“عزبة الزبالين” منطقة تزين ملامحها القمامة ويعيش أهلها على تلالها، فالبيوت تملئها القمامة والشوارع تتكدس جوانبها بجوالات فضلات القاهرة الكبرى بعد أن قام أهلها بتجميعها من ملايين الشوارع والبيوت وأحضروها إلى عزبتهم لإعادة تدويرها مرة أخرى.

***

“عزبة الزبالين” منطقة تزين ملامحها القمامة ويعيش أهلها على تلالها، فالبيوت تملئها القمامة والشوارع تتكدس جوانبها بجوالات فضلات القاهرة الكبرى بعد أن قام أهلها بتجميعها من ملايين الشوارع والبيوت وأحضروها إلى عزبتهم لإعادة تدويرها مرة أخرى.

***

“من منطقة عزبة الورد بحي الشرابية إلى منطقة أبو وافية بحي شبرا الخيمة مروراً بمنطقة إمبابة الشعبية ونهاية بحي منشية ناصر بحي المقطم غرب محافظة القاهرة، كانت رحلة جامعي القمامة في القرن العشرين، فأول مكان تجمعوا فيه كان في منطقة عزبة الورد فى الشرابية، وذلك منذ عام 1949 حتى عام 1955، وبعد الشكوى منهم، تم نقلهم الى منقطة ابو وافية فى شبرا الخيمة واستقروا بها حتى عام 1960، وتكررت الشكوى فانتقلوا الى إمبابة، وكانت إرض زراعية فأجروها من أصحابها مقابل الإقامة وتربية الحيوانات حتى عام 1970، بعد أن شكى سكان منطقة الزمالك الراقية إلى المحافظ ، فتم نقلهم إلى جبل المقطم فى منشية ناصر حيث الموقع الحالى لهم” هكذا حكى لنا إسحاق مخائيل بولس مدير جمعية رجال جمع القمامة.

***

في مكتبه الواقع وسط منطقة يحيطها من كل جانب القمامة، قابلنا إسحاق، وروى لنا تاريخ تطورات المنطقة، في البداية قال: “إن تلك المنطقة في عام 1970كانت عبارة عن صحراء جرداء، إلا إن عدد من جامعي القمامة بمنطقة إمبابة بعد أن طردتهم الحكومة من هناك بحجة أنها تقع وسط منطقة سكنية، قاموا بتجميع أقاربهم من محافظاتهم وكانوا أغلبهم من صعيد مصر، وتحديداً من محافظتي أسيوط وسوهاج، وذلك للعمل في مجال جمع القمامة، وفي تلك الفترة كانت البيوت أغلبها عبارة عن عشش صغيرة  بنوها من الصفيح والكرتون والخشب وكانوا يعيشيون حياة بدائية للغاية دون أي خدمات قريبة منهم”.

في البداية كان دور أهالي العزبة جمع القمامة، وفرزها، وبيعها إلى مصانع الورق والزجا ج والصفيح والبلاستيك والنحاس، أما الفضلات كانت تذهب إلى الخنازير، حيث أشتهر أهالي المنطقة بتربيتهم كوسيلة لتخلصهم من بواقي القمامة غير المستخدمة – بحسب ما أضاف إسحاق والذي قام بتأسيس جمعيته في عام 1974 لتكون بمثابة صوت الزبالين إلى الحكومة لتوفير الخدمات الأساسية إليهم.

***

قبل عام 1984 كانت عملية جمع القمامة من القاهرة الكبرى مسألة ليست صعبة بالمرة، فالمدن والتوسعات الجديدة لم تكن ظهرت بعد، وكان أهالي العزبة يقومون بمفردهم بتجميع القمامة دون أي مساهمة حكومية، حتي تم إصدار القرار الرئاسي بإنشاء هيئة النظافة، والتي تمثلت وظيفتها من جمع القمامة من الشوارع الرئيسية، أما قمامة المنازل فكان ذلك من اختصاص الزبالين، قبل أن تبرم الحكومة المصرية أول عقد مع شركة أجنبية للنظافة في عام 2002 حيث تعاقدت مع شركة “أمل عرب” للصيانة الإيطالية الجنسية.

وبحسب إسحاق فإنه منذ ذلك الحين أصبح تعاملهم مع الشركة الأجنية والتي كانت تتقاسم معهم ما يجمعونه من أصحاب البيوت، بالإضافة إلى ترك القمامة لديهم ليتصرفوا بها.

***

بداية انتعاشة المنطقة كانت في عام 1986، عندما قدم البنك الدولى منحة لتطوير المنطقة ومدها بالمرافق الاساسية من مياه وطرق وصرف صحي، إلا أن عام 1993 شهد أكبر كارثة صحية تعرضت لها المنطقة، بعد أن شب حريق ضخم من المحرق الرئيسي والوحيد بالمنطقة، وتسبب في وفاة 40 شخصاً من الأهالي، وبعدها قررت الحكومة إغلاقه، وبحسب مخائيل فإن جمعية خاطبت البنك الدولي، والذي من جانبه قام بإمداد الحكومة المصرية بمعدات تساعد على عملية الحرق ولكن بطرق حديثة في ذلك الوقت.

كما أن الكنيسة القبطية في ذلك الوقت قدمت قروض ميسرة لمن يريد عمل ورش لإعادة تدوير القمامة، مثل كسارات البلاستيك، ومكابس الورق ، ومفارم القماش، ومسابك المعادن، و مخازن الزجاج، فزاد دخل الأسر، بعد أن كانوا يبيعون المخلفات بثمن بخس، وهو نفس الدور الذي يقوم به حالياً دير “سمعان الخراز” الموجود في قلب جبل المقطم بالقرب من العزبة، حيث يوزع ما يأتي له من تبرعات إلى الأسر الفقيرة، ويساعدهم على شراء معدات بدائية للعمل في صناعة القمامة.

وبحسب إسحاق فإن تلك المساعدات ساعدت على حدوث رواج، وزادت الورش وصل عددها إلى 700 ورشة فى منشية ناصر، ومثلهم في 6 مناطق مناطق أخرى تقوم باعادة تدوير 9 الاف طن يجمعها الزبالون على مستوى القاهرة الكبري وبلغ عدد سكان العزبة في الوقت الحالي حوالي 75 ألف نسمة.

***

في جولتنا بعزبة الزبالين التقينا بعم جرجس -42 عاما- والذي جاء من محافظة سوهاج –جنوب مصر- منذ سنوات ليعمل مع عمه والذي يعتبر من أقدم رجال العزبة، ويعمل جرجس على مكنة تنظيف المخلفات البلاستيكية، كزجاجات المياة الفارغة، أو زجاجات الزيوت، أو زجاجات المشروبات الغازية، حيث يدخل البلاستيك في البداية في مكن للتكسير إلى قطع صغيرة قبل أن يصل إليه، لتنظيفه وبيعه إلى مصانع الزجاجات البلاستيكية مرة أخرى.

ويحصل جرجس إلى يومية تصل إلى 300 جنيهاً مصريا -40 دولار تقريبًا- إلا أنه يعاني من حساسية الصدر نتيجة وقوفه باستمرار أمام المواد الكميائية المستخدمة في تنظيف البلاستيك مثل الكلور والبوتاسيوم، وكذلك السخونة الشديدة للمياه وقال: “أترك أسرتي المكونة من 5 أفراد في محافظة سوهاج وأذهب إليهم مرة كل شهرين تقريباً إلا إنني لا استطيع أن أترك عملي هنا أو أن أجلبهم معي فإغلب ساكني العزبة مصابين بأمراض خطيرة كفيروس سي أو السرطان وأخشي عليهم من مصير أهل المنطقة”.

ويشكو جرجس من الانقطاعات المتكررة للمياه، والتي تعتبر أكبر مشكلة تواجهه العمل في تلك المنطقة، حيث تعتمد بشكل أساسي على المياه، مشيراً إلى الانقطاعات قد تمتد إلى أيام، وقد يلجأ الأهالي إلى شراء المياه من أماكن خارج المنطقة إلا أن ذلك لايمكن الاعتماد عليه أثناء عمل ماكينات التنظيف.

***

أما محمد عيد – 50 عاما- فجاء من محافظة المنيا بصعيد مصر ليعمل مع جاره في أحد مصانع صهر البلاستيك تمهيداً لبيعه إلى مصانع الأكياس البلاستيكية، فأكد أن المصنع يأتي إليه الأكياس الملونة  في شكل قصاصات صغيرة، ويقوم بتسييحها عن طريق مكنة تعمل بدرجة حرارة مرتفعة للغاية قبل أن يصل إلى النار ليستقر في شكله النهائي على هيئة خرز صغير، يتم بيعه للمصانع.

وبالرغم من إصابة عيد بمروض فيروس سي، إلا أن يأبى أن يترك عمله خوفاً على مستقبل أسرته، حيث تركها ليجلب إليها لقمة العيش، أما عن أصعب مايوجهه خلال عمله فيتمثل ذلك في الانقطاعات المتكررة للكهرباء، والتي تعمل عليها مكنة التسييح فيؤدي إلى توقفها عن العمل، كما أن عودتها مرة أخرى لدرجة حرارة تسييح البلاستيك تحتاج إلى أكثر من ساعتين، وفي كثير من الأحيان يفقد عيد يوميته بسبب انقطاع الكهرباء وتحديداً في فصل الصيف.

***

“المنطقة لايوجد بها أي معايير السلامة الصحية”، هذا ما أكده سعد ألبرت صاحب مصنع لفصل القمامة، ويعمل هو وزوجته وأبناؤه وبناته في تلك المهنة، فالطابق الأول من بيته تملأوه القمامة، حيث يعمل في جمع القمامة من منطقة شبرا ويأتي بها إلى منزله ليقوم بفرزها إلى 5 أنواع (زجاج – بلاستيك – كرتون – فضلات – حديد) ليقوم ببعيها إلى مصانع التكسير.

أما ابنته الكبيرة مريم فبعد أن تعود من جامعتها، تتفرغ للجلوس وسط القمامة لفرزها، وكذلك مينا أبنه والذي يدرس بالمرحلة الثانوية، أما زوجته فعليها مهمة تنظيم أوقات العمل بينهم ومساعدة كلا منهم في أداء عمله.

ويشير سعد إلى أن الكرتون والزجاج يأتي عدد من البائعين من خارج المنطقة لشراؤه، أما الفضلات فيذهب بعضها إلى زرائب الخنازير، – ولكن ذلك أصبح يتم بشكل غير شرعي مع إعدام الحكومة لجميع الخنازيز خوفاً من تفشي مرض أنفلونزا الخنازير في 2008- أو يتم إلقاؤها في أماكن قريبة من العزبة، أما البلاسيتك فيتم بيعه لأصحاب المصانع بالعزبة.

ولكن منزل سعد لايوجد به صرف صحي على الرغم من توصيل الصرف إلى عدد كبير من منازل المنطقة، وينتظر عربات الحي لنزح الطرنشات من الحين إلى الآخر، وبحسب سعد فإن مشكلة الصرف الصحي أكبر ما يهدد المنطقة، فاعتماد أصحاب المصانع على المياة بشكل كبير في عملهم يؤدي إلى انسداد الصرف في الشوارع الرئيسية بالمنطقة.