“مع هذا الغلاء المنهك يتجه بعض الصيادين للتعاون مع الأجانب واستلام مكافآتهم بالدولار”، هذا ما قاله الصياد الشيخ م. ع. لـ”مراسلون”، موضحاً أسباب تعاون صيادين ليبيين مع سفن أجنبية من دول العالم المختلفة تصر كل عام على اصطياد الأسماك من المياه الليبية دون الالتفات لأي رادع.
“يرمون شباكهم رفقة السفينة الأجنبية، كلاهما يجرف ما في البحر، بنهاية الرحلة الأجانب يستلمون صناديق السمك والصيادون يستلمون أجرتهم بالدولار” يقول الصياد، ويبرر بقوله “لا ملامة عليهم، فبدل بيع صيدهم في” سوق الحوت” بمبالغ لن تسدد لهم تكلفة العدة، يقبضون بالنقد الأجنبي بالتعاون مع بعض السفن الأجنبية، ويصرفونه في السوق السوداء، هكذا أفضل”.
إحصائيات مختلفة
حسب إحصائيات حرس السواحل التابع للبحرية الليبية فإن عدد القطع البحرية التي تم حجزها داخل المياه الإقليمية والاقتصادية الليبية منذ ما بعد الثورة عام 2011 وحتى الربع الأول من سنة 2016 تجاوز ثمانية وأربعين قطعة بحرية، ضُبطت في عمليات صيد غير قانوني داخل المياه الليبية، وهذه النسبة تتجاوز 71% من عمليات الصيد غير القانوني التي سجلها حرس السواحل الليبي.
إلا أن محمود نشنوش رئيس النقابة العامة لصيادي الأسماك والإسفنج بالمنطقة الغربية لديه إحصائية مختلفة، حيث أكد لـ”مراسلون” أن الصيادين يبلغون عن مشاهدتهم وتوثيقهم لحوالي 13 سفينة صيد أجنبية أسبوعياً في كل مناطق الجرف الممتدة من جنزور (غرب طرابلس) إلى الخمس (شرق طرابلس) ومنها حتى سرت (ساحل المنطقة الوسطى)، وخاصة في مواسم الصيد المختلفة، هذا عدا ما يمكن رصده في الساحل الشرقي.
الصيادون من موانئ الخمس و زوارة و راس بلال وحتى القربولي جميعهم يرسلون إحداثيات وصور لجرافات الصيد غير القانونية حسب نشنوش، ولكن بلاغاتهم لا يتم التعامل معها بسبب عدم وجود أسطول ليبي مدعوم “يحمي سواحلنا وسيادتنا” على حد تعبيره.
حرس بلا إمكانيات
يوضح المستشار القانوني بحرس السواحل الليبي محمد زربية أن حرس السواحل يعمل في منطقة حماية الصيد، وهي منطقة المياه الإقليمية (60 ميلاً بحرياً عن الشاطئ) بالإضافة لمنطقة المياه الاقتصادية الليبية (وهي تمتد حتى 200 ميل بحري)، وفي هذه المنطقة يظل حق المسح والاستكشاف والتنقيب والصيد جميعها ملكاً للدولة الليبية فقط، وهذا حسب قانون البحار الدولي، “ولكن بسبب قيام حلف الناتو بضرب القطع البحرية في سنة 2011 دون وجه حق، حالياً البحرية الليبية وحرس السواحل يتحركون بقطع بحرية ضعيفة جداً مقارنة بالأسطول الذي كنا نملكه فيما سبق، ويصعب علينا فرض القانون” يقول زربية.
وهذا يؤكده كلام نشنوش الذي قال إن حرس السواحل الليبية يفتقر للإمكانيات ويتعرض للاختراقات من الصيادين الإيطاليين بشكل خاص “تحت حماية بوارجهم العسكرية”، وفي أكثر من حادثة يؤكد أن سفن الصيد والتهريب (التونسية مثلاً) تبادر بإطلاق النار لإفزاع حرس السواحل.
ودون تردد يتهم نشنوش الأساطيل الإيطالية بأنها تحمي تجاوزات صياديها في كل من خليج سرت ومصراتة وحتى الخمس، “هؤلاء يجرفون كل أنواع السمك ومن بعد تنقيتهم للجمبري وسمك – المغنوطسو – وبيش شكارة – يرمون بقية الأنواع ميتة للبحر”.
الطليان حسب نشنوش يحفظون جيداً تلك المناطق، ومع الحماية المتوفرة لهم وتقنيات الصيد الحديثة يمكنهم العمل بأريحية في بحر ليبيا، “بينما يصطاد التونسيون كل أنواع السمك” ويضيف بسخرية “يصطادون الجمل بما حمل”.
استهلاك وتصدير!
اتهامات نشنوش دفعتنا للبحث عن صيادين من تونس للحديث حول هذا الموضوع، فكان أن استجاب لأسئلتنا صبري ق. وهو بحار تونسي يقطن بمدينة قرقنة القريبة من الحدود الليبية، وقد أكد صبري أن العديد من الصيادين التوانسة يواظبون على الصيد في سواحل ليبيا.
هذه الأعمال تتم عادة حسب صبري برعاية “رجال أعمال لهم نفوذهم السياسي والمالي”، والمراكب التونسية تدخل للمياه الليبية خلسة للتهريب أو كمراكب صيد ساحلي، البعض منها يتبع لميناء مدينة بنقردان الحدودية وهذه تتعامل مع بحارة ليبيين، “بحر ليبيا لا يزال غنياً بجميع أنواع السمك بالأخص الحبار والأخطبوط وأيضاً الجامور والروجيت هذه الأصناف وغيرها مطلوبة في السوق التونسي بكثرة، وبعض ما يتم اصطياده يذهب للتصدير”.
قوانين غير رادعة
آليات الضبط التي يملكها حرس السواحل حسب المستشار القانوني بالجهاز يحكمها قانون استغلال الثروة البحرية رقم (14) من سنة 1986، فالإجراءات الضبطية في المياه الاقتصادية حيث يُمنع على حرس السواحل الصعود على متن أي سفينة تحمل علماً أجنبياً، يحق لهم فيها مخاطبة السفينة والاستفسار منها عن غرض مرورها بالمياه الليبية، وإنذارهم فيما يتعلق بالصيد أو التهريب. أما في حال تم ضبط شباكهم مرمية في الماء فيتم توقيفهم، وفي العادة تقطع شباكهم وتصادر الغلة ويوجهون إلى أقرب مرفأ.
أما داخل المياه الإقليمية يتم ضبط الصياد وإحضاره، وفي حال تم التوصل إلى صلح معه وفق المادة (24) من قانون استغلال الثروة البحرية، يقوم بدفع غرامة نقدية تتراوح من خمسة آلاف حتى عشرة آلاف دينار ليبي، ومصادرة عدته والأسماك، مع أخذ تعهد منه بعدم التكرار وإطلاق سبيله.
وفي حال كشف عودته مجدداً يتم إحالته للنيابة العامة وفتح قضية ضده، “وهذا حصل في الشهرين الماضيين عند ضبط ثلاث جرافات صيد تونسية قامت بمقاومة حرس السواحل وتبادلت معهم إطلاق النيران.”
ويعلق المستشار زربية متحسراً “للأسف النائب العام أفرج عن هؤلاء الصيادين مقابل دفع غرامة فقط، وهذه الإجراءات غير منصفة في حق السيادة القانونية الليبية”.
ويعتقد المستشار أن عدم مواكبة التشريعات الليبية للتطور الاقتصادي عامل من عوامل انتهاك السيادة وانتشار الصيد غير القانوني، فالغرامة التي تفرض على الصيادين الأجانب، مع انهيار العملة المحلية لا تساوي شيئاً ولا تعتبر غرامة ردعية لهم، لأنهم يدفعونها بالدينار الليبي، وبالطبع القانون يفرض ذلك لأن الغرامة لا تدفع إلا بالعملة المحلية.
قانون وسياسة
الناطق الرسمي باسم البحرية الليبية أيوب قاسم يوافق على كلام المستشار بخصوص عدم الجدية في تطبيق القوانين التي تحمي السيادة، وهذا حسب قوله كان يحدث منذ أيام النظام السابق حيث تمكن حرس السواحل من ضبط الكثير جداً من سفن الصيد غير القانونية من مختلف دول العالم، منها حتى الصينية في موسم التونة الزرقاء، لكن تدخل السياسة بالقانون وإخلاء سبيل هذه السفن بمن عليها وما عليها، سبب الإحباط لحرس السواحل.
يعتقد أيوب قاسم أنه لا توجد إرادة حقيقية حتى الآن من قبل الساسة الليبيين لحماية هذه الثروة، ما جعل منها هدفاً سهلاً للأجانب، ويستدل على ذلك بما “يتكرر دائماً مع جرافات الصيد الإيطالية التي تستعين بقواتهم وقطعهم البحرية في تهديدنا والتعدي علينا، حتى باستخدام الهليكوبترات العسكرية كما حصل في دوريات سابقة، ويقومون في النهاية بنشر أخبار كاذبة عن قيام ليبيا بالهجوم على قوارب صيدهم، وإطلاق تسمية جماعات مسلحة على حرس السواحل ونحن نحمي مياهنا الاقتصادية، هذا كله بسبب غياب سيادة الدولة الدبلوماسية والسياسية”.
يقول قاسم إن شهر يوليو القادم سيكون موسم صيد التونة في بعض المناطق، ويتوقع أن تكثر عمليات الصيد غير القانوني خلاله، وحسب نقيب الصيادين بالمنطقة الغربية رمضان نشنوش فإن موسم التونة الزرقاء يعد استثماراً مهماً للسفن وجرافات الصيد الليبية التي تعمل على الصيد والتصدير، بينما يونيو يعد موسم الهدوء حيث تبدأ فيه رحلة ثكاثر السمك التي يحترمها الصيادون الليبيون والتونسيون، بينما الصيادون المصريون لا يكترثون ويصطادون في المياه الليبية في موسم التكاثر رغم ما يسببه ذلك من خلل نوعي وبيئي في الأسماك وفي البحر.