محرز الماجري-تونس:
عندما قامت الثورة التونسية اعتقد شباب محافظة قفصة التي تحتل المراكز الأولى في إنتاج وتصدير الفسفاط أن ينعموا بحياة أفضل بعيدا عن الفقر والبطالة والتهميش الذي يعيشونه.
لكن أوضاع الجنوب الغني بالثروات الطبيعية بقي على حاله عقب ست سنوات على ثورة الكرامة التي انطلقت شرارتها الأولى من محافظة سيدي بوزيد المجاورة لمحافظة قفصة.
وقد تلاشت أحلام شباب وأهالي تلك المحافظة في تحسين معيشتهم بسبب تعطل المشاريع، بينما زادت أوضاعهم الصحية سواء نتيجة ارتفاع التلوث الناجم عن استخراج الفسفاط.
مفارقة ملعونة
والمفارقة بين النبش عن ثروة الفسفاط في باطن الحوض المنجمي بقفصة وبين بقاء الأوضاع متردية على حالها أمر لم يستسغه رمضان بن عمر الناشط الحقوقي وأحد أهالي قفصة.
يقول بن عمر عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لـ”مراسلون” إن الوضع في المنطقة “ازداد سوءا رغم ما يدره الفسفاط من عائدات مالية على خزينة الدولة”.
وزادت نسبة البطالة بهذه المحافظة في الجنوب التونسي الغنية بالثروات الطبيعية لتحتل المراتب الأولى بنسبة 26 بالمائة على الصعيد الوطني. ويبلغ معدل البطالة في تونس خلال الربع الأول من العام الجاري بحسب معهد الإحصاء الرسمي 15.3 بالمائة.
ويقول رمضان إن منطقة الحوض المنجمي بقفصة التي كانت تتصدر الاحتجاجات قبل الثورة ضد الرئيس السابق زين العابدين بن علي “ما تزال في طليعة التحركات الاحتجاجية”.
ولئن مرّ قطاع الفسفاط، بانتكاسة بعد الثورة بسبب الإضرابات التي أصابت القطاع في مقتل وتسببت في تراجعها وتدنيها إلى مستويات غير مسبوقة، فإن هناك بوادر انفراج بدأت تلوح في الأفق بعدما سجل الإنتاج ارتفاعا في الرّبع الأول من العام الجاري.
فبحسب وزارة الطاقة ارتفع إنتاج الفسفاط بنحو 46 بالمائة في الربع الأول من 2017. وبلغ في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي 1.330 مليون طن، وهو مستوى قياسي بعدما شهد الإنتاج تراجعا كبيرا نتيجة قطع الطرق والاعتصامات من قبل المعطلين عن العمل.
تحسن ولكن
ورغم هذه المؤشرات يقول الرئيس المدير العام لشركة فسفاط قفصة رمضان صويد إن إنتاج الفسفاط لم يصل بعد إلى مستوى الإنتاج في سنة 2010 بسبب الاحتجاجات والاعتصامات.
ورغم أنه يلتمس أعذارا لمطالب الشباب المعطل عن العمل في تلك الجهة فإنه يقول لـ”مراسلون” إن الاعتصامات والإضرابات المتتالية شلت عجلة الإنتاج وعطلت تصدير الفسفاط للأسواق.
وبلغت قيمة الخسائر في الخمس سنوات الأخيرة حوالي 5 مليار دينار (2.2 مليار دولار) وهو حجم يضاهي أحد القروض الذي تحصلت عليه تونس من صندوق النقد الدولي في عام 2013.
وبسبب احتجاجات المعطلين عن العمل تراجع حجم إنتاج الفسفاط إلى مستويات قياسية حيث بلغ حوالي 3 ملايين طن فقط بعدما كانت تونس تنتج 8 ملايين طن من الفسفاط سنويا.
ويقول مدير عام شركة فسفاط قفصة رمضان صويد إن تراجع الإنتاج أثر على نسق تزويد الحرفاء الأجانب بنسبة وصلت إلى 40 بالمائة ما تسبب في نقص العائدات المالية للشركة.
ومع ذلك يؤكد صويد أن الشركة قامت بكل ما في وسعها لانتداب عدد من المعطلين عن العمل لأنها “تتفهم مطالب المحتجين ورغبتهم في الحصول على وظائف تضمن لهم كرامتهم”.
لكن رغم ما وقع من توظيف في شركة الفسفاط فإن طاقة استيعابها بقيت محدود أمام ارتفاع عدد المعطلين في تلك الجهة وهو ما يجعل الوضع الاجتماعي على صفيح ساخن دوما.
ويقول رمضان بن عمر عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إن شباب الجهة ليس مقتنعا بمجهود الدولة في القيام بدورها لدفع التشغيل والتنمية وتحسين الأوضاع.
ويقول إنه على الرغم من توقف بعض وحدات إنتاج الفسفاط، واصلت شركة فسفاط قفصة استخراج ثروات المحافظة كأن شيئا لم يكن ولكن من دون أن ينعكس ذلك على حياة الناس.
بيروقراطية معرقلة
والأزمة التي يعشيها الجنوب التونسي بصفة عامة مردها اعتماد منوال تنموي لأكثر من 5 عقود “لا يستجيب لتطلعات المناطق المهمشة”، بحسب الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي.
ويقول لـ”مراسلون” إن منوال التنمية الذي تم اعتماده منذ الاستقلال عام 1956 بهذه المناطق لم تأخذ بعين الاعتبار تنويع القاعدة الاقتصادية وتركيز نسيج تجاري حيث ركزت الحكومات على الفسفاط كنقطة قوة لكن سرعان ما تحول الفسفاط من نعمة إلى نقمة.
وأمام انسداد الأفاق أمام الشباب في الجهة التي تسجل نسب بطالة مرتفعة ووقف للانتدابات “يضطر الشباب إما إلى الاحتجاج للتعبير عن سخطة أو يلجئ إلى التهريب أو الهجرة غير الشرعية أو الإرهاب بالانضمام إلى المجموعات الإرهابية”، بحسب هذا الخبير.
وينتقد الشكندالي تواصل “تجاهل” الحكومات المتعاقبة لمطالب الشباب المعطل عن العمل و”فشلها” في تبسيط اجراءات بعث المشاريع في ظل استشراء البيروقراطية المعرقلة.