لاقت صور منزل جاد الادريسي الشاب ذو 29 عاماً إعجاباً هائلاً عندما نشرها على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، حيث بلغ عدد المعجبين بها أكثر من 60 ألف شخص في أقل من أربع وعشرين ساعة.
لكن الصور المنشورة على حساب جاد لا تعبر حقيقة عن جمال المنزل الذي بناه بيديه على مدى أكثر من عام، وكلفه مع الأثاث حوالي 20 ألف دينار ليبي فقط، أي أقل من ربع المبلغ الذي كان سيكلفه لو استعان بمختصين في البناء.
لاقت صور منزل جاد الادريسي الشاب ذو 29 عاماً إعجاباً هائلاً عندما نشرها على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، حيث بلغ عدد المعجبين بها أكثر من 60 ألف شخص في أقل من أربع وعشرين ساعة.
لكن الصور المنشورة على حساب جاد لا تعبر حقيقة عن جمال المنزل الذي بناه بيديه على مدى أكثر من عام، وكلفه مع الأثاث حوالي 20 ألف دينار ليبي فقط، أي أقل من ربع المبلغ الذي كان سيكلفه لو استعان بمختصين في البناء.
قُرب المنزل من شاطئ البحر والهواء العليل الذي تكمله جلسة جميلة في الحديقة التي صممها بنفسه، تتيح لك فرصة الاستمتاع بروعة المكان، الذي كان عبارة عن كوخ خشبي صغير تملكه عائلة جاد منذ 36 عاماً في منطقة أبي كماش قرب مدينة زوارة غرب ليبيا.
بدأت القصة حين قرر جاد الزواج بفتاة أحبها، وكان عدم امتلاكه منزلاً يسكن فيه مع زوجته عائقاً أمام تحقيق حلمه، ولأنه عاجز عن دفع تكاليف بناء منزل في هذا الوقت، قرر إعادة بناء وتوسيع كوخ الخشب ليحوله إلى منزل عصري.
يروي جاد لـ”مراسلون” أن أصدقاءه كانوا سنداً له في هذا القرار، حيث قاموا بجمع مبلغ مالي يمكنونه به من البدء في العمل حين سمعوا بقرار زواجه، “حينها أعددت دراسةً لبناء وصيانة الكوخ وتحويره إلى منزل بالاستعانة بمختصين، ولكنني وجدت أن ما أملكه لا يكفي حتى لنصف مرحلة البناء وخاصة مع زيادة أسعار العمالة” يقول جاد.
حينها قرر الشاب أن يفعل ذلك بنفسه، معتمداً على مهارات سابقة اكتسبها من مزاولة بعض أعمال الصيانة والترميم، ومعولاً على مشاركة خبرات من خاضوا تجارب مماثلة على الإنترنت، وهو ما ساعده كثيراً على إتمام العمل.
“أنا مثل الكثير من الشباب في ليبيا بالرغم من أنني خريج هندسة كمبيوتر ودرست في مصر وإيطاليا، إلا أنني لم أتحصل على عمل قار بعد، وأُمارس أعمالاً مختلفة لأكسب رزقي” بهذا يشرح جاد خبرته السابقة في الصيانة والترميم.
يشرح الإدريسي لـ”مراسلون” كيف قسم العمل على مراحل “البنيان والترميم أخذ مني فترة ستة أشهر كعمل مستمر، بدأت بمعالجة الخشب بمادة خاصة ضد الرطوبة والتسوس، وعالجت الجدران من الداخل والخارج وغلفتها، ثم بدأت مراحل البناء والتوسيع حيث قمت ببناء جزء جديد نظراً لضيق المكان”.
يبتسم جاد حين يقول “أتذكر كيف كنت أجمع المسامير المتبقية من كوخ بجوارنا كان قد احترق تماماً، ولم يتبقَّ منه إلا المسامير فاستفدت منها في عملي، مواد كثيرة استخدمتها كانت مستهلكة وأعدت تحويرها وتدويرها، مثل الاخشاب التي جمعتها وأعدت معالجتها لأوفر على نفسي المصاريف”.
الإمكانيات المادية كانت عائقاً أحياناً لاستمرار عمل “جاد”، مثلما حدث معه في عملية ترصيف “الباركيه” على الأرضية، لأن الباركيه مرتفع الثمن كان جاد يرصف بضعة أمتار ثم يتوقف حتى يجمع ثمن أمتار أخرى، وهكذا حتى ساعده أحد أصدقائه على توفير باقي كمية الباركيه المطلوبة.
المعدات التي استخدمها جاد في بناء منزله كانت تعني له شيئاً مهماً أيضاً، فقد خصص لها ورشة صغيرة بالمنزل جمع فيها المعدات ونظمها، بحيث يتمكن من استخدامها كلما احتاج لصيانة شيء ما في بيته الذي يتباهى بأنه “لم يدخله عامل أبداً”.
المظلات الموضوعة في الحديقة قصة أخرى، فقد صنع هيكلها جاد وثبت كلاً منها بستة مسامير فقط، حتى أنك تستغرب ثباتها رغم قوة الرياح الناتجة عن مجاورة المنزل للبحر، هذا فضلاً عن شكلها المميز.
جاد الذي استساغ العمل بيديه لم يكتفِ بالبناء فقط، بل وقام بصناعة بعض الأثاث الذي يحتاجه في بيته، مثلما صنع مطبخه الحديث الذي صممه واشترى أخشابه وجهزها وفق المقاسات والأبعاد اللازمة، ومن ثم أخذها إلى إحدى الورش لتثبيت القطع ببعضها فقط، وصنع كذلك مائدة الطعام ويعمل حالياً على غرفة نوم كاملة لم تجهز بعد.
“منزلي مرسوم على جسدي” هكذا يقول جاد وهو يُشير إلى آثار الإصابات الكثيرة على ذراعيه ويديه جراء عمله في البناء، ويُضيف “تعرضت لإصابات عدة منها سقوطي من أعلى السقف، وجروح كبيرة من بعض المعدات، بالرغم من اتخاذي كل احتياطات السلامة، وقبل العمل يومياً كنت أتأكد من توفر كل الإسعافات في صندوق الإسعافات الخاص بي”.
يضحك جاد بصوتٍ عالٍ وهو يروي كيف اضطر لإعادة العمل على خزان المياه الأرضي بعد أن انتهى منه تماماً، فبعد أيام طويلة قضاها في حفر الخزان بمفرده، وبعد أن أنهى الأرضية والجدران وملأه فوجئ بالماء يرشح في الأرض حتى فرغ الخزان بالكامل، ما اضطره لإعادة تغليف جدرانه مجدداً.
“لكنني لم أكن مستاءً من ذلك، فأنا أتعلم، واستعانتي بالإنترنت لم تمنعني من الوقوع في بعض الأخطاء” يقول جاد.
تجربة الإدريسي هذه ليست أقصى طموحه كما يقول، فهو يفكر مستقبلاً بشراء قطعة أرض كبيرة ويبني فيها منزلاً بحجم أكبر وذو طوابق، كي يعيش فيه مع زوجته التي تزوجها منذ أشهر محققاً حلمه الذي كان دافعاً له لكل هذا العناء.