الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية دفعت 40% من تلاميذ مدرسة ابو الحسن الشاذلي جنوب مرسى علم بمحافظة البحر الأحمر (تقريبا 700 كلم جنوب شرق القاهرة) إلى ترك الدراسة والخروج الى الجبال للتنقيب عن الذهب لتحسين أوضاعهم المعيشية غير عابئين باهمية التعليم لبناء مستقبلهم.
المنقبون عن الذهب
الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية دفعت 40% من تلاميذ مدرسة ابو الحسن الشاذلي جنوب مرسى علم بمحافظة البحر الأحمر (تقريبا 700 كلم جنوب شرق القاهرة) إلى ترك الدراسة والخروج الى الجبال للتنقيب عن الذهب لتحسين أوضاعهم المعيشية غير عابئين باهمية التعليم لبناء مستقبلهم.
المنقبون عن الذهب
مدرسة ابو الحسن الشاذلي “ابتدائية واعدادية” على بعد 150 كيلو جنوب مدينة مرسى علم فى منطقة جبلية بعيدة عن مظاهر الحياة المدنية ومحرومة من الخدمات التي تحظى بها أي قرية أو مدينة، ويسكنها البدو والعرب اللذين لا يعرفون الا مهنة الرعي. وفي الآونة الأخيرة انتشرت ظاهرة التنقيب عن الذهب في الجبال والوديان، بسبب وفرة المعدن النفيس في جبال المنطقة وسهولة استخراج خام الذهب. وانصرف الرعاة عن مهنتهم الرئيسية وتوجهوا للبحث عن الذهب لتحسين احولهم المعيشية المعدومة.
الباحثون عن الذهب يحتاجون خلال رحلتهم إلى صبية لمساعدتهم واحضار المياه والطعام، مما جعل أولياء الأمور يستعينون بأبنائهم فى هذه الرحلة الشاقة، والبعض الأخر يستعين بأطفال بالأجر لاصطحابهم خلال رحلتهم فى الجبال بحثا عن الذهب.
المدرسة التي تقع بجوار مسجد ابو الحسن الشاذلي وتحيطها الجبال من جميع الاتجاهات وهى عبارة عن طابقين الطابق الاول لتلاميذ المرحلة الأساسية والطابق الثاني للمرحلة الإعدادية إجمالي عدد التلاميذ فى المرحلتين 250 تلميذ وتلميذة وتفتقر المدرسة لكل مقومات العملية التعليمية من أهمها السور فضلا عن باقي الخدمات.
بداية يقول نجيب سلامة مدير المدرسة إن نسبة 40% من تلاميذ المدرسة تغيبوا منذ بداية العام الدراسي. مضيفا “أولياء أمور التلاميذ يصطحبونهم معهم في رحلات البحث والتنقيب عن الذهب بالصحراء الشرقية، أو تأجرهم عصابات التنقيب عن الذهب غير الشرعية. لذلك فإن ظاهرة التسرب من التعليم فى تزايد مستمر ما يهدد بعدم وجود تلاميذ بالمدرسة خلال السنوات القادمة، خاصة وأن عددا كبيرا من أولياء الأمور بدأ يضعف أمام ما يحصل عليه هؤلاء الأطفال والشباب من مقابل مادى خلال عملهم فى البحث عن الذهب”.
من أجل حفنة من الجرامات
وقال مدير المدرسة إن بعض التلاميذ المتسربين للبحث عن الذهب يأتون بعد انتهاء رحلتهم وبحوزتهم مبالغ مالية كبيرة تصل إلى 200 جنيه بحوزة كل تلميذ حصيلة عملهم فى التنقيب عن الذهب خلال رحلة لمدة يومين. ويُعتبر ذلك مبلغ كبير لتلميذ فى المرحلة الابتدائية أو طالب فى المرحلة الاعدادية وذلك الوضع يشجع باقي التلاميذ على الغياب والتسرب من التعليم للحصول على الأموال، حسب قول نجيب سلامة.
لكن ماذا يقول أولياء أمور التلاميذ المتسربين؟ للأسف رفض معظمهم التحدث فى هذا الشان كما رفض عدد كبير من التلاميذ توضيح اسباب تسربهم من المدرسة بناء على تعليمات اولياء امورهم. لكن أحد أولياء الأمور (س. م.) تحدث إلينا رافضا الاشارة الى إسمه خوفا من المساءلة القانونية، تحدث إلينا قائلا “نحن نخرج للنقيب عن الذهب فى الجبال والصحارى فى المناطق التي يوجد بها معادن في باطن الارض لتحسين أحوالنا المعيشية. فالمعدن متوفر في صحراء مرسى على وصولا إلى الشلاتين”.
وأضاف أن رحلة التنقيب عن الذهب رحلة شاقة في أحضان الجبال وتستغرق من يومين إلى 5 ايام لتفقد المناطق أولا وفي حالة العثور على خام الذهب تتم عمليه التنقيب باستخدام اجهزة للكشف عن المعادن. وأوضح أنه يحتاج في هذه الرحلة مساعد له، لذلك فإنه يستعين بانبه لأنه “ستر وغطا على”، إضافة إلى سهولة تقسيم الفائدة المادية في حالة استخراج الذهب بين الأب وابنه.
وقال س. م. “ليست كل الرحلات ناجحة فى الحصول على الذهب. لكن في بعض الأحيان يثمر البحث عن العثور على جرامات الذهب نقوم باستخلاصها من الصخور وبيعها ونجنى من ورائها بعض المال”. يذكر أن سعر وقية الذهب (31،1 جرام) يصل في مصر 1335 دولار.
“أستطيع الإنفاق على مصاريفي”
ظاهرة تسرب التلاميذ ليست جديدة، ولكنها أخذت بعدا جديدا يثير قلق القائمين المسؤولين، خوفا من انتقاله إلى مدارس أخرى في المنطقة. فطالب اللواء أحمد عبد الله محافظ البحر الأحمر أولياء أمور الطلاب المتسربين من التعليم بإعادتهم إلى التعليم ووعدهم بإنشاء مدرسة ثانوية في القرية في حالة تركهم التنقيب عن الذهب وعودتهم إلى مدارسهم . ووجه المحافظ رسالة إلى أهالي أبو الحسن الشاذلي جاء فيها “أنتم تضيعون مستقبل أولادكم بأيديكم، أعيدوا أولادكم إلى المدارس لكي يصبح لهم مستقبل وكيان”.
ويقول مدرس فى المدرسة رفض ذكر اسمه إن نسبة تسرب التلاميذ من المدرسة للبحث عن الذهب فى ارتفاع مستمر، وأضاف أن التلاميذ الذين يعملون فى البحث عن الذهب يأتون إلى المدرسة ومعهم أموالا كثيرة تغرى باقي زملائهم مما يدفعهم للتسرب والعمل معهم فى التنقيب عن الذهب.
التلاميذ يتأرجحون بين تلبية طلب آبائهم على مضض وبين بريق الذهب، فيقول التلميذ م. ج. من مدرسة أبو الحسن الشاذلي إنه يضطر للذهاب مع والده فى رحلات البحث عن الذهب فى الجبال والصحارى للحصول على المال وتوفير حياة كريمة وشراء كل ما يحتاجه. في حين يقول التلميذ ع. ا. من المدرسة نفسها إن “التنقيب عن الذهب يرد دخلا، واستطيع ان انفق على مصاريفي المدرسية”، مضيفا أن غياب أسبوع من المدرسة ثم العودة اليها لا يضر في شئ، من وجهة نظره.
جبال البحر الاحمر منجم للذهب
وعُرفت جبال البحر الاحمر بمخزونها الكبير لهذا المعادن. حيث يقع في المحافظة أكبر منجم للذهب في مصر وهو منجم السكري الشهير. ويستخدم الباحثون عن الذهب أجهزة حديثة تشبه أجهزة البحث عن الألغام، ويتراوح ثمنها بين15 ألف جنيه إلى 50 ألف جنيه (7257 دولار أمريكي) حسب حساسيتها وقدرتها علي الكشف، ويتم استيرادها من الخارج ولها أسواقها المعروفة في السودان أو في مصر. والجهاز يتكون من جهاز مسح أرضي يسهل تحريكه بواسطة ذراع طولية في الوديان أو علي الرمال أو علي الصخور.
مطالب بتقنين اوضاع الدهّابة
من ناحيتهم قرر الباحثون عن الذهب التضامن وطالبوا بتسوية أوضاعهم قانونيا، ووضع ضوابط قانونية تجاه تقنين البحث والتنقيب عن الذهب، وفقا لقول س. م. وتفيد محافظة البحر الأحمر أن هناك دراسة تتم بالتنسيق بين المحافظة وهيئة الثروة المعدنية والمساحة الجيولوجية والقوات المسلحة لبحث كيفية توفير غطاء قانوني لهذه الأعمال يفيد هؤلاء المواطنين الباحثين عن الذهب ويحميهم من الوقوع تحت طائلة القانون وتستفيد منه الدولة فى نفس الوقت. وهناك أيضا اقتراح بإنشاء بورصة فى مدينة مرسى علم لعملية شراء الذهب بشكل قانوني بعد قيام أبناء المنطقة بجمعة من الجبال.
وحتى يتم تسوية أوضاع الباحثين عن الذهب، أو “الدهابة” كما يُسمّون، ستظل نسبة التسرب من التعليم في المنطقة في ارتفاع.