عندما رأى منير عزدني كتلة النار الملتهبة على بعد أمتار من مسكن عمه كان يظن أن العائلة قد أوقدت الفرن لطهي الخبز كما اعتادت يومياً، وأن الرياح أججت النار. غير أن صوت الاستغاثة المنبعث من اللهب جعله يسرع فزعا نحو المكان ليكتشف أن كتلة النار لم تكن سوى جسد ابن عمه الذي سكب النار على جسده لينتحر.

يقول منير لمراسلون إن وقع الصدمة شل تفكيره إلا أن تصاعد صياح ابن عمه زياد جعله يستنجد بأعلى صوته بجيرانه علهم يطفئونه بالماء.

عندما رأى منير عزدني كتلة النار الملتهبة على بعد أمتار من مسكن عمه كان يظن أن العائلة قد أوقدت الفرن لطهي الخبز كما اعتادت يومياً، وأن الرياح أججت النار. غير أن صوت الاستغاثة المنبعث من اللهب جعله يسرع فزعا نحو المكان ليكتشف أن كتلة النار لم تكن سوى جسد ابن عمه الذي سكب النار على جسده لينتحر.

يقول منير لمراسلون إن وقع الصدمة شل تفكيره إلا أن تصاعد صياح ابن عمه زياد جعله يستنجد بأعلى صوته بجيرانه علهم يطفئونه بالماء.

لكن كلما زاد صراخ ابن عمه زادت ألسنة النار بالالتهاب حتى أتت على جسد زياد عزديني (18 عاما) فأصابته بحروق بليغة أدت لوفاته قبل نقله للمستشفى المحلي بالقيروان.

يقول منير عزدني لمراسلون إن ابن عمه زياد كان يقطع يوميا مسافة 11 كلم للذهاب للدراسة وعند عودته لمنزله يضطر من جديد لقطع مسافة أطول لجلب الماء.

كان زياد يعيش في وضع اجتماعي متردي في منطقة نائية في مدينة القيروان (جنوب) مع زوجة أبيه وأشقائه الصغار الذين يعانون من انعدام أبسط ضروريات الحياة.

تقع تلك المنطقة في قرية سيدي عمر من معتمدية بوحجلة بالقيروان وهي من بين المناطق الفقيرة في البلاد التي تفتقر إلى البنى التحتية وشبكات المياه والكهرباء.

حسب رواية ابن عمه كان زياد يشعر بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه باعتباره كان الرجل الثاني للبيت بعدما سافر والده إلى إيطاليا من أجل تحصيل لقمة العيش هناك.

ورغم أنه كان شابا هدئا ورصينا ومتفوقا في دراسته إلا أن صبره نفذ من مجابهة صعوبة الحياة وقساوتها حتى قرر في لحظة يأس إضرام النار في جسده، وفق ابن عمه.

حالة زياد ليست فريدة من نوعها حيث لا يمر أسبوع واحد دون أن تنقل وسائل الإعلام خبر انتحار أحد التونسيين جزء منهم تلاميذ ما زالوا يزاولون تعليمهم في المعاهد.

في منتصف نوفمبر الماضي حاول طبيب أسنان لا يتجاوز عمه الثلاثين عاما الانتحار حرقا بسبب تدهور ظروفه وهو يخضع للعلاج في مستشفى بمدينة المنستير الساحلية (جنوب).

وقد دفع ارتفاع حالات الانتحار حرقا أو شنقا في تونس الخبراء الاجتماعيين إلى دق ناقوس الخطر من تفاقم الظاهرة التي يقولون إنها شملت مختلف شرائح المجتمع.

وكشفت دراسة أعدها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (غير حكومي) أن حالات الانتحار حرقا شهدت نسقا تصاعديا لتصل العام الماضي إلى 122 حالة.

وقد أرجعت هذه المنظمة تصاعد حالات الانتحار إلى تفشي الشعور بالإحباط واليأس لدى الفئات الهشة جراء تردي أوضاعهم المعيشية وفقدان الأمل في الحياة.

تقول المنظمة إن الأزمة اقتصادية قادت إلى تعميق التهميش الاجتماعي والاضطراب النفسي والشعور بالحرمان واليأس وانسداد الآفاق خاصة أمام الشباب.

ويظهر توزيع حالات الانتحار حسب العمر بحسب دراسة المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن 60 بالمائة من المنتحرين هم شباب تتراوح أعمارهم بين 18 و30 سنة.

أما توزيع حالات الانتحار حسب الأوضاع الاجتماعية فقد كشفت الدراسة أن 90 بالمائة من المنتحرين ينحدرون من الفئات الفقيرة خاصة في الجهات الداخلية المحرومة.

ويرى دكتور الأمراض النفسية عماد الرقيق أن تكرار عمليات الانتحار “هي رسائل أراد المنتحرون إيصالها للساسة عن حالة اليأس التي يعيشها الشباب بعد الثورة”.

ويقول لمراسلون إن الشباب التونسي كان ينتظر علامات أمل إيجابية إلا انه تفاجأ بتعمق البطالة والفقر والتهميش وتزايد عمليات إقصائه من الحياة السياسية والاقتصادية.

وعن سبب تزايد عمليات الانتحار حرقا يقول الرقيق إن المنتحرين اختاروا هذا النوع من الانتحار لأنهم يعتقدون بأن فيه نوع من البطولة ويثير أكثر انتباها نظرا للنتائج التي حققها انتحار محمد البوعزيزي البائع المتجول الذي فجر الثورة التونسية.

ولاحظ الطبيب النفساني انتشار حوادث الانتحار حرقا لدى مختلف شرائح المجتمع بما فيهم الصغار القصر وحتى الكبار العجز، قائلا “الانتحار يحدث لدى جميع الفئات والأعمار”.

ولا توجد في تونس إحصاءات رسمية عن عدد حالات الانتحار بخلاف الدراسات التي ينشرها بعد الثورة المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

وكانت وزارة الصحة العمومية قد كلفت منذ أشهر أطباء ومختصين للقيام بدراسة عملية حول ظاهرة الانتحار. علما أن بعض الأطباء يشككون في نتائج الدراسات التي تنشرها منظمات غير مختصة.