لم تتوقع سمية أن ينفضح سرها الذي دفنته في أعماقها لأكثر من عشر سنوات لو لم ينكشف في غفلة منها بعد أن قدمت وثائقها الشخصية لإدارة عملها لإتمام ملفها المهني فيتبين أنها لم تتزوج وأن ابنتها لا تحمل لقب أبيها.

قبل ذلك كان الجميع في عملها يعلم أن سمية مطلقة وأن زوجها هجرها وتركها تواجه مصيرها وحيدة مع ابنتها ذات التسع سنوات.

لكن وثيقة الحالة المدنية التي قدمتها لمسؤول الموارد البشرية لم تتضمن أي دليل على وضعيتها ولا تشير لكونها متزوجة أو حتى مطلقة.

لم تتوقع سمية أن ينفضح سرها الذي دفنته في أعماقها لأكثر من عشر سنوات لو لم ينكشف في غفلة منها بعد أن قدمت وثائقها الشخصية لإدارة عملها لإتمام ملفها المهني فيتبين أنها لم تتزوج وأن ابنتها لا تحمل لقب أبيها.

قبل ذلك كان الجميع في عملها يعلم أن سمية مطلقة وأن زوجها هجرها وتركها تواجه مصيرها وحيدة مع ابنتها ذات التسع سنوات.

لكن وثيقة الحالة المدنية التي قدمتها لمسؤول الموارد البشرية لم تتضمن أي دليل على وضعيتها ولا تشير لكونها متزوجة أو حتى مطلقة.

أدركت سمية أنها ارتكبت خطأ جسيما وأن المسؤول عن المواد البشرية انتبه بذكاء إلى الأمر فانسحبت مسرعة من المكتب بعد أن أخفت النسخة الثانية من وثيقة الحالة المدنية بين طيات ملابسها وكأنها تحاول إعادة إخفاء سرها.

منذ ذلك الوقت تأكدت سمية أنها لن تستطيع إخفاء المستور أكثر فقررت مواجهة الواقع معلنة بصراحة للجميع أنها أم عزباء وأن ابنتها جاءت نتيجة علاقة غير شرعية مع رفيقها الذي أحبته طيلة 5 سنوات قبل أن تكتشف أنه متزوج وأنه لم يكن ينوي الزواج منها.

تقول سمية لـ”مراسلون” أنها لم تعد تخشى نظرة المجتمع إليها فقد تحررت من كل القيود وأصبحت أكثر قدرة على مواجهة الناس رغم أنها تنتمي إلى وسط ريفي يرى أن الإنجاب خارج إطار الزواج جريمة كبرى ترتقي إلى جرائم الشرف.

استقرار سمية بالعاصمة بحثا عن عمل جعلها تتحرر من الضغط الاجتماعي الذي يعانين منه مثيلاتها بالأوساط الريفية المحافظة، فبالنسبة لها أصبحت العاصمة ملجأ للأمهات العازبات اللاتي ينجبن خارج الزواج القانوني.

تعد هذه المرأة نموذجا من آلاف النساء التونسيات التي تتكرر معهن هذه التجربة القاسية سنويات إذ كشفت إحصاءات رسمية حديثة أنه يولد سنويا ما بين 1200 و1500 طفلا خارج الزواج.

وتشير بيانات رسمية إلى أن أكثر من 80 بالمائة من الأمهات العازبات ينحدرن غالبا من أوساط ريفية فقيرة وأن نسبة هامة منهن قد تعرضن في الأغلب للاغتصاب أو إغوائهن بالزواج.

كما تظهر البيانات ذاتها أن عددا كبيرا من هذه الحالات هن فتيات قدمن من المناطق الريفية الفقيرة للعمل كخادمات في العاصمة تونس والمدن الكبرى.

وتشير إلى أن أغلب المستويات التعليمية للأمهات العازبات تتراوح بين الأمية التامة أو لا تكاد تتجاوز المرحلة الابتدائية وفي أفضل الأحوال التعليم الثانوي وهو ما يجعلهم عرضة للاستغلال.

وكغيرها من النساء العازبات اللاتي وقعن ضحية جرائم الاستغلال الجنسي والاغتصاب قررت سمية حماية ابنتها من نظرة أهلها القاسية ومحيطها المحافظ وهربت من قريتها النائية بحثا عن حياة جديدة تسترها وتستر ابنتها.

تقول “لقد انطلقت رحلتي في البحث العمل بين بيوت الميسورين والشركات الخاصة كعاملة تنظيف إلى أن استقر بي الأمر في إحدى المؤسسات الخاصة التي تمكنني من أجر لا يتجاوز الـ200 دولار شهريا وهو مبلغ يؤمن لي إيجار البيت وبعض نفقات دراسة ابنتي التي تخلى عنها والدها رغم أني حصلت منذ ولادتها على حكم قضائي يلزمه بدفع مبلغ شهري في حدود 75 دولارا”.

ترفض سمية وفق ما روته لـ” مراسلون” تتبع والد ابنتها قضائيا أو إرغامه على الإنفاق على ابنته طمعا في تسوية العلاقة بينهما بإقناعه بعقد قرانهما لمدة وجيزة ثمّ الطلاق حتى تثبت لابنتها أنها ولدت في إطار شرعي عندما تكبر.

تقول “أنا لا أريدها أن تواجه نفس المصير الذي واجهته وأحاول جاهدة أن أوفر لها كل الظروف لتمكينها من مواصلة تعليمها لعل الشهادة الجامعية تكون حصنها الأخير ضد المجتمع الذي لن يغفر لها أنها ولدت خارج مؤسسة الزواج”.

كما تعوّل سمية على بعض الدعم الذي تقدمه الجمعيات المساندة للأمهات العازبات حيث تحصل شهريا على منحة بـ80 دولارا تخصصها لنفقات دراسة ابنتها ومصاريف دروسها الخصوصية باعتبار وأن إمكانياتها التعليمية لا تسمح لها بمساعدة ابنتها على القيام بواجباتها الدراسية.

وأحدثت الدولة آليات مختلفة لرعاية الأطفال مجهولي النسب والمولودين خارج إطار الزواج من دور لرعاية الأطفال ومعهد مختص لرعايتهم إلى لجان جهوية لإثبات النسب تدعى إلى الانعقاد كلما كانت هناك ولادة خارج إطار الزواج.

وتتكفل هذه اللجان بالإحاطة بالأم العزباء منذ تسجيل حالة الولادة ومرافقتها خلال فترة ما بعد الوضع في مسار تحديد هوية الأب الطبيعي.

وتعتبر وزيرة شؤون المرأة والأسرة سميرة مرعي فريعة أن التمكين الاقتصادي للأمهات العازبات من أهم الآليات التي تعمل الوزارة على إرسائها، مؤكدة على أن خلق مواطن شغل لهن يساعد الدولة على حمايتهن من الانزلاق في مستنقعات الانحراف.

وتقول وزيرة المرأة لـ”مراسلون” إن هناك بعض من الجمعيات المدنية تساعد على الإحاطة بالأمهات العازبات ما قبل الوضع وما بعده إلى جانب العناية بالأطفال مجهولي النسب.

وتقوم جمعية السبيل مثلا برعاية 250 امرأة وطفل من خلال توفير مستلزمات الأطفال وتيسير استقرار الأمهات داخل أسرهم أو خارجها لدى عائلات أخرى.

كما توفر الجمعيات توعية الأمهات العازبات بحقوقهن والأخذ بأيديهن وإعدادهن نفسيا لمجابهة المجتمع الرافض لهذه الظاهرة.  وترافق الجمعات الأم العزباء لتسوية وضعية الطفل القانونية ومنحه لقبا عائليا وتعمل على تحميل الأب الطبيعي لمسؤوليته القانونية والاجتماعية.