لم يتمكن الجوع من أهالي الكفرة الواقعة في أقصى الجنوب الشرقي لليبيا رغم الحرب بين قبائلها وتقطع السبل إلى الشمال، وأزمة الدقيق التي عصفت بالبلاد منذ عام 2013، حيث بادر أهلها لإعادة إحياء مشاريع زراعية أنشأتها الدولة متوقفة منذ الثمانينات، وزرعوا القمح والشعير فغطوا احتياجاتهم وبدؤوا فعلاً بالتصدير للمناطق القريبة منهم.
وجاء ذلك كحل لأزمة الوصول إلى الشمال لاستجلاب كافة احتياجات المدينة من وقود وغاز طهو ومواد غذائية وعلى رأسها دقيق المخابز والخضروات والسلع التموينية والأدوية، والتي يتم الاستيلاء عليها وسط الصحراء من قبل الميليشيات المنتشرة على الطريق، حيث يجبر سائقوا هذا الشاحنات على تغيير وجهتهم، وفي حالات كثيرة تسرق بضاعتهم وتختفي حتى شاحناتهم وكثير منهم لقوا حتفهم.
مناخ الكفرة الصحراوي ومخزونها الكبير من المياه الجوفية ساهم بشكل كبير في نجاح هذه المشاريع، وخاصة المتعلق منها بتوطين زراعة الفواكه الاستوائية كالمانغو والجوافه وحتى بعض الأنواع التي تم استجلابها من آسيا وإفريقيا ونجحت زراعتها تماماً، وهي تعتبر من أغنى وأشهر الواحات من حيث إنتاجها للتمور والزيتون بسبب طقسها شديد الحرارة صيفاً، و يوجد قربها عدد من المزارع النموذجية الحديثة التي تعرضت للإهمال الطويل.
يبعد المشروع الزراعي الإنتاجي حوالي 15 كلم عن المدينة البالغ عدد سكانها 60 ألف نسمة، وقد تمكن العاملون فيه وعددهم حوالي 230 شخصاً من إحياء قرابة 30% من إجمالي مساحة المشروع، وتمكن أيضاً فنيو الصيانة والكهرباء من صيانة وإعادة تشغيل المطحن المتوقف عن الإنتاج والذي رفضت عدة شركات أجنبية التعاقد لصيانته بحجة أوضاع البلاد المتردية أمنياً.
يقول خالد بوحليقة مدير مشروع الكفرة الإنتاجي لـ”مراسلون” إنهم حالياً يعملون بنظام الطلبيات، حيث تمكنوا من تغطية احتياجات مدينة الكفرة وما جاورها بالكامل، بقدرة إنتاجية بلغت 3000 طن من القمح يومياً، تغطي مناطق الكفرة وتازربو واجخرة وجالو واجدابيا من الدقيق وأعلاف الأغنام وكذلك المحاصيل المرافقة مثل الفول والبازلاء.
مشروع الكفرة الإنتاجي حسب بو حليقة هو مشروع قديم تأسس منذ ستينيات القرن الماضي أي من عهد المملكة، وكان يخطط له أن ينتج 50 ألف طن من القمح يومياً للاستهلاك المحلي والتصدير، ولكنه تعرض للإهمال في عهد القذافي ولم تصرف له الميزانيات ليستمر في العمل، فتوقف مثل غيره من المشاريع.
وبسبب بعد المدينة التي تقع على بعد حوالي 1000 كلم عن الساحل الشمالي، وظروف الحرب بعد الثورة قام مسؤولوها بمخاطبة الحكومات المتعاقبة لإعادة إحياء المشروع لكن دون جدوى، يقول بو حليقة “قررنا أخيراً خوض مغامرة الزراعة بالمشروع وكانت النتائج جيدة والإنتاج مشجع، وتمكنا في النهاية من بيع القمح بسعر موحد مع سعر الدولة حيث بعنا قنطار الدقيق بـ 60 دينار بينما كان يباع بـ 80 في مدن أخرى”.
يؤكد بو حليقة أنهم قرروا أن يبيعوا القمح بالسعر المدعوم فقط ليؤكدوا أن الإنتاج المحلي يمكن أن يوفر مبالغ طائلة تدفعها الدولة في دعم الدقيق وبيعه للمواطن بسعر أقل من التكلفة، فيما يمكن أن تكون منطقة الكفرة والسرير مركزاً لإنتاج الحبوب يغطي احتياجات عدد كبير من المدن.
المشروع والمطحنة التابعة له توفر فرص عمل لـ 230 عامل ليبي وحوالي 100 عامل أجنبي، ولا زالت تعاني بعض المشاكل المتعلقة بعدم استقرار التيار الكهربائي، ولكنهم بفضل نجاح المشروع تمكنوا من استيراد مضخات المياه والكثير من المعدات منها آلات الحصاد والجرارات وقطع الغيار لكثير من الأجزاء بالمطحنة.
هذا المشروع شجع القائمين على مشروع السرير الجنوبي والشمالي لتكرار التجربة، وهو مشروع مشابه مهمل هو الآخر منذ عقود يبعد حوالي 600 كلم جنوباً عن مدينة بنغازي، ويحتوي على 265 دائرة زراعية، مساحة الدائرة الواحدة أكثر من 100 هكتار، وكانت إدارته موحدة مع مشروع الكفرة إلا أن الانقسام السياسي أدى لفصل الإدارة، وبدعم من الحكومة المؤقتة في شرق ليبيا تمكن مشروع السرير من زراعة وإنتاج الشعير وأعلاف الحيوانات.
وحتى المواطنون في هذه البقعة من ليبيا التي يميل أهلها للزراعة منذ القدم قاموا بمحاولات لتوطين أشجار الفاكهة الصحراوية، التي استجلبوا شتلاتها من قارات ودول عدة، وقد حقق بعض منها نجاحاً كبيراً.
يقول أحمد لامين وهو مزارع وهاوٍ في هذا المجال أنه تمكن هو وعدد من المزارعين الآخرين من زراعة نبات القشطة، كما استطاعوا توطين شجرة الـ”جاك فروت” التي تم استجلابها من وسط أفريقيا وإندونيسيا وبنغلاديش، وتكاثرت فعلاً وإنتاجها متوفر وحسب لامين فهي “علاج لعديد من الأمراض كما أنها تساعد على رفع مناعة الجسم خصوصاً للمصابين بالأورام السرطانية”.
تمكن لامين وزملاؤه أيضاً من توطين شجرة “الأفوكادو” التي تكاثرت فعلاً ولكنها لم تنتج بعد، ولديهم أشجار التوت الباكستاني ويعملون هذه الفترة على زراعة نبات يسمى “ذهب البرتقال” وهو يشبه البرتقال لكنه يؤكل بقشرته وحجمه كحبة التمر، كما قاموا بزراعة بعض النباتات الطبية كالمارينجا.
حسب لامين فإنه يعمل على زراعة وتوطين حوالي 15 نوعاً من الأشجار بعضها نجح بالفعل، ومن ثم يقوم بمنح البذور والشتلات للمزارعين الراغبين في زراعتها مجاناً ليشجعهم على خوض التجربة.