تفيد تسريبات من كواليس الحوار الوطني في تونس بأن نتيجته (التي نسفت في آخر لحظة) حسمت في الكواليس، حيث أن أغلب الذين جلسوا إلى طاولة الحوار أجمعوا على اختيار عبد الكريم الزبيدي لتشكيل الحكومة، وهو الطبيب الذي سبق أن تولى حقيبة الدفاع في حكومتي الباجي القائد السبسي وحمادي الجبالي.

تفيد تسريبات من كواليس الحوار الوطني في تونس بأن نتيجته (التي نسفت في آخر لحظة) حسمت في الكواليس، حيث أن أغلب الذين جلسوا إلى طاولة الحوار أجمعوا على اختيار عبد الكريم الزبيدي لتشكيل الحكومة، وهو الطبيب الذي سبق أن تولى حقيبة الدفاع في حكومتي الباجي القائد السبسي وحمادي الجبالي.

غير أن القرار النهائي جاء من قصر قرطاج، بعد أن أعلنت حركة النهضة رفض رئيس الجمهورية المؤقت محمد المنصف المرزوقي تعيين “عبد الكريم الزبيدي” على رأس الحكومة. على إثرها أعلن حسين العباسي، الأمين العام لاتحاد الشغل، أن المنظمات الأربعة الراعية للحوار قررت  تعليقه، وأنها غير مسؤولة عما قد يحدث بعد اتخاذ هذا القرار. وأنه “لا معنى للحوار إذا غاب الالتزام عن بعض الأحزاب داخل المجلس التأسيسي”، حسب قوله.

لكن رد رئيس الجمهورية المؤقت جاء بعكس ما ادعته حركة النهضة، فقد فنّد بيان صادر عن رئاسة الجمهورية المزاعم التي حملت رئاسة الجمهورية مسؤولية رفض المرشح الذي حظي بأكبر قدر من التوافق.

وأكدت رئاسة الجمهورية أن المرزوقي لم يرفض مرشحاً بعينه، وأن هذه المزاعم استعملت في الحوار للتأثير على موقف بعض الأطراف المشاركة فيه. وشددت على أنه لم تجر أية اتصالات في هذا المعنى مع رئيس الجمهورية من أي جهة، ولم تتم استشارته حول أي شخصية.

الفشل يكشف الحقيقة

فشل الحوار الوطني كشف أن الأحزاب لم تكن تبحث فعلاً عن توافق حقيقي بقدر ما كانت تبحث عن الشخصية التي تؤمن استمراريتها في الحكم، وهو ما يفسر إصرار حركة النهضة على ترشيح الوزير السابق في عهد بورقيبة أحمد المستيري (88 عاماً) رغم الانتقادات الكثيرة التي وجهت لهذا المرشح بحكم عاملي السن وقربه من حزب حركة النهضة الإسلامية.

واعتبر راشد الغنوشي أن المستيري “أبو الديمقراطية في تونس”، وأنه “مستقيم الأخلاق ومعتدل”. وقال إنه لم يجد مبرراً لرفضه من طرف المعارضة.

وفسر الغنوشي هذا الرفض “ربما لأن المستيري شخصية مستقلة إلى حد العناد، ولا يخضع لأحد”، مشدداً على أن “الترويكا” الحاكمة لن تسلّم الأمانة إلاّ لشخصية مستقلة.
وقد تكون حركة النهضة استمدت كذلك تمسكها بأحمد المستيري من دعم حزب الجمهوري (المحسوب على المعارضة) لهذه الشخصية، حيث اعتبر نجيب الشابي، رئيس الهيئة السياسية للجمهوري، أن حزبه ﻓﺗﺢ ﻣﺗﻧﻔﺳﺎً ﻟﺣﺭﻛﺔ ﺍﻟﻧﻬﺿﺔ ﻣﻥ ﺧﻼﻝ ﺩﻋﻡ ﻣﻘﺗﺭﺣﻬﺎ، وأن ﺍﻻﺧﺗﻼﻑ ﺍﻟﻘﺎﺋﻡ ﻳﻌﻭﺩ ﺇﻟﻰ ﺃﻥّ ﺍﻟﻣﻌﺎﺭﺿﺔ ﺗﺭﻳﺩ ﺃﻥ ﺗﻁﻣﺋﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺳﻳﺭ ﻧﺣﻭ ﺍﻧﺗﺧﺎﺑﺎﺕ ﻧﺯﻳﻬﺔ ﻣﻊ ﺗﺣﻳﻳﺩ ﺍﻹﺩﺍﺭﺓ، ﻭﺍﻟﺷﻌﻭﺭ باﻧﺗﻘﺎﻝ ﺍﻟﺳﻠﻁﺔ ﻓﻲ ﺇﻁﺎﺭ ﺍﻟﺗﻭﺍﻓﻕ ﺇﻟﻰ ﺃﻳﺎﺩ ﻣﺳﺗﻘﻠﺔ ﺧﻭﻓﺎً ﻣﻥ ﺳﻭء ﺍﺳﺗﺧﺩﺍﻡ ﺍﻟﺳﻠﻁﺔ.

واعتبر الشابي ﺃﻥّ “ﺑﺣﺙ ﺍﻟﻁﺭﻑ ﺍﻟﺣﺎﻛﻡ ﻋﻥ ﺍﻟﺿﻣﺎﻧﺎﺕ ﺣﺗﻰ ﻻ ﻳحدث سوء استخدام للسلطة ﺃﻣﺭ ﻣﺷﺭﻭﻉ، ﻷﻥّ ﺍﻷﺟﻭﺍء ﻣﺷﺣﻭﻧﺔ ﻭﺍﻻﺗﻬﺎﻣﺎﺕ ﻣﺗﺑﺎﺩﻟﺔ، وﺃﻥّ ﺍﻟﺭﻓﺽ ﺍﻟﻘﻁﻌﻲ لشخصية المستيري ﻻ ﻳﺳﺎﻋﺩ ﻋﻠﻰ ﺇﻳﺟﺎﺩ ﺍﻟﺣﻝّ.”

ويواجه الشابي اتهامات بالبحث عن منصب سيادي بحكم علاقة القرابة التي تربطه بالمرشح (المستيري).

وقبل مغادرته قاعة الاجتماعات بعد أكثر من 11 ساعة اتهم الباجي قائد السبسي (رئيس الحكومة التونسية الأسبق ورئيس حزب نداء تونس) حركة النهضة بنسف الحوار، قائلاً بصريح العبارة إن “هناك محاولة لنسف الحوار، ويسمى هذا انقلاب على الحوار.”

وأوضح الباجي أنه ليس لديه أي تحفظ فيما يتعلق بترشيح المناضل الوطني أحمد المستيري “صاحب التاريخ النضالي الكبير ليقود الحكومة خلال المرحلة المقبلة”، حسب تعبيره.

النهضة عكس التيار

لكن ثمة أغلبية، حسب الباجي، لم تسر في اتجاه ترشيحه، ولأن منطق الحوار يرتكز على التوافق فلابد من البحث عن حل وسط.

كما اعتبر الباجي أن النهضة “تسير عكس التيار ولا تريد الوصول إلى حلول لإنجاح الحوار، وهذا غير مقبول”، فهي حسب اعتقاده تريد فقط أن تكون صاحبة الكلمة العليا في عملية اختيار رئيس الحكومة، وتريد أن تعطي لنفسها حق الاختيار منفردة.

ويرى السبسي أنه على هذا الأساس الاختياري أو الاحتكاري فلا معنى للمضي باتجاه الحوار التوافقي، لأن الحكومة تريد أن تبقى في السلطة على عكس الإرادة الشعبية، مضيفاً أن “هؤلاء الذين يحكمون البلاد لا يريدون التنازل عن السلطة رغم فشلهم.”

ويرى مراقبون أن “الترويكا” نجحت في المناورة السياسية، فجلبت الحزب الجمهوري إلى صفها وقصمت ظهر جبهة الإنقاذ المعارضة، كما غيرت النظام الداخلي للمجلس، وأفشلت ما يمكن للمعارضة القيام به من تعطيلات في عمل المجلس التأسيسي.

أما الرباعي الراعي للحوار (منظمة رجال الأعمال واتحاد الشغل ورابطة حقوق الإنسان وهيئة المحامين) فقد عاين التجاذبات السياسية بين الأحزاب، حتى أن وداد بوشماوي، رئيسة اتحاد الأعراف (رجال الأعمال)، قالت بكل وضوح إن السياسيين خيبوا آمال الشعب التونسي وأن البلاد في خطر.
وصرح مسؤولون أن المنظمات الراعية للحوار “رفضت العديد من الصفقات التي حاول البعض القيام بها وفق أجندات خاصة”. وفي هذا الصدد عبّر عدد هام من النقابيين من الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة وكذلك لدى هيئة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، عن استيائهم الشديد تجاه طغيان الحسابات السياسية على حساب مصلحة ومصير البلاد، وهو ما ولد حالة من القنوط واليأس من الوصول إلى وفاق خالٍ من الحسابات الحزبية الضيقة.