في الخامس والعشرين من شهر أكتوبر/تشرين الأول لعام 2014، أصدرت الحكومة المصرية قرارا بتهجير أهالي منطقة رفح المقيمين علي الشريط الحدودي بمحافظة شمال سيناء، وذلك في إطارها حربها على الإرهاب هناك.
وعزت الحكومة قرارها آنذاك إلى وجود أنفاق تهريب تمر تحت البيوت، وتمد المتطرفين بالأسلحة.
في الخامس والعشرين من شهر أكتوبر/تشرين الأول لعام 2014، أصدرت الحكومة المصرية قرارا بتهجير أهالي منطقة رفح المقيمين علي الشريط الحدودي بمحافظة شمال سيناء، وذلك في إطارها حربها على الإرهاب هناك.
وعزت الحكومة قرارها آنذاك إلى وجود أنفاق تهريب تمر تحت البيوت، وتمد المتطرفين بالأسلحة.
وفيما تم إزالة حوالي 1220 منزلا يعيش بهم نحو 2044 أسرة، صرفت الحكومة المصرية تعويضات لهم بلغت نحو 1200 جنيها مقابل كل متر مربع عن أرضهم، فضلا عن صرف 300 جنيها لمدة 3 أشهر لتأجير مكان بديل. وصرفت محافظة شمال سيناء لكل عائلة مبلغ 1500 جنيه مصري، على سبيل المساعدة لاستئجار منزل جديد لحين دفع التعويضات المالية بالكامل.
وقالت الحكومة المصرية آنذاك أن الهدف من إزالة المنازل وتهجير المواطنين هو إقامة منطقة حدودية عازلة بين الشريط الحدودي الفاصل بين الأراضي المصرية وقطاع غزة لمقاومة الإرهاب ومنع الهجمات، مؤكدين أن هذا الشريط الحدودي يصل عمقه من 1500 متر إلى 3000 متر، لكشف الاتجاه الاستراتيجي الشمالي الشرقي أمام القوات المسئولة لمواجهه الإرهاب.
فأين انتهى المطاف بهؤلاء السكان بعد مرور عامين على تهجيرهم؟
المأساة
“نحن للأسف من ندفع فاتورة التهميش لأكثر من 40 عاما ونعيش في عزلة وتجاهل المسئولين وتجاهل التنمية التي من المفترض أننا كنا نتمتع بها لكوننا أرض الفيروز التي شربت دماء جنودها البواسل الذين دافعوا عنها من العدو الإسرائيلي”، هكذا بدء شعير عبد السلام، أحد سكان رفح المهجرين حديثه.
يقول عبد السلام، في البداية أنه ولد وعاش بمنطقة رفح المصرية حتى جاء قرار الحكومة والجيش المصري في يوم 25 من أكتوبر/تشرين الأول، المرحلة الأولى بإزالة منازلنا الموجودة علي المنطقة الحدودية وذلك من أجل إقامة منطقة عازلة بين الشريط الحدودي الفاصل بين الأراضي المصرية وقطاع غزة لكي تتمكن قوات الأمن من محاصرة الجماعات الإرهابية.
ويضيف عبد السلام، أن خبر تهجيرهم نزل على رأسه ورأس أسرته كالصاعقة حتى جاء لهم المسئولين بالقرار الرسمي و قالوا لهم إنه سيتم صرف تعويضات مالية لهم. “بالفعل حصلنا علي نحو 1200 جنيها للمتر” يقول، مشيرا إلى أن مساحة منزله كانت حوالي مائتي متر مربع، وكان يتبع المنزل مزرعة زيتون تبلغ مساحتها نحو 300 مترا، “وبعد نحو 5 أشهر صرفنا التعويضات كاملة”.
يواصل عبد السلام، حديثه قائلا:” ذقنا العذاب ونحن نجمع متعلقاتنا والأثاث والأجهزة ونحملها ذاهبين إلي شي مجهول حيث استأجرت شقة صغيرة في مدينة العريش وللأسف اضطررت لبيع نصف الأثاث حتى نتمكن من السكن في الشقة لصغر مساحتها”.
ويرجح عبد السلام أن تهجير المئات من سكان رفح الذين قاموا باستئجار منازل تسبب في حالة تكدس وزحام في مناطق مختلفة من العريش مثل ضاحية السلام، الصفا، المساعيد، حتى أصبح هناك صعوبة في العثور على شقة مناسبة تكفي أسرة كبيرة.
بداية جديدة
أما الحج فاضل صبحي، أحد سكان رفح المهجرين، فكان يملك مزرعة زيتون ملحقة بمنزل كبير بمنطقة رفح تبلغ مساحته حوالي 300 مترا, وقد هدم المنزل وجرفت المزرعة بسبب الحرب علي الإرهاب والصراع الدائر بين قوات الجيش والشرطة والجماعات الإرهابية. ويقول الحاج صبحي إنه خسر تجارته ومنزله ومزرعته التي رواها بعرقه منذ أن كان طفلا حيث ورثها عن أبيه وأجداده.
ويضيف أن مسألة تهجيره كانت أصعب شي مر في حياته. “شعرت وكأن جذوري تقتلع من أرضي منذ لحظة قرار التهجير”، مؤكدا أنه وافق على قرار الحكومة والجيش بهدم كل ممتلكاتهم لكي يتمكنوا من مكافحة الجماعات الإرهابية التي توغلت في محافظة شمال سيناء والقضاء عليها، “وذلك دعما مني لوطني ولحبي لأرضي سيناء ولمساندة قوات الجيش والشرطة والوقوف معهم”.
ويشير صبحي، إلى أنه يعيش الآن هو و أسرته بحي المساعيد، بمنطقة العريش، حيث أشتري منزل مكون من طابقين من خلال التعويض الذي تحصل عليه مقابل هدم بيته ومزرعته منذ عام ونصف العام لكي يعيش في هو و أسرته المكونة من 15 فردا من أولاده و أحفاده وجميعهم يعيشون في المنزل راضيين قانعين بحياتهم الجديدة رغم انقطاع الماء والكهرباء.
أحلام العودة
يقول حامد عبد الله، أحد سكان حي رفح المهجرين، إنه تم تهجيره من منزله البالغ مساحته مائتي مترا وحصل على تعويض مالي من الحكومة بلغ نحو 220 ألف جنيها منذ عام ونصف. عقب ذلك قام بشراء شقه بمنطقة العريش بحي ضاحية السلام التي أصبحت أكثر أمانا من أي مكان أخر، ويقيم بها الآن هو و أسرته المكونة من 6 أفراد، مؤكدا أنهم يعيشون بشكل مقبول و أنه يعمل بتجارة الخضروات لكونها أصبحت التجارة الوحيدة المتاحة بالعريش على الرغم من صعوبة نقل الخضراوات داخل العريش بسبب الكمائن والنقاط الأمنية الكثيرة.
ويؤكد، أنهم يشتاق كثيرا إلى منزله وأرضه لدرجة أنه أحيانا يذهب لمنطقة رفح التي لم يعد له فيها شيء، فقط لمجرد النظر إليها، لافتا إلى أنه يتمنى في يوم من الأيام أنه يتم القضاء علي الجماعات الإرهابية جميعا وتعود سيناء لأهلها لكي يعود هو وأولاده إلي مكانه وأرضه التي تركها في رفح.
المواطن السيناوي يدفع الثمن
بعض الأهالي لا يزالوا غير مقتعين بإجراء التهجير من أساسه. الدكتور نعيم جبر، احد مشايخ قبيلة السواركة بشمال سيناء، ومقيم بمنطقة “الشيخ زويد” التي تبعد نحو 50 كيلو من منطقة رفح المهجر أهلها، يقول إن من يدفع فاتورة التهميش والعزلة هم للأسف أهل سيناء أصحاب الأرض والتي تعتبر من المقدسات بالنسبة للسيناوي ولا يمكن تعويضها بأي شي لكونها مثل أرواحهم مرتبطين بها ارتباط كبير.
ويضيف جبر، أنه بالفعل تم تهجير الأهالي و إخلائهم تماما من منازلهم، متسائلا: هل انتهى الإرهاب بعد التهجير؟، مؤكدا أن الإرهاب موجود في سيناء وفي مختلف محافظات مصر و أنه للأسف المواطن في سيناء طوال عمره يعانى من التهميش وعدم التنمية والاهتمام به مثل أي مواطن مصري يعيش في أي محافظة أخري.
من ناحيته يوضح شعير عبد السلام أن المئات من أهالي رفح المهجرين يحلمون بالعودة إلي أرضهم التي تعد مثل عرضهم يتمنون العودة لأنهم يعيشون حياة غير سعيدة وغير مستقرة في بيوتهم الجديدة ويعانون من المشاكل سواء من أشتري منزلا أو من أستأجر لأنهم بالفعل أهالينا من المهجرين يعيشون معاناة البحث عن أماكن بديلة كل فترة وحينما ينتهي مدة إيجار المسكن.
عودة المخيمات
حسن عزام، الناشط السيناوي، اتهم المسئولين بالتسبب في “تشريد” سكان رفح الذين تم تهجيرهم دون النظر إلى المادة رقم 63 من دستور 2014 والتي تنص على أنه “يحظر التهجير القسري التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم” مؤكدا أن هذا هو الرد الأدق على تهجير السيناويين من أراضيهم.
ويضيف عزام، أن العشرات من السكان الذين لم يتمكنوا من الحصول على شقق يعيشون الآن في خيام ومزارع خارج المنطقة العازلة، وذلك بسبب حالة التكدس والضغط السكاني الشديد على مناطق العريش وبير العبد والقنطرة وهى المناطق الموجودة بطول الشريط الساحلي لمحافظة شمال سيناء.
وينوه عزام، بأن هناك عشرات المواطنين تم ظلمهم بشكل كبير ولم يحصلوا علي أية تعويضات وهم سكان المناطق الواقعة بالقرب من المنطقة العازلة وأيضا سكان كمين حي الصفا، موضحا أنهم تركوا منازلهم بسبب العمليات العسكرية المتكررة وهم الآن يسكنون في مخيمات بمنطقة الميدان، غرب العريش، في ظروف معيشية قاسية دون وجود مياه ولا كهرباء وكأنهم عادوا لحياة البادية.
ويوافقه في الرأي الشيخ حسان زغبي، أحد سكان الشريط الحدودي برفح المصرية، من المهجرين، ويضيف أن حاله يسوء يوما بعد يوم بسبب عدم حصوله علي أية تعويضات مالية من الدولة لأنه ترك منزله بعد تعرضه للضرب والهجمات الإرهابية عدة مرات، مما جعله يترك منزله خوفا على حياة أولاده و أحفاده وذهب للعيش بمخيم بجوار حي الميدان بسبب فشله في العثور علي شقة للإيجار في العريش بسبب التكدس السكاني.
ويضيف زغبي أنه الآن يعيش في الخلاء هو وعائلته حيث يقومون بشراء الماء ولا يوجد لديهم كهرباء بل أصبحت حياتهم صعبة وشاقة وهم ينامون كل ليلة يرددون بين أنفسهم الشهادتين خشية الموت فجأة من خلال قذف من الأسلحة الثقيلة التي يستخدمها الجماعات الإرهابية لمهاجمة القوات الأمنية، مؤكدا أنه لا يطلب من الله سوى العودة إلي منزله و أرضه في رفح حتى يموت بداخلهما ولا يموت غريبا في مكان غريب عنه.
ويختم شعير عبد السلام، حديثه قائلا:” نحن الآن قبلنا التهجير ونعيش بمنطقة العريش لكن لا يوجد مياه في الصنابير ونشتري المياه بأسعار غالية والكهرباء أغلب الأوقات مقطوعة ولا يوجد شبكات هواتف أرضية أو محمولة بسبب الحملات الأمنية، كل ذلك ونحن لم نعترض. فقط نريد من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي النظر إلى المهجرين وحل مشاكلنا الحياتية الأساسية حتى نتمكن من الحياة والتنفس فقط”.