يواجه اللاجئون السودانيون المقيمون في محافظة الاسكندرية العديد من المشكلات الحياتية خلال سنوات إقامتهم منذ أن فروا هاربين من سوء الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتردية وغير المستقرة في بلادهم، نتيجة للصراعات المسلحة في السودان وجنوب السودان، آملين في حياة كريمة يعيشوها في مصر ولكن لم تأتي الرياح كما تشتهي السفن.
يواجه اللاجئون السودانيون المقيمون في محافظة الاسكندرية العديد من المشكلات الحياتية خلال سنوات إقامتهم منذ أن فروا هاربين من سوء الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتردية وغير المستقرة في بلادهم، نتيجة للصراعات المسلحة في السودان وجنوب السودان، آملين في حياة كريمة يعيشوها في مصر ولكن لم تأتي الرياح كما تشتهي السفن.
ذكرت الاحصائية الرسمية الصادرة عن الهيئة المفوضية للأمم المتحدة السامية لشئون اللاجئين في مصر، أنه في عام 2004 تم قبول حوالي 150 ألف لاجئ ، بينما في عام 2005 وصل عدد اللاجئين السودانيون المسجلين نحو 20374 لاجئًا في مصر أي حوالي 75% من إجمالي عدد اللاجئين تحت حماية المفوضية، فيما ارتفعت اعدادهم منذ عام 2005 وحتى عام 2016 نحو 2 مليون لاجئ، منهم نحو 3 آلاف يعيشون في محافظة الاسكندرية.
التاريخ يتحدث
“اللاجئون السودانيون الجنوبيين تعرضوا كثيرا للعنف والظلم والاضطهاد في بلادهم ولم يرحمهم أحد حينما جاؤوا إلي مصر بل أيضا عانوا من الظلم والقتل والعنصرية والتمييز، ما جعلهم ناقمين علي حياتهم لاعنين الظروف التي أتت بهم إلي بلاد غير بلادهم وجعلتهم متشردين بلا مأوى يموتون من الجوع والمرض”، هكذا عبر سيد حمدون، الباحث السوداني في جامعة الاسكندرية عن حالهم.
يشرح حمدون، تاريخ المأساة التي ظلت تلاحق هؤلاء السودانيين المساكين على حد تعبيره. “ففي العام 1956 حينما رحل الاحتلال البريطاني وانفصلت مصر عن السودان، فتحت مصر ذراعيها للاجئين السودانيين ومع توقيع اتفاقية “وادي النيل” سمح الرئيس الأسبق حسني مبارك لنا بالدخول إلى مصر من دون تأشيرة”.
لكن الامور جميعها تغيرت وتبدلت عقب محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا عام 1995 علي يد إسلاميين، قيل آنذاك أنهم لهم علاقة بالسودان، الأمر الذي أدى لقيام الحكومة بفرض قوانين قاسية وحازمة تجاه السودانيين بحسب الباحث حمدون. وتفاقم الوضع مع إلغاء اتفاقية “وادي النيل” إذ رفضت السلطات المصرية تقديم المساعدات المالية أو الخدمات التعليمية أو الاجتماعية للاجئين السودانيين داخل أراضيها بسبب عدم استقرار الأوضاع الاقتصادية المصرية.
ويواصل حمدون، حديثه قائلا: “الحكومة المصرية رفضت دخول أعداد كبيرة من اللاجئين السودانيين بدعوى عدم توفر أدلة كافية على اضطهادهم في بلدهم علي الرغم من أنهم يطلبون حق اللجوء بسبب الحرب والعنف الذي يتعرضون له وليس لسبب آخر”.
ويؤكد حمدون أن لاجئي السودان هم من مختلف القبائل والأقاليم السودانية وقد تزايد عددهم في أعقاب انقلاب الثلاثين من يونيو 1989، مشيرا إلى أن منهم المعارضين الشماليين وأبناء الجنوب وهم ينتمون لـ “قبائل الشلوك والدينكا والزاندى والبجا” وأن السودانيون فروا هاربين من بلادهم إلى مصر في أعقاب الحرب الأهلية عام 1983 إثر تعرضهم لعمليات القتل الجماعي والنهب المنظم.
مشاكل لا حصر لها
عبد الله مساعد، أحد أعضاء الجالية السودانية الجنوبية بالإسكندرية، يقول بحسرة وألم شديدين “رحلت عن بلادي منذ عام 1999 وطلبت اللجوء وقتها في مصر أنا وأسرتي لأننا تعرضنا كثيرا للاضطهاد من الحكومة في بلادنا حيث هربت من جحيم الحروب الأهلية والصراعات بين الحكومة والجماعات المسلحة والإسلاميين والمتمردين والفقر والجوع والحرمان في السودان”، مؤكدا أنه لو لم يأت هو وعائلته لمصر لكانوا الآن في عداد الموتى.
يضيف مساعد أن الشعب المصري شعب طيب وودود لكن “الحكومة المصرية تعاملنا بشكل سيء جدا، وحينما نطلب منهم أي من الخدمات المدنية أو التعليم أو الصحة لا يساعدوننا”. موضحا أنهم يعانوا من قلة فرص التعليم في المدارس والجامعات المصرية لأن معظم اللاجئين ليس لديهم أوراق رسمية تثبت كونهم لاجئين في مصر.
وينوه مساعد، إلي أن من حصل على حق التسجيل في المفوضية السامية للأمم المتحدة يواجه نفس الصعوبات في إلحاق أولاده في المدارس والجامعات المصرية الحكومية، فضلا عن معاناتهم من عدم توفر الرعاية الصحية الكاملة لهم داخل المستشفيات المصرية بسبب عدم وجود دعم مادي كاف لهم يجعلهم يحصلون على العلاج حينما يمرضون.
ويشير مساعد، إلى أن السودانيين في مصر يعانون ندرة فرص العمل حيث أن كل وظائفهم تتمثل في البيع الحر علي الارصفة في الشوارع مثل منطقة النبي دانيال ومحطة مصر ومحطة الرمل. ومن أجل تخفيف العبء المادي الكبير تعمل النساء في مجالات تنظيف المنازل والحضانات لكي يساعدن أزواجهن على مصاعب الحياة.
مساعدات ضئيلة
يقول عوض لحفان، أحد اللاجئين السودانيين بالإسكندرية، أن حياتهم صعبة ومريرة وأنهم أيضا يعانون من عدم وجود بيوت إيجار بأسعار تناسب دخولهم المنخفضة مؤكدا أن المفوضية العليا لشئون اللاجئين في مصر تقوم بتخفيض قيمة الدعم الذي تقدمه لهم بشكل سنوي، حيث تم تخفيض الإعانة بنسبة 20% عام 2001 ثم أعلنت في عام 2002 عن تخفيضها مجددا للفئات المستحقة للإعانة من اللاجئين مع تخفيضها حاليا بنسبة 10%، ما جعل المبلغ ضئيلا جدا لا يكفي متطلبات الحياة اليومية.
ويشير لحفان، أن المفوضية امتنعت عن تسجيل المزيد من السودانيين في مصر مع رفضها منحهم المساعدات المالية أو الاجتماعية من دون تقديم سبب واضح، “مما جعلنا نشعر بالإهمال والعنصرية وأن لا أحد يبالي بما نحن فيه من أزمات”، مؤكدا أن قانون العمل المصري الخاص بالأجانب وضع شروط “تعجيزية” على اللاجئين السودانيين، لذا أغلب اللاجئين يعملون بشكل غير قانوني، أو سائقي تاكسي، أو في الأعمال المنزلية وحراسة العقارات والفيلات.
غير مرغوب فيهم
سيد حمدون، الباحث السوداني، يقول إن أحد أسباب شعور السودانيون بأنه غير مرغوب بهم هو أنهم يعيشون مع المصريين منذ سنوات طويلة و يتقاسمون معهم أعمالهم البسيطة، ما أشعر المصريين بأنه هناك دخلاء ينافسونهم في رزقهم، وذلك على عكس التعامل والتعاطف المصري تجاه اللاجئين السوريين وقضيتهم.
ويضيف حمدون “بعض المصريين ضعاف النفوس يتعاملون معهم بعنصرية شديدة بنوع من الاستحقار بسبب لون بشرتهم الاسود وشعرهم الافريقي لذلك إذا رغب السوداني في التقدم لوظيفة بائع في محل ويرون مظهره يرفضون ويعرضون عليه العمل غفيرا أو سائقا أو حارس للمحل”، مؤكدا أن “كل ذلك يعطيهم شعور بالتمييز والعنصرية على عكس السوريين الذين يتعاملون معهم بشكل رائع ويقدمون لهم كافة الاعمال والرواتب الجيدة”.
“وجدنا حلا لمشكلة المدارس”
الدكتور محمد صغيرون، قنصل عام السودان بالإسكندرية، حينما سألناه عن أوضاع الجالية السودانية قال إن الجالية لديها تحديات معيشية صعبة في مصر الآن عن السنوات السابقة، مؤكدا أن القنصلية تساعد أبناءها بقدر استطاعتها حيث تساعدهم في استخراج أوراقهم الثبوتية والمعاملات القنصلية واستخراج الجواز الإلكتروني فضلا عن الترويج للمنتجات السودانية من خلال عدد من التجار المصريين الذين يستوردون من السودان البضائع المختلفة.
ويوضح صغيرون، أنه يقع على عاتق القنصلية مهمات كثيرة “حيث أن هناك أعداد كبيرة من السودانيين العائدين من ليبيا في ظروف صعبة وعلينا أن نمد يد العون لهم ونقوم بتسهيل إجراءاتهم واستخراج أوراقهم الثبوتية للرجوع بسلام إلى البلاد”، مؤكدا أن أيّ سوداني في الاسكندرية يتعرض لأي مشكلة علي الفور نتواصل مع السلطات المصرية ونحاول تذليل أي عقبة بالتنسيق معهم.
ويؤكد القنصل السوداني أن هناك “تعاون أكثر من ممتاز بيننا وبين السلطات المصرية بالمحافظة وعلى كافة المستويات بدءا من المحافظ وحتى رجال الشرطة الذين لم يتأخروا عن حل أي أزمة لنا”، مشيراً إلى أن مشكلة التعليم وجد لها حل حيث أنشأ المدرسة السودانية في القاهرة و جامعة الإسكندرية قبلت عدد كبير من الطلاب السودانيين ووفرت زيادة المنح المقدمة للطلاب.
الدولة المصرية تبرم اتفاقا مع المفوضية
من جانبه يؤكد مجدى حجازى، وكيل وزارة الصحة بالإسكندرية، أن هناك تعاون دائم ومشترك بين المفوضية السامية لشئون اللاجئين بالأمم المتحدة ومديرية الصحة بالثغر لدعم كافة اللاجئين من السودانيون والسوريون وتقديم كامل الرعايا الصحية لهم خاصة بعد إبرام اتفاقية بين الاثنين لتقديم الخدمات العلاجية للاجئين.
ويوضح حجازي، أن المبادرة جاءت من المفوضية السامية بعد اقتناعها وثقتها في جودة الخدمة الصحية التى تقدم بالمحافظة لكافة اللاجئين بدون دفع أية رسوم بل بالمجان، مشيرا إلي أن الاسكندرية من أكثر المحافظات التي استقبلت لاجئين ورحبت بتواجدهم وقدمت لهم كافة الخدمات الانسانية والرعاية الصحية لهم ولأطفالهم.
“نقدم للاجئين ملاذا آمنا”
عسير المضاعين، مديرة مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين بالإسكندرية، تقول إن دور المفوضية هو حماية اللاجئين والنازحين وعديمي الجنسية وتوفير المساعدة المنقذة للحياة من خلال المأوى والرعاية الصحية والمياه والتعليم، مؤكدة أن هدفهم حماية حقوق اللاجئين مع ضمان قدرة كل شخص على ممارسة حقه في التماس اللجوء والعثور على ملاذ آمن في دولة أخرى.
وتضيف المضاعين، أن المفوضية تعمل من أجل مساعدة الأشخاص عديمي الجنسية، لافتةً إلى أنهم يضعون للاجئين عامة مثل السودانيين أو السوريين وغيرهم حلولا رئيسة ألا وهي العودة الطوعية والاندماج المحلي وإعادة التوطين في بلد ثالث حسب كل لاجئ.
وتؤكد المضاعين، أن المفوضية تتلقى تمويلات وتبرعات لدعم ميزانيتها لتقديم الخدمات الرئيسية والحاجات المعيشية للادئين، مؤكدة أن مصر من الدول العربية التي استقبلت أعداد كبيرة من السودانيين والسوريين وسمحت بدخول الأطفال السوريين المدارس والمستشفيات مثل الأطفال المصريين دون تفرقة.