“تحتاج الجريدة إلى وجودة مساحة بينها وبين وزارة الثقافة، لكي تكون أكثر حيادية وأكثر مصداقية، ولكي تكون إجابة السؤال واضحة: هل هذه جريدة وزارة الثقافة أم جريدة المثقفين.” يقول سيد محمود، رئيس التحرير الجديد لـجريدة “القاهرة” الثقافية الأسبوعية التي تصدر عن وزارة الثقافة لــ”مراسلون”، ملخصًا واحدة من أكبر الأزمات التي تواجه الإصدارات الثقافية. ويضيف: “انتهت صحافة تلميع مسئول الوزارة. ما يهمنا بالفعل هو إنتاج الثقافة على أي مستوى كان مستقل أو خدمي أو حكومي.”

“تحتاج الجريدة إلى وجودة مساحة بينها وبين وزارة الثقافة، لكي تكون أكثر حيادية وأكثر مصداقية، ولكي تكون إجابة السؤال واضحة: هل هذه جريدة وزارة الثقافة أم جريدة المثقفين.” يقول سيد محمود، رئيس التحرير الجديد لـجريدة “القاهرة” الثقافية الأسبوعية التي تصدر عن وزارة الثقافة لــ”مراسلون”، ملخصًا واحدة من أكبر الأزمات التي تواجه الإصدارات الثقافية. ويضيف: “انتهت صحافة تلميع مسئول الوزارة. ما يهمنا بالفعل هو إنتاج الثقافة على أي مستوى كان مستقل أو خدمي أو حكومي.”

لا تنفصل أزمة المجلات الثقافية عن أزمة الصحافة ككل في مصر، مشاكل في التمويل والتوزيع مع قلة عدد القراء الذي يتراجع أمام انتشار مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الخبرية على شبكة الانترنت، فضلا عن مناخ عام تُفرض فيه الوصاية الآن على الصحف بحجة الوازع الوطني، خاصة بعد بيان رؤساء الصحف القومية والخاصة الأخير الرافض لـ “محاولات التشكيك في مؤسسات الدولة، والتطاول عليها”. بالإضافة إلى أن غالبية المجلات الثقافية في مصر تابعة لجهات حكومية تتولى وضع سياستها التحريرية وتوجهها كيفما تشاء.   

“الجريدة تخاطب فئة هي في الأصل فئة واعية لها آرائها الخاصة. ولايمكنني أن أرتكب جريمة توجيهها أو تضليلها. إن طموحي الحقيقي هو صداقة القارئ والحوار معه.”يقول سيد محمود  ويضيف “من الوارد أن يكون لدينا في جريدة “القاهرة” وفي جرائد ثقافية أخرى مثل “أخبار الأدب” مفهومنا الخاص والمغاير لما هو وطني. نحن خارج مضمار الصحف اليومية الأخرى.”

صعود وهبوط المجلات الثقافية

منذ مطلع ستينيات القرن الماضي، والإصدارات الثقافية تلعب دورًا إقليميًا ملحوظًا.  وقتها كانت القاهرة مزار المثقفين العرب، وكان المشهد الثقافي العربي غنيا ووثيق الصلة بالمشهد السياسي حين كان معرض القاهرة الدولي للكتاب كرنفالًا سنويا يأتيه الكتاب  والشعراء العرب لإنشاد أناشيد القومية العربية. ساعتها كانت المجلات الثقافية المصرية التي تصدرها الدولة في مقدمة المشهد الثقافي العربي عامة وإلى جوارها بعض المجلات التي تصدر من دول عربية أخرى. ولا يوجد مثقف عربى بارز إلا وتحدث فى سيرته الذاتية عما قامت به مجلات ثقافية مصرية كــ “الرسالة” أو “الهلال” أو “الكاتب المصري” من دور فى حياته ونشأته وتثقيفه. لكن هذا الدور تراجع في النصف الأخير من السبعينيات عندما أوقف يوسف السباعى وزير الثقافة في عهد السادات مجلات مثل “الكاتب” و”الطليعة” و”الفكر المعاصر” و”المجلة” وغيرها من الإصدارات الأخرى، عندما تعالت بين كُتابها أراء معارضة لعملية السلام مع اسرائيل.

إلا أن تسعينيات نفس القرن شهدت عودة لصناعة المجلات الثقافية في مصر خاصة مع ظهور جريدة “أخبار الأدب” الصادرة عن “أخبار اليوم” -إحدى المؤسسات القومية المصرية- وتحول مجلة “القاهرة” لجريدة. ولم يكن ذلك مقصورا على القطاع الحكومى فقط بل صدرت مجلات ثقافية خاصة كان لها تأثير لدى المثقفين العرب. إلا أن المحسوبية والشللية علاوة على قلة الموارد أصبت غالبيتها بالركود وانحصار دائرة تأثيرها.

بعد الثورة، بدت واضحة نية الهيئة المصرية العامة للكتاب صاحبة النصيب الأكبر في إصدار المجلات الثقافية في تطوير إصداراتها بعد سنوات الركود من خلال إركان مهمة تطويرها لكتاب جادين وشباب. تطورت مجلة “فصول” بعد تولى الدكتور محمد بدوى مسئوليتها، وأصدرت عددين مميزيين عن الثورة المصرية من منظور ثقافى. واُعيد إصدار مجلة “المجلة” وصدرت “وصلة”مجلة جديدة للشباب. وبدأت مجلة “الثقافة الجديدة” في التطور مع تولى الروائى حمدى أبوجليل مسئوليتها. كذلك استعان الروائي الكبير المنسي قنديل المُعين مؤخرًا لرئاسة تحرير مجلة “إبداع” بالروائي الشاب طارق إمام في إدارة التحرير.  وعُين الصحفي والكاتب محمد شعير، رئيسًا لتحرير مجلة “عالم الكتاب”.

قيادات جديدة

“سقف توقعاتي ليس عاليًا. ولدي مخاوف تشبه مخاوفي من أشياء كثيرة. لكنني أطمح في تقديم مجلة تحترم قارئها وتعبر عن الواقع” يقول شعير لــــ “مراسلون”. تعنى “عالم الكتاب” بكل ما يخص الكتاب، من عروض كتب، وإشكاليات الطبع وتقديم الكتب القديمة والحديثة من مختلف الثقافات للقارئ العربي. وهي بحسب شعير  صحافة متخصصة تشبه “ملعب الكرة الصغير” مقارنة بالجرائد الكبيرة “الملاعب الكبيرة”. يقول شعير :”نحن نحاول سد ثغرات في الصحافة اليومية التي أغفلت نصيب الصحافة الثقافية”.   

وتمهيدًا لرسم خطة عمل جديدة للمجلة قام شعير بعمل مسح لاستطلاع توقعات المثقفين من المجلة. وتباينت النتائج بين مجموعة راغبة في تغطية لأخبار الكتب من الثقافات الأجنبية بنسبة ٨٠٪ إلى ٢٠٪ للكتب العربية ومجموعة ثانية ترغب في ٤٠٪ عن الكتب الأجنبية و ٦٠٪ عن العربية. “سنعمل على تقديم هامش الثقافة المركزية السائدة في أمريكا واوروبا. والثقافات البعيدة كثقافة آسيا وشرق اوروبا. كما سنقوم برحلة فيما تقدمه دور النشر المصرية والعربية. وسيكون هناك تنوع ثقافي من العلوم الإنسانية وليس الآداب فقط.” يقول شعير .

من أعرق المجلات الثقافية المصرية وأقدمها حيث تأسست عام ١٨٩٢ على يد الكاتب الروائي جورجي زيدان ومازالت تواصل الظهور حتى الآن، مجلة الهلال التي رآس تحريرها مؤخرًا الروائي سعد القرش. “أعمل على أن تعود المجلة لحيويتها التي كانت تميزها في السابق.” يقول القرش لـــــ”مراسلون” ويضيف:  “أن تصبح سجلًا للثقافة والفنون بمعناها الأشمل وليس فقط الانتاج والنقد الأدبي، سجلًا يرصد اللحظة الثقافية ويشتبك معها.”   

تحديات

لكن الطريق ليس مفروشًا بالورود أمام القرش. فالمجلة – بحسب قوله- تعاني من انحصار دوائر توزيعها لانكماش الدور الثقافي للدولة المصرية. “الدولة غير موجودة ونحن نحاول استردادها من خلال الإصدارات الثقافية.” يقول القرش ويضيف: “نحن نعمل في ظروف قاسية. بين مثقف يجد صعوبة في الحصول على المجلة وكاتب لا تصله حتى نسخة العدد الذي كتب فيه.”

ليس القرش وحده من يعاني. “هناك مشاكل لها علاقة بالبنية التحتية للجريدة وهي الميزانية والهيكل التحريري.” يقول سيد محمود ويستكمل: “في السابق كانت الجريدة تعتمد على مساهمات كُتاب المقال، مع غياب كافة أشكال الخدمات الصحفية من حوار وتحقيق.” ولإعادة الهيكل التحريري الصحفي في ظل التنافسية الموجودة بين الجرائد، خاصة وأنها جريدة ثقافية، تحتاج “القاهرة” -بحسب محمود- إلى كافة الخدمات الصحفية الأخرى، بالإضافة إلى ترجمات ونصوص إبداعية. يقول سيد محمود “وكل هذا يحتاج إلى ميزانية، ومحرريين ثقافيين، مع العلم أن المحرر الثقافي عملة نادرة، لكننا مع ذلك نعمل على مواكبة الحدث وبخاصة في الصفحة الأولى مع إعطاء الأولوية للخبر والسبق الصحفي.”

أما شعير الذي يستعد لصدور العدد الأول من مجلة “عالم الكتاب” وهي تحت رئاسته مع مطلع العام القادم، ولا يجد غضاضة في نشر عرض  لكتاب ينتقد سياسات وزارة الثقافة، فلا يخشى إلا من عدم انتظام صدور المجلة لمشكلة في المطبعة أو في هيئة التحرير.