ملف الفساد من رئيس الجمهورية الذي يريد أن يبقى الماسك الوحيد بهذا الملف خاصة وأنه لا يزال يصر على تمرير قانون المصالحة مع المتورطين في الفساد”.
ويشكل عرض قانون المصالحة الإدارية مع مسؤولين متورطين في الفساد قريبا على التصديق في البرلمان ضربة أخرى لمصداقية الحكومة في الحرب على الفساد حيث يتيح هذا القانون إمكانية العفو على مسؤولين تورطوا في شبهات الفساد والرشوة.
ولا يقف الأمر عند ذلك الحد فقد أطلق رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب نداء لنواب البرلمان بالطعن في قانون هيئة الحوكمة الرشيدة والمكافحة الفساد الذي تقدمت به الحكومة وتمت المصادقة عليه من قبل البرلمان قبل أيام.
وقال شوقي الطبيب في حوار خاص لـ”مراسلون” إن القانون الجديد للهيئة سيشكل عائقا أمامها للقيام بواجبها على أكمل وجه في الحرب على الفساد وهو ما يشكل ضربة قوية أخرى لمصداقية حكومة يوسف الشاهد في الحرب على الفساد رغم ما قامت بها.
من ناحية أخرى تنامت أعداد الضحايا المبلغين على الفساد الذين باتوا عرضة للتشفي والانتقام من قبل مورطين في الفساد وذلك وسط صمت الحكومة مما جعل هيئة مكافحة الفساد تطلق صيحة فزع بحالات التنكيل التي يتعرض لها المبلغين وتدعو الحكومة إلى تحمل مسؤولياتها تجاههم.
بطء القضاء
من جهة أخرى، فقد أكد رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب في أكثر من مناسبة أن مكافحة الفساد لا يجب أن تكون ظرفية وتقتصر فقط على الجانب الزجري وإنما يجب أن تضرب المنظومة ككل، ومنها التعطل الذي يعانيه القضاء التونسي.
ويؤكد المتابعون أن هناك عدد من الملفات لم يقع البت فيها لسنوات وهذا يطرح تساؤلات عن المسؤولية القانونية والأخلاقية لبعض قضاة التحقيق من الذين لم يعالجوا قضاياهم منذ سنة 2011.
وللإشارة فإن الأرقام الرسمية تؤكد وجود 1700 قضية فساد منشورة وقع البت في أكثر من 600 قضية فقط، في ظل تعقد النظام الإجرائي في تونس وكبر حجم الملفات بالمقارنة مع عدد القضاة إذ أنه يوجد سبعة قضاة تحقيق فقط في القطب القضائي المالي.
إلى ذلك، فهناك عدد من القضايا المالية وقع توجيهها إلى لجنة التحاليل المالية بالبنك المركزي التونسي منذ سنة 2013 ولم يتم النظر فيها إلا مؤخرا.
كما أن هناك عديد المراسلات التي وقع توجيهها لبعض الوزارات بخصوص ملفات فساد متعلقة بالنظام السابق ولكن لم يتم التجاوب معها بشكل اللازم من قبل الأطراف المعنية، وهذا ما يحيل إلى تواصل تنفذ عديد الكوادر والاطارات المعروفة بقربها من النظام السابق التي توفر الحماية والتغطية إلى أصدقائها المورطين ويطرح عديد التساؤلات حول مدى جدية الحكومة في متابعة هذه الملفات.
شكوك لا منطق لها
الحكومة من جهتها وعلى لسان أعضائها أو رئيسها استغلوا عديد المنابر والمناسبات ليؤكدوا جدية الحرب على الفساد، باعتبار أن هذه الحرب ليست عرضية وكانت ضمن أولويات حكومة الوحدة الوطنية و”وثيقة قرطاج” التي تشكلت على أساسها الحكومة.
وقد أبرز محمد الطرابلسي وزير الشؤون الاجتماعية في تصريح خص به “مراسلون” أن التشكيك في إرادة الحكومة في حربها على الفساد لا أساس منطقي له بما أن هناك أشخاص حامت حولهم شبهات فساد يقبعون فعليا في السجن أو في الإقامة الجبرية وأملاكهم مصادرة حقيقة ومُنعوا من السفر دون أي صبغة انتقائية داعيا المعارضة إلى مزيد النضج والتوحد على الأولويات الوطنية ومنها محاربة الفساد.
وأكد الوزير أن على الجميع الانخراط في هذه المعركة الوطنية بنفس الجهود في مقاومة الارهاب ومقاومة البطالة بقطع النظر عن الموقع من السلطة والذهاب بها الى ابعد مدى لاستئصال سرطان الفساد الذي يكلّف كثيرا على مستوى مؤشرات التنمية وعلى مستوى الانتقال الديمقراطي مضيفا أن كل السلط التنفيذية والتشريعية وهيئة مكافحة الفساد مدعوة إلى العمل مع بعضها البعض الى جانب الاحزاب والمنظمات والمواطنين والتغلب على الصعوبات والعراقيل وتداركها وعدم التخلف وعدم إحباط الشعب التونسي بشكوك غير منطقية.