كان أمين عبدالله (27 عاماً) ومحمد صالح (28 عاماً) صديقان يرتادان المقهى ذاته، يلهوان في ذات الملعب بالكرة ويذهبان إلى ذات الشاطئ، وذلك قبل أن تحولهما الحرب إلى أعداء في ساحة المعركة، أحدهما في معسكر أنصار الشريعة ومجلس شورى ثوار بنغازي والآخر في معسكر قوات عملية الكرامة والجيش، يتقاتلان في ذات المدينة بنغازي شرق ليبيا.

كان أمين عبدالله (27 عاماً) ومحمد صالح (28 عاماً) صديقان يرتادان المقهى ذاته، يلهوان في ذات الملعب بالكرة ويذهبان إلى ذات الشاطئ، وذلك قبل أن تحولهما الحرب إلى أعداء في ساحة المعركة، أحدهما في معسكر أنصار الشريعة ومجلس شورى ثوار بنغازي والآخر في معسكر قوات عملية الكرامة والجيش، يتقاتلان في ذات المدينة بنغازي شرق ليبيا.

عام ونيف هو عمر الحرب الدائرة في بنغازي، تغيرت خلالها ملامح المدينة جغرافياً وسكّانياً، إذ شهدت موجة نزوح هائلة، خاصة في المناطق التي تشهد حدة في الاشتبكات، كالصابري وسوق الحوت الذي يمثل وسط المدينة. كما تعرضت بناياتها ومنازلها إلى الكثير من الأضرار المادية، الأمر الذي ينبيء بأزمة إسكانية أخرى عقب انتهاء الحرب التي تتغذى على شباب من أمثال أمين ومحمد.

عرقلة الحوار

يقول أمين عبدالله وهو أحد المنضوين تحت لواء تنظيم أنصار الشريعة الإسلامي، إن مبادرات السلام بين طرفي النزاع كانت على وتيرة متواصلة قبل اشتداد الحرب في بنغازي أكتوبر 2014، وإن لجنة كانت قد شكلت من قبل مشائخ المدينة للحوار ضمت الشيخ منصور البرعصي، وسالم سويدان، والشيخ محمد الشيخي، وذلك للتفاوض مع آمر حرس المنشآت الحيوية في المنطقة الشرقية عزمي البرغثي الذي كان أحد أهم القادة في قوات الكرامة قبل وفاته.

ولكن قبل موعد الاجتماع مطلع حزيران/يونيو 2014 – يقول أمين – تم الإعلان عن مقتل البرغثي في الاشتباكات التي دارت في “سيدي خليفة” – منطقة تبعد عن مدينة بنغازي حوالي 15 كم –، كما تمت تصفية أحد أعضاء لجنة الحوار محمد الشيخي في منطقة حي السلام في ذات الفترة، وهاتان الحادثتان بحسب أمين تثيران شبهة عدم رغبة الطرف الآخر في خوض حوار حقيقي.

سلام مشروط

رغم ذلك فإن “أبواب الجماعة مفتوحة للتوبة شريطة أن يتم تسليم السلاح” يقول أمين، مؤكداً بأن قائد عملية الكرامة العسكرية خليفة حفتر لاتشمله هذه الدعوة، “فهو يعتبر مجرم حرب”.

على الضفة الأخرى من الصراع، صديقه السابق محمد صالح وهو اليوم قائدٌ ميداني في سرية تابعة لقوات الكرامة التابعة للحكومة المؤقتة، يعتبر أن السبب الأول الذي يدفعه للاستمرار بالحرب هو حق الدفاع عن النفس ودفع البلاء عن البلاد، “وذلك لأمر الرسول عليه الصلاة والسلام بمحاربة الخوارج الذين يحرمون ما أحل الله ويستبيحون دماء المسلمين” حسب قوله.

يعتبر صالح أن السلام مع تنظيم أنصار الشريعة غير معقول “فنحن في نظرهم كفار ويجب أخذ القصاص منا أو الاستتابة ومبايعة أميرهم أبوبكر البغدادي، هذا شيء لايقبله لا عقل ولا منطق”.

يرفض أمين هذه الإشارات إلى ارتباط فريقه بتنظيم داعش، حيث يؤكد أنه ليس على علم بوجود اتصالات أو دعم متبادل بين الطرفين، ” أعلم بحكم موقعي أنه لايوجد أي دعم لوجستي بين الطرفين”.

مع ذلك يشير صالح إلى أن هناك مبادرات تمت مع أشخاص قليلين يعتبرون الأقل تطرفاً في التنظيم، إذ حاول أنصار الجيش – بحسب قوله – أن يقنعوهم بتسليم سلاحهم وأن ينضموا إلى الجيش كأفراد و يمارسوا حياتهم العادية، ومنهم من انضم فعلاً مثل أدمين التاورغي آمر الكتيبة 319 صاعقة، والذي عندما قرر الانضمام إلى الجيش تآمر عليه رفاقه في كتيبته وغدروا به، ليصبح لاحقاً أحد الضحايا الأربعة عشر الذين سقطوا في مذبحة رمضان سنة 2014 وقطع رأسه عن جسده، في هجوم الأنصار على مقر الكتيبة.

مصادر الدعم

هذه الحرب التي تأتي على مظاهر الحياة في المدينة يتلقى طرفا الصراع فيها دعماً بالسلاح من جهات مختلفة، فجماعة أنصار الشريعة تتلقى الدعم بحسب أمين من بعض مدن غرب ليبيا والعاصمة طرابلس.

“إخوتنا الثوار في مدينة مصراتة وباقي المدن الغربية تدعمنا بالعتاد والسلاح من خلال الزوارق التي يتم إرسالها إلى السواحل المقابلة للمدينة، وكذلك المؤتمر الوطني العام في طرابلس يدعم قواتنا في بنغازي” يقول أمين.

ومع ذلك يعتبر أمين الدعم الذي يصل “قليلاً جداً، حتى إن قلة الإمكانيات أصبحت واقعاً يتعامل معه أفراد الجماعة في بنغازي”، وليس هذا هو حال قوات الكرامة بحسب أمين فهم يتلقون الدعم من قبل الدول العربية كمصر والإمارات.

وهو ما ينفيه تماماً القائد الميداني محمد صالح مؤكداً بأنه لم يتم دعم قوات الكرامة من أي دولة بسبب الحظر المفروض على تسليح الجيش الليبي، الذي يراه قراراً تعسفياً من المجتمع الدولي، “فنحن نحارب الإرهاب نيابة عن العالم” يقول صالح.

سلاح متهالك

يعتقد صالح أن هناك دولاً تسعى لعدم استقرار الوضع في ليبيا، وذلك عن طريق “إضعاف وتفتيت الجيش الليبي الذي يُعتبر صمام الأمان لليبيا كما هو الحال في جميع الدول” .

“فالطيران الحربي لدينا قديم جداً وأغلب الطائرات كانت خارج الخدمة، وسلاح المدفعية غير متطور، نحن الآن نستخدم دبابات شاركت في الحرب العالمية الثانية وتم إرجاعها ثانية للخدمة، أيضاً هناك سلاح البحرية الذي يعتبر غير موجود فليس لدينا قطع بحرية حديثة وقوية” يقول صالح.

ويستطرد “لكن استطعنا إنهاك العدو في الأرض المفتوحة وإستنزافه وتدمير 80% من قوته في معركة بنينا ومعارك بوعطني، وذلك يرجع إلى الخبرات العسكرية لدى الجيش الليبي في التخطيط في المعارك العسكرية”.

الوضع الميداني

الوضع الميداني كما يصفه صالح راجح لكفة قوات الجيش والكرامة، فجميع المحاور حسب قوله “يحاصرها  الجيش والقوات المساندة له سواء في منطقتي الليثي والصابري أو في محاور وسط البلاد والهواري والقوارشة والمحور الغربي”.

ولكن الأنباء تتحدث عن استمرار الاشتباكات في بعض تلك المناطق مثل القوارشة والهواري، اللتان يشرح محمد صالح الوضع فيهما بأن منطقة القوارشة تتقدم فيها قوات الجيش والكرامة من ثلاث محاور، محور مشروع الصفصفة ومحور الفعكات ومحور 17 فبراير، وأكد بأن  هناك تعليمات من القياده بعدم تصوير أماكن الجيش وتحركاته، أما بالنسبة لمنطقة  الهواري فيقول بأن هناك تقدماً من ناحية مستشفى الهواري وهو تحت سيطرة قوات الجيش والكرامة هو ومسجد السيدة عائشة  .

يؤكد صالح أن المنفذ الوحيد الذي لا تسيطر عليه قواتهم هو  ميناء المريسة في منطقة قنفوذة، وهو الذي تصل عن طريقه الإمدادات لقوات أنصار الشريعة ومجلس الشورى، “وهناك كما هو معروف طريق يصل منطقة الليثي ويمر بالهواري ثم بالقوارشة ثم بمنطقة قنفوذة”، ويعتقد محمد صالح أنهم عندما يسيطرون على معسكر رافالله السحاتي وميناء المريسة فسوف يتم قطع طريق الإمدادات بالكامل على جماعة الأنصار ومجلس الشورى .

حيث حتى محور الصابري ومحور وسط البلاد يتم دخول الإمدادات إليهما عن طريق زوارق مطاطية صغيرة تخرج من ميناء المريسة إلى بحر منطقة الصابري ومنطقة وسط البلاد.

قصف الزوارق

زوارق السلاح هذه أو تلك القادمة من مناطق غرب البلاد مثل مصراتة وسرت يتم قصفها بالطيران التابع للحكومة المؤقتة، ولهذا يقول صالح انتقلت القوات المعادية لهم من وضع الهجوم إلى وضع الدفاع، واكتفت بالقنص من داخل المباني والاختباء في الأحياء والأزقة الضيقة .

أما أمين عبدالله فيقول إن أصعب مشكلة تواجه قوات أنصار الشريعة في بنغازي، هي كيفية حماية العائلات التي بقيت في مناطق الصراع كسوق الحوت والصابري، متهماً قوات الكرامة بأنها لا تكترث لأمرهم وتستمر في إطلاق القنابل وقذائف الدبابات.

على النقيض تماماً من هذا الكلام يقول محمد صالح إنهم منذ بدء عملية الكرامة يحاولون تجميع الجيش الذي فككه القذافي وأنهكته حرب التحرير،  “والذي حاولت جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الليبية المقاتلة تدميره نهائياً باغتيال الكفاءات العسكرية، وإنشاء أجسام موازية للجيش مثل الدروع والكتائب الأمنية التي تتبع الجماعة، ودعم كتيبة أنصار الشريعة في بنغازي وسرت وكتيبة البتار بدرنة، وإعطائهم الميزانيات الضخمة التي صرفها لهم المؤتمر الوطني العام” .

وبناءً على ذلك يقول إن تحرير بنغازي هو البداية لنهاية تنظيم داعش المتطرف في ليبيا، حيث ينوون قتال أفراده في درنة وسرت وضواحي مدينة اجدابيا، وكذلك بعض مدن الجنوب التي يختبئ فيها التنظيم ويوجد بها معسكرات لتدريب مقاتلي داعش والمقاتلين الأجانب الذين يتوافدون على ليبيا من كل الدول، حسب قوله.

هي حرب لا عودة عنها إذاً بالنسبة للطرفين، أعادت تشكيل الخارطة الاجتماعية والأخلاقية في المدينة على أساس المع والضد، ويروح ضحيتها كل شيء في بنغازي، فبحسب تصريح توفيق شكري من المكتب الإعلامي للهلال الأحمر بنغازي لـ”مراسلون”، تم توثيق أكثر من 1400 أسرة نازحة من مناطق الصراع، توزعت  غالبها في المدارس والمعاهد بالمدينة، فضلاً عن النازحين خارج بنغازي، كما تم تسجيل أكثر من 300 مفقود منذ بداية الحرب العام الماضي.