يخرج الناخب من لجنته الانتخابية، يرفع إصبعه الفرح بالحبر الفوسفوري، ربما يلتقط لنفسه –وإصبعه- صورة ويضعها على فايسبوك لو كان يملك حسابا عليه. إنها بهجة التصويت الجديدة على دول الربيع العربي رغم كل الصعوبات والعثرات. ينتهي الناخب من التقاط صورته، يمسك بمنديل ليمسح الحبر الفوسفوري، لكنه لا يُمحى، يكرّر المحاولة، يغسل يده بالصابون، بعد قليل قد يجرب الكحول، بلا جدوى، يبهت الحبر ولا يزول. لا يعرف الناخب أن الحبر سيبقى أياما قد تتخطى الأسبوع وقد يبقى أثره لأسبوعين.

يخرج الناخب من لجنته الانتخابية، يرفع إصبعه الفرح بالحبر الفوسفوري، ربما يلتقط لنفسه –وإصبعه- صورة ويضعها على فايسبوك لو كان يملك حسابا عليه. إنها بهجة التصويت الجديدة على دول الربيع العربي رغم كل الصعوبات والعثرات. ينتهي الناخب من التقاط صورته، يمسك بمنديل ليمسح الحبر الفوسفوري، لكنه لا يُمحى، يكرّر المحاولة، يغسل يده بالصابون، بعد قليل قد يجرب الكحول، بلا جدوى، يبهت الحبر ولا يزول. لا يعرف الناخب أن الحبر سيبقى أياما قد تتخطى الأسبوع وقد يبقى أثره لأسبوعين. لقد التصق الحبر بخلايا  أصابعه، ولن يُمحى تماما إلا عندما تتبدل الخلايا الخارجية للجلد، لكن تلك ليست المفاجأة الوحيدة.

الفسفور” Phosphorus”، اللفظة اللاتينية التي تعني “حامل الضوء” لا تحتاج إلى تفسير، إنه ذلك العنصر الذي يتوهج في الظلام، المكتشف على يد الألماني هيننج براند في النصف الثاني من القرن السابع عشر (1669)، ليأخذ الفسفور الترتيب 15 في الجدول الذري، ويحصل على المرز الكيميائي P، لكن ما لهذا والناخب الذي يحاول بلا جدوى إزالة الحبر الفسفوري عن أصابعه؟

الواقع أن الحبر الفسفوري غير فسفوري! ولا علاقة له بالنوعين الأشهر من الفسفور المستخدمين في التصنيع، أولهما الأخطر، هو الفسفور الأبيض،  السامّ جدا والخطير، والمستخدم في فئة واسعة من المنتجات الخطيرة، من المبيدات الحشرية إلى الألعاب النارية، وصولا إلى قنابل الفسفور المحرمة دوليا.

وثانيهما الفسفور الأحمر، وهو ذاته الأبيض بعد احتراقه في درجة 250 مئوية وفي مجال مغلق.

الفسفور الأحمر، هو الأقل خطرا، يقابله أغلب الناس في البيوت، عبر رؤوس أعواد الكبريت، كان الأبيض الخطير هو المستخدم أولا، مسببا الكثير من الإصابات والألم، إلى أن اقترح السويدي غوستاف باش (1788- 1862) استخدام الفسفور الأحمر، لكن أعواد الثقاب كانت تشتعل لاحتكاكها بعضها البعض، وفي 1859، تم فصل تلك المواد لصناعة “كبريت الأمان”، فصار الفسفور الأحمر يشكل العنصر الأساسي في المادة على حافة علبة الثقاب (ومواد كربون أسود ومسحوق زجاجي)، بينما يتكون رأس عود الثقاب بالأساس من كلورات البوتاسيوم والنشا والكبريت، ومع حكّ العود في العلبة يحدث الاشتعال.

لكن إصبع الناخب الفسفوري، لا يشتعل بالطبع، ذلك لأن لا شأن له بالفسفور الذي نتحدث عنه.

في الواقع، يتكون الحبر الفسفوري، من مادة صبغية، مركّزة وملوّنة حسب لون الحبر المطلوب، بالإضافة إلى مادة نترات الفضة، التي تستخدم بتركيزات ثلاثة، 10 أو 14 أو 18%، حسب المدة المطلوب أن يبقى الحبر الانتخابي فيها على الجلد. لا تحدث النترات تأثيرا ضارا بالبشرة إلا إن زاد تركيزها عن 25 %، وهي إن بقيت عدة أيام على البشرة، فقد تمتد إلى أربعة اسابيع على الأظافر، مالم يتم قصّها بالطبع.

ما علاقة ذلك إذا، الصبغة، ونترات الفضة، بالفسفور أو الحبر الفسفوري؟

العلاقة هي الفعل الكيميائي “التفسفُر” (phosphorescence) .

التفسفر هو التلألؤ، أو الإضاءة التي تحدثها بعض المواد في الظلام، أو عند التعرض للمجال الكهرومغناطيسي، أو الأشعة فوق البنفسجية.

من تلك المواد المتلألئة، البولتونيوم، والراديوم، وغاز الراديون، وقنديل البحر! ذلك الحيوان البحري الذي تتلألأ بعض بروتينات جسده في ظلام المحيط.

وكذلك، تتلألأ نترات الفضة، الموجودة في الحبر الانتخابي، أي أنها “تتفسفر”- تتوهج، فتسمى حبرا فسفوريا.

لكنها، إذ تلتصق بإصبعك، لا علاقة لها بالفسفور الأصلي، فسفور القنابل، والمبيدات، وعلب الكبريت.

الحبر على إصبعك، أقرب إلى توهج اللافتات على جانبي الطريق، والسترات المضيئة لعساكر المرور، كلها تتوهج لأنها من مواد “تتفسفر”، أي تصدر الضوء والطاقة في الظلام وتحت الأشعة، إنها، مع إصبعك الانتخابي، ليست فسفورية حقا، إنه فقط ، تشابه أسماء، وأضواء.