“أولا: احضر راديو صغير معك في الغرفة/ افتح الراديو على موجة fm/ اضبطه على تردد 19.21 لأن هذا التردد يكشف اقرب جهاز تسجيل لديك/ ابق الجهاز في يدك ولف حول الغرفة/ إذا كان هناك جهاز تسجيل في الغرفة فإنك ستلاحظ تشويشا”.
“أولا: احضر راديو صغير معك في الغرفة/ افتح الراديو على موجة fm/ اضبطه على تردد 19.21 لأن هذا التردد يكشف اقرب جهاز تسجيل لديك/ ابق الجهاز في يدك ولف حول الغرفة/ إذا كان هناك جهاز تسجيل في الغرفة فإنك ستلاحظ تشويشا”.
تلك واحدة من توجيهات تنتشر عبر الانترنت، لإرشاد المستخدمين- كما هو واضح- إلى تفادي التجسس عليهم، خاصة إذا ما اضطروا للمبيت في غرفة فندق أو منزل مضيف. بالطبع، لا يمكن التأكد بسهولة من مدى دقة مثل تلك التوجيهات، لا لأنها غير مراجعة علميا فحسب، بل لأنها تعالج أمرا مراوغا بطبعه، وهو أساس عمليات التجسس في العصر الحديث، و شائع الاستخدام حتى بين الأزواج المتشككين والتجار المتنافسين، ألا وهو أجهزة التنصّت.
وللتنصّت في اللغة العربية معنيان، الأول هو تصنّع الإنصات، أي أن يدّعي الشخص أنه يُنصت إليك بينما هو شارد في شيء آخر. أما المعنى الثاني –الأشهر- للتنصت، أي التجسّس و التسمّع والتلصصّ، فهو القضية التي شغلت المصريين على وجه الخصوص في الأشهر الأخيرة، بعدما شاع تداول وتسريب مكالمات هاتفية، تم تسجيلها للعديد من النشطاء السياسيين، لعل آخرها نشر وسائل إعلامية مكالمات مسجلة لأحمد ماهر مؤسس حركة 6 أبريل الشهر الماضي.
وإذ رأى البعض أن تسجيل تلك المكالمات لعدد من نشطاء ثورة يناير، في الأسابيع الأولى بعد الثورة، يدل على قوة ومهارة الأجهزة الأمنية التي تعادي هؤلاء النشطاء، إلا أن السبب الذي ربما كان الأقرب للصحة، هو نمط تطور أجهزة التنصت في العصر الحديث، الذي ينقسم بوضوح إلى قسمين: قسم ما قبل الهاتف المحمول، وما بعد الهاتف المحمول.
لقد كان التنصت وتسجيل المكالمات أمرا مخابراتيا معقدا بامتياز لعصور طويلة، ولا يختلف الأمر في مصر عن غيرها، إذ كانت مسلسلات الدراما الجاسوسية تستعرض للجمهور الإجراءات المعقدة لزرع أجهزة التنصت، والتدريب المكثف عليها، وفيما بعد، مع تطور أجهزة التنصت كجزء من تطور التكنولوجيا، صارت الصحف تنشر بشكل متكرر أخبار ضبط السلطات لكميات من أجهزة التنصت (مع صواعق كهربية ومنشطات جنسية وغيرها من المواد المهربة)، وصارت سوق الانترنت السوداء تعرض إعلانات لأجهزة تنصت متوفرة بأعداد محدودة ودعاية على غرار (أخطر جهاز في العالم/ يمكنك من التنصت على جميع الشبكات المحمولة واللاسلكية في مجال 20 كيلومتر)، ويتم عرض الجهاز مع مستلزماته من “شاحن” وبطاريات وغيرها، كأنه جهاز راديو أو هاتف عادي.
لكن كل هذه المستلزمات، مع دعاياتها، لا تلغي حقيقة أن مثل تلك الأجهزة صارت في أغلبها رخيصة الثمن نسبيا، تتراوح بين عشرات ومئات قليلة من الدولارات، ولم يعد لجهاز التنصت نفس مهابته القديمة، ولا ندرته المكلفة، بعد التحول الجذري في عالم التنصت، حين صار يمكن تحويل الهاتف المحمول نفسه، إلى جهاز تنصّت على صاحبه، دون الحاجة إلى زرع أي أجهزة.
وتلزم القوانين عادة، شركات الهاتف المحمول، بالتعاون مع السلطات، في شروط معينة، للتجسس على العملاء. لقد سهّل ذلك مهمة التجسس الأمني/ الرسمي بما لا يقاس، فمن خلال “خطّ العميل sim card”، يمكن للشركة بسهولة كبيرة أن توفر التتبع والتجسس على مكالمته بوضوح شديد عبر شبكاتها، بل يمكن توجيه الجهاز ليسجّل المكالمات، فضلا عن معرفة المكان الذي يقيم أو يجلس فيه الشخص الذي يتم التجسس عليه. باختصار، يتحول جهاز الهاتف المحمول إلى جاسوس صغير، يدلي بكل شيء عن كل ما يحيط به من ناس وإحداثيات، فضلا عن جمع البيانات المسجلة على الهاتف نفسه، من مكالمات ورسائل وصور وغيرها.
والأهم، أن الهاتف المحمول، قد “أراح” المتنصّتين، من كلا العمليتين الملزمتين في الماضي، وهما: تكليف أحد طرفي المحادثة بالتسجيل للآخر، أو تكليف طرف ثالث بالتنصت على الاثنين المتحدثين، فقد صار المحمول هو نفسه الطرف الثالث، المتنصت، الجاسوس الذي اشتريته بمالك.
وقبل المحمول، وقبل برامج الكمبيوتر المخصصة للتسجيل عند اكتشاف الصوت أو للعمل تلقائيا عند بدء الاتصال، اقتصر التنصت الهاتفي على عدد محدد من الطرق هي:
لصق أداة التنصت في قاعدة الهاتف أو بالقرب منه، زرع أداة التنصت في قابس الهاتف (متصلا بالكابل) في الحائط وتحويل المكالمة إلى معدات التسجيل. وضع ميكروفون في الأذن لدى الطرف المتنصّت أو المسجّل، وهي كانت الطريقة الأفضل كي لا تتفاوت درجة الصوت ما بين طرفي المكالمة، وأخيرا الطريقة الأقل جودة والأكثر بدائية، وهي وضع ميكروفون عادي وجهاز تسجيل في المكان نفسه.
لقد صارت تلك الوسائل بالطبع من الماضي، أولا مع تطوّر الأقمار الصناعية، ثم الأجيال الجديدة من الهواتف المحمولة المدمج بها برامج الحاسوب، وهيمنة العالم الافتراضي الذي صارت بيانات البشر وحركتهم منطبعة بالكامل عليه، فلم تعد الأجهزة الأمنية بحاجة إلى مهارات خاصة كبرى لتتتبع شخصا في الواقع أو على الانترنت.
برنامج كمبيوتر بسيط أو إجراء أبسط من شركة الهاتف يفي بالغرض، أما أجهزة التنصت الرخيصة فقد صار سوقها الأكبر هو الزيجات التي تنقصها الثقة.