في آخر لحظة من الموعد المحدد، نهاية الأسبوع الماضي، ألغت وزارة الداخلية التونسية مقابلة القمة بين الترجي الرياضي التونسي والنادي الصفاقسي.
سبب الإلغاء لم يكن عاديا ولا علاقة له بروزنامة دوري كرة القدم التونسية. فقد اعلنت وزارة الداخلية أن اجراء تلك المباراة قد يمثل خطرا على أمن البلاد.
في آخر لحظة من الموعد المحدد، نهاية الأسبوع الماضي، ألغت وزارة الداخلية التونسية مقابلة القمة بين الترجي الرياضي التونسي والنادي الصفاقسي.
سبب الإلغاء لم يكن عاديا ولا علاقة له بروزنامة دوري كرة القدم التونسية. فقد اعلنت وزارة الداخلية أن اجراء تلك المباراة قد يمثل خطرا على أمن البلاد.
“نحن دائمون وانتم مؤقتون.. نحن قلعة النضال وانتم من تكونون” كان من بين عشرات الشعارات التي كان يعتزم عشاق الترجي الرياضي التونسي، أحد أعرق أندية كرة القدم رفعها خلال هذا اللقاء احتجاجا على ما ورد بالكتاب الأسود الذي أصدره رئيس الجمهورية منصف المرزوقي والذي اتهم فيه هذا الفريق بنيل ألقاب عديدة بدعم من أصهار الرئيس السابق بن علي.
مشجعو الفريق أعدوا “دخلة” (أهازيج وأغاني وشعارات قبل انطلاق المباراة) رصدت لها آلاف الدنانير وكانت في مجملها شعارات ساخرة من الرئيس المؤقت المرزوقي الذي لم يتوان حسب رأيهم عن زجّ اسم الترجّي الرياضي في كتابه الأسود. فالكتاب الذي أثير حوله جدل في اوساط السياسيين والإعلاميين كان مادة لتهكم فريق الترجي الذي وضعه الكتاب في خانة الفاسدين والمتعاملين مع نظام الاستبداد البائد بتعلّة أن رئيس الترجي السابق سليم شيبوب كان صهر زين العابدين بن علي.
واعتبرت جماهير الترجي هذه الاتهامات إساءة واستهدافا مباشرا لجمعيتهم، وكتب المشجعون شعارات تقول إن الاقتصار على إدراج اسم جمعية الترجي بمفردها في الكتاب هو “مؤامرة محبوكة” لإرباك النادي.
ولتفادي حصول مواجهات عنيفة مجهولة العواقب، ارتأت وزارة الداخلية تأجيل المباراة مما زاد من احتقان المشجعين الذين توعّدوا الحكومة رافعين شعار “الكتاب الأسود أوقف البطولة، والكرة ستوقف الحكومة”.
ليست المرة الأولى
عن هذه الحادثة يقول مجدي الخليفي الكاتب العام للنادي الإفريقي، الخصم التاريخي للترجي الرياضي، إن “الابتعاد عن تسييس الرياضة أمر لا بد منه اليوم”.
ومن جهتها، قالت جمعية الترجي في بيان صادر عن هيئتها المديرة أنها “مازالت تحافظ على مبادئها وهي الفصل بين الرياضة والسياسة”، داعية من أراد الانخراط في العمل السياسي “ليكن ذلك خارج أسوار حديقتها لأن دمج الاثنين يعد أمرا خطيرا”.
وفيما يخص ما صدر عن كتاب المرزوقي قال الناطق الرسمي باسم الفريق عبد الستار مبخوت “الكتاب الأسود للمرزوقي لعبة سياسية بامتياز لا تعني الترجي في شيء ولكنني استغرب حشر اسم فريقنا فيه”.
ولكنه اعترف في المقابل بان ناديه ساند النظام السابق ككل الفرق وقتها ولكن الاقتصار في الكتاب على ذكره فقط، استفز الهيئة والجماهير على حد سواء وأرسل إشارات بأن ما حدث ينم عن نية مبيتة.
واعتبر أن ما جاء في الكتاب الأسود يعتبر تشهيرا وثلبا لفريق “أجبر ككل الفرق على مناشدة بن علي”.
وأضاف عبد الستار أن هناك شعور عميق بالألم لدى أحباء الترجي نظرا لاختزال مسيرة فريق عمره يقارب المائة سنة (1919) في فترة رئاسة صهر بن علي (سليم شيبوب) له في حين أن تاريخه زاخر بالألقاب قبل وبعد الثورة.
وعلمت “مراسلون” أن اسم المرزوقي كان حاضرا في كل الشعارات التي كان من المفترض أن تزين مدارج ملعب رادس الأحد الماضي الموافق لـ 8 كانون اول/ ديسمبر كما علمت أن تلك الشعارات تضمنت صورة لحمار يحمل وجه المرزوقي الذي يرتدي نظاراته القديمة ويمتطيه شعار الترجي ممسكا بصنارة تتدلى منها قنينة خمر، إلا أنها لم تر النور بسبب تدخل وزارة الداخلية التي أجلت المواجهة.
وفي هذا الإطار علّق محمد علي النابلي احد أحباء الترجي قائلا: “نحن لسنا ضد فكرة المحاسبة ونشر قائمة كل من قام بأعمال مشبوهة وأساء إلى بلادنا في فترة بن علي، ولكن الاقتصار على ذكر نادينا أشعرنا بالحزن ولم نكن لنشعر بذلك لو ذكر اسم الرئيس السابق للترجي سليم شيبوب لا كل النادي، لأن الجميع يعلم انه قام بتجاوزات متحصّنا بفريقنا”.
ويرى هذا المشجع أن “رئاسة الجمهورية لطخت اسم نادينا ومنعتنا من ممارسة حقنا في التعبير ولن تخيفنا بقراراتها هذه فنحن لا نخشى شيئا وسنواصل الدفاع اليوم سلميا”.
“الاعتذار لا يكفي”
بعد حالة الاحتقان التي طغت على جماهير الفريق في مختلف الجهات والتهديد بالتصعيد لرد كرامة ناديهم، قلل الناطق الرسمي لرئاسة الجمهورية عدنان منصر من قيمة الحدث وقال “الكتاب تحدث عن فترة رئاسة صهر بن علي للترجي الرياضي والتي امتدت على 15 سنة وشهدت تجاوزات”. وأضاف أن الكتاب لم يشكك “في عراقة النادي ولا في تاريخه الطويل، الذي يزخر بالانجازات والألقاب المحلية والقارية وساهم في إعلاء الراية التونسية”.
لكن هذا التبرير لم يجد صداه لدى جماهير النادي التي اتخذت من المواقع الاجتماعية وسيلة للتعليق على هذا الحدث. وإذ عالج البعض المسألة بجدية، اتخذت الأغلبية السخرية وسيلة لإحراج رئيس الجمهورية.
وتجدر الإشارة الى أن الترجي الرياضي التونسي هو أحد أعرق الأندية التونسية، يعود تأسيسه الى مطلع القرن الماضي (1919) وقد تداول على رئاسته عدد كبير من الشخصيات السياسية الهامة في تونس.
وفي السبعينات اتخذت الحكومة آنذاك قرار بحل النادي بعد حرق الجماهير لملعب رياضي، لكنها سرعان ما تراجعت عن القرار تحت ضغط الجمهور.