أصبح شهر رمضان الموسم السنوي الأكثر إدراراً للربح للكثير من النساء العاملات في بيوتهن على توفير المنتجات المنزلية، وبيعها للناس إما بطريقة مباشرة عن طريق عرض البضائع في السوق أو غير مباشرة كالتعامل مع المحلات.
عمل دائم
ورغم مشقة العمل لا تجد هؤلاء النسوة بديلاً عنه لتوفير الاحتياجات اليومية في غياب السيولة النقدية وعدم صرف رواتب الموظفين، وبسببه تختلف تفاصيل حياتهن اليومية عن المعتاد في رمضان، حيث لا يقفن كثيراً أمام تجهيز سفرة الإفطار وقت الغروب فهناك عمل لا بد أن ينجز، وبنهاية الشهر سيكون عليهن مساعدة أزواجهن في توفير مصاريف العيد.
تقول نجية عمر وهي ربة بيت وأم لسبعة أطفال، إنها تبدأ التجهيز لموسم رمضان قبله بشهرين، حيث تقوم بتجهيز أنواع كثيرة من التوابل والبهارات بالمنزل، ومن ثم بيعها لعدد من المحلات الخاصة بذلك بعد الاتفاق المسبق على توزيعها.
نجية دأبت على هذا العمل المرتبط برمضان منذ عدة سنوات، غير أن نقص السيولة بالمصارف أجبرها على العمل طوال العام، وقد ساعدها ذلك بشكل كبير على خفض حدة الأزمة المادية على أسرتها “نحن نوفر جل احتياجاتنا اليومية من عوائد البيع للجيران والأقارب، أما ما يتم تحصيله عبر المحلات فندخره لشراء ملابس العيد لأولادنا الصغار وعددهم ثلاثة” فيما يتكفل زوجها بتوفير احتياجات من هم أكبر سناً.
أسعار خيالية
رغم جهدها الكبير تقول نجية إنها عجزت عن شراء ملابس للجميع فالأسعار “تجاوزت حدود المعقول”، حيث كلفتها بدلة العيد لابنتها الصغرى رغد وعمرها 10 سنوات 225 دينار دون حذاء، أما محمد 14 سنة فاشترت له بدلة كاملة بـ 200 دينار، فيما عجزت عن شراء ملابس لابنتها الأكبر 16 سنة لأن السعر لن يقل عن 500 دينار لبدلة من ثلاث قطع، وجميع هذه الأسعار هي من متوسط المعروض في السوق، فيما راتب زوجها لا يتعدى 680 دينار شهرياً ولا زال هناك أبناؤها الأربعة الآخرين.
تحتاج نجية وغيرها أن تساعد بتوفير كل احتياجات البيت خلال شهر رمضان من لحوم ومواد غذائية وخضار وعصائر وحليب وغيرها، بينما تكلف بدلة العيد من الملابس الجيدة الصنع والقماش قرابة 350 دينار للصبي و400 دينار للفتاة لعمر أقل من سبع سنوات.
أما فاطمة محمد فبالإضافة لتوفير مصاريف العيد وملابس ابنيها عليها أن تدفع إيجار منزلها أيضاً، ما يجعلها تكتفي بتناول كوب من الحليب وقطعة من الخبز عند أذان المغرب، الذي يداهمها يومياً وهي في السوق حيث تمكث وقتاً طويلاً لبيع مابحوزتها من خبز وخبيز.
فاطمة تقول إنها لا تهتم كثيراً بتفاصيل الأكل “فالشهر الكريم فرصة لتوفير النقود التي بات الحصول عليها من المصارف أمراً غاية في الصعوبة”، وتجارة فاطمة يومية وزبائنها متغيرون وعليها أن تبقى خارج البيت حتى انتهاء آخر رغيف لديها لتصل للعائد المطلوب.
يعملن في السوق
وليس فقط ربات البيوت هن من اتجهن للعمل في هذا المجال، حيث تقول ندى وهي طالبة بالصف الأول ثانوي إنها تعمل لتساعد والديها في توفير احتياجات الأسرة ذلك أن والدها مقعد لا يستطيع العمل ووالدتها تعجز بمفردها عن الاضطلاع بتلك المسؤولية.
ورغم تأكيدها أنها تعاني الأمرين بسبب الإرهاق والتعب وتعرضها للمضايقات والشتم واستعراض العضلات أو المنع من البيع في السوق، إلا أنها تضطر كل يوم للاستيقاظ مع ساعات الصباح الأولى حيث تعمل مع والدتها على إعداد بعض أنواع الخبز والفطائر وأوراق البوريك، ثم تنطلق بها إلى السوق حيث تمكث هناك حتى قبل الغروب بساعة حيث تتناول إفطارها وتخلد للنوم استعداداً لنهار طويل آخر.
ويستمر معها الحال طوال العام حيث تعمل في كل المناسبات المتاحة عندما يتوفر لها الوقت مع الدراسة، وهكذا تتاح لها فرصة الحصول على احتياجاتها من كتب ولوازم مدرسية فضلاً عما تساعد به أسرتها من مصروف البيت.
بضاعتهن رائجة
مثل هؤلاء النسوة خديجة وسعاد وحنان وسميرة ونادية وعشرات غيرهن وربما مئات، دفعهن ضيق الحال للعمل في أي مجال يجدن فيه قدرة على المنافسة، سواءً في إعداد الطعام والتوابل أو في الخياطة والحياكة، وما يساعدهن على الصمود هو أن بضاعتهن بالفعل تلقى رواجاً في السوق.
تقول مريم منصور وهي ربة بيت وزبونة السيدة نجية أنها تتواصل معها طوال العام ولا تشتري البهارات والتوابل إلا من إعدادها، وما لا تجده عند نجية بالبيت تبحث عنه في المحلات التي تتعامل معها، تقول مريم إن منتجات نجية “لا يمكن أن تقارن بأي منتجات أخرى فهي تحوز الرضى والإقبال من الجميع”، حتى أن عدد المحلات التي توفر لها نجية البضائع ازداد هذا العام بسبب سمعتها الجيدة.
إلى ذلك يضيف محمد الترهوني وهو مالك محل لبيع البقوليات والمواد الغذائية والعطرية إنه اعتاد منذ عدة سنوات على التعامل مع عدد من السيدات، اللاتي يقمن بتجهيز بعض الأنواع من المواد الغذائية والتوابل والبقوليات منزلياً، منها “الرب” المصنع من التمر و”الزميتة” التي تصنع من الشعير إضافة إلى الدشيشة والبهارات بأنواعها، فهى إلى جانب رخص أسعارها تكون أكثر ثقة وطلباً من قبل الزبائن.
بضاعة موثوقة
حسب الترهوني فإن من يعددن هذا النوع من المنتجات يهمهن رضى الزبائن فيبذلن جهداً موثوقاً من حيث نظافة الطعام وتنقيته من الشوائب وغسله قبل تجهيزه، لذلك يكون أنظف من ما يتم تجهيزه من قبل العمال بالأسواق، وفي الغالب حسب قوله “لا تطلب هؤلاء السيدات أرباحاً كبيرة، وأتفق معهن على نسبة مقابل عرض المنتجات داخل المحل، وبالكاد يحصلن على هامش ربح يفي احتياجاتهن، وهذه القناعة تفتح باب التعامل الدائم معهن”.
ولأن هذه السلع غير متاحة إلا محلياً لذلك فمن ينتجنها يتحكمن في سعرها، وحسب الترهوني فإن التنافس بينهن يؤدي لتنوع المعروضات ويفتح باب الخيارات الأوسع أمام الزبون، حيث يكون الفارق مثلاً إضافة نكهة معينة أو نوع مختلف من البقوليات، وفي كل الأحوال هذه السلع تكون مطلوبة وأنواع معينة منها تكون لديها زبائن طوال العام بسبب موثوقيتها.
نقطة أخرى يتحدث عنها حسن المرغني وهو صاحب محل مواد غذائية، هي أن المنتجات المنزلية ساهمت في تخفيف العبء على المواطن أيضاً بسبب رخص أسعارها مقارنة بما يعرض في المحل من بضائع مستوردة أو جاهزة، “فضلاً عن كونها حلاً جيداً للسيدات اللاتي يسعين للحصول على مصدر رزق شريف بعيداً عن التذمر والسؤال” يقول المرغني.