يوم السبت 13 من تموز/يوليو الجاري، نشر موقع CNN العربية، تقريرا بعنوان: “صحف: “جهاد النكاح” في رابعة و”بغي” المرشد”.

يوم السبت 13 من تموز/يوليو الجاري، نشر موقع CNN العربية، تقريرا بعنوان: “صحف: “جهاد النكاح” في رابعة و”بغي” المرشد”.

الموقع الإخباري العالمي، نقل “معلوماته” عن عدة صحف عربية، تلك الصحف نقلت “معلوماتها” عن صفحات الفايسبوك، وتلك الصفحات كانت تعيد بث ما ورد على صفحة “ائتلاف شباب السلفيين المصريين”، وتلك الأخيرة ليست سوى صفحة محاكاة ساخرة “بارودي”، نشأت – ومثيلاتها- مع وصول الإسلاميين إلى حكم مصر قبل عام، ظلت خلاله –ولا زالت- تخترع أخبارا وتلصقها بالإسلاميين. هكذا، استطاعت “شائعات” من نوع “جهاد النكاح” و”بغي المرشد”، أن تصل في النهاية إلى موقع ذي مصداقية عالمية كالسي إن إن، لتصبح “خبرا”.

للشائعات تعريفات كثيرة، ربما يكون أكثرها بلاغة واختصارا “تعريف برينسون”، الذي يقول إن الشائعة هي “رسالة مُقنعة تفتقر إلى الأدلة”.

الرسالة هنا “مقنعة” لأنها تشبه عادة من تستهدفه، فشائعات “الخلوة الشرعية” تشبه الإسلاميين، وشائعات “الانحلال” تستهدف الليبراليين، وشائعات “الانشقاق” تناسب العسكريين، وهلم جرا.

كان التصور القديم يفترض أن الشائعات توجد حيث تفتقر المجتمعات إلى مصادر المعلومات، وحيث يمكن للحكومات أن تتحكم تماما في بث البروباجندا المحققة لأهدافها، عرف المصريون ذلك مع بدايات حرب النكسة 1967 مع إسرائيل، حين هلل المصريون للانتصارات الساحقة التي يبثها الراديو الرسمي، قبل أن يفيقوا على العكس تماما. وبعد 40 عاما عاش العراقيون وضعا مثيلا مع “أخبار” وزير إعلامهم الشهير سعيد الصحاف، التي بشرتهم بالانتصار على “العلوج” الأمريكان، بل استطاع الصحاف أن يخدع كثيرا من العرب المتاح لهم وسائل إعلام متعددة على عكس العراقيين آنذاك، قبل أن يفيق الجميع على الدخول الأمريكي السهل إلى بغداد، ويتضح أن ذلك الخطاب الإعلامي ليس سوى أحد أنواع الشائعات المعروف بـ “شائعات الدولة”.

لكن حتى في عصر فايسبوك وتويتر، والفضائيات المتنوعة وأجيال الهاتف الذكية، اتضح أن الغزارة الخبرية الهائلة التي تتيحها وسائل النشر المتعددة، قد أصبحت بدورها وسيلة –أسرع-  لنشر الشائعات التي تختلط بالأخبار “الحقيقية”، بل إن إعادة تدوير الخبر، الناتجة عن توفر منصة بث لدى كل مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي، بغض النظر عن مدى إلمامه بطرق التأكد من مصداقية الخبر،  قد تسبب ارتباكا معلوماتيا خطيرا، فيحدث كثيرا أن يُعاد تدوير الخبر، ونفي الخبر نفسه، لأيام طويلة.

ويشبه انتشار الشائعة إحدى الألعاب الشهيرة في السهرات الصيفية، والتي تبدأ بأن يهمس كل شخص لمن  بجواره جزءا من حكاية، على أن يكملها الآخر إلى الشخص التالي وهكذا إلى نهاية الدائرة، فتنتهي القصة بتفاصيل قد تختلف تماما عن التي بدأت بها.

تشبه اللعبة تقنية انتشار الشائعات، من خلال ما يعرف بـ “الترشيح اللغوي”، وهو تبدل تفاصيل الحكاية عبر النقل الشفاهي تأثرا بانطباعات ناقلها، يحتاج الأمر إلى عدد قليل من الأشخاص كي تتبدل تفاصيل الشائعة، وبالطبع قد تتفرع الحكاية إلى أبعاد هائلة مع متوالية انتشارها بين الملايين.

وتتنوع توصيفات الشائعات، لكنها تجمع على ازدهارها في زمن الأزمات والأحداث الكبرى، فليس غريبا أن يترافق الربيع العربي مع كم هائل منها، سواء تلك التي تصف الثراء الخيالي لرجال الأنظمة البائدة، والأموال التي  يمكن – وفقا للشائعات- أن توزّع على الشعب كله، فضلا عن الشائعات “الوطنية” التي تزعم تهديدات كبرى كاقتراب سفن الأعداء أو مخططات احتلال أجنبي وشيك، وقد تتسبب تلك الأخيرة في ردات فعل فاشية وتوجس من الأجانب، هذا فضلا عن “شائعات النميمة” من قبيل “الخلوة الشرعية” و”الانحلال الأخلاقي” أو شائعات التشويه كاتهامات الفساد أو العمالة.

وتقوى الشائعة في البيئة المتجانسة جغرافيا وثقافيا، كالريف، والمجتمعات  المغلقة، أو أهل اللغة الواحدة، أو المذهب الديني المشترك، وقد تصنّف سيكولوجيا، على قياس الأحلام والتمنيات أو المخاوف أو مجرد الرغبة في لفت الانتباه، وقد يُصنف انتشارها زمنيا، فيفرّق بين “الشائعة الزاحفة”، التي تستغرق وقتا طويلا في الانتشار وتتعلق عادة بالنميمة وتشويه السمعة، والشائعة القنبلة، التي تنتشر بقوة أثناء الأزمات والكوارث وتتميز بطابع دموي كأحداث العنف أو الاغتصاب الجماعي، والشائعة الغاطسة، التي تختفي وتظهر في أوقات متباعدة، وقد ترتبط بنوع معين من الجرائم، أو الأطعمة الفاسدة، أو ممارسات خرافية لطائفة ما.

ويتربع فوق ذلك كله بالطبع  شائعات “المؤامرة”، التي تخلق تفسيرا غير مباشر للأحداث، يقبع وراء الصورة الرسمية، ومنها تفسير الربيع العربي نفسه، بكل أحداثه وانتفاضات شعوبه، بأنه وليد مؤامرة كبرى، غربية تارة، إسلامية أحيانا، انقلابية أو صهيونية أو حتى ماسونية.