بعد تسرب وثائق سرية تثبت توجه الحكومة التونسية برسالة نوايا إلى صندوق النقد الدولي بخصوص قرض احتياطي، أطلق خبراء وناشطون في المجتمع المدني صفارة الإنذار للتحذير من انهيار الاقتصاد التونسي.

واعتبر الرافضون لهذا القرض أن الدولة التونسية ستضطر بمقتضاه للاستجابة إلى أجندة إصلاح هيكلي على مستوى السياسية المالية.

بعد تسرب وثائق سرية تثبت توجه الحكومة التونسية برسالة نوايا إلى صندوق النقد الدولي بخصوص قرض احتياطي، أطلق خبراء وناشطون في المجتمع المدني صفارة الإنذار للتحذير من انهيار الاقتصاد التونسي.

واعتبر الرافضون لهذا القرض أن الدولة التونسية ستضطر بمقتضاه للاستجابة إلى أجندة إصلاح هيكلي على مستوى السياسية المالية.

“ماقالولناش” ( لم يعلمونا ) هو اسم التحالف الذي أنشئ من أجل التصدي إلى هذا القرض. أعضاء التحالف اعتبروا القرض مجحفا وقالوا انه سيتم بمقتضاه انتهاك السيادة الوطنية التونسية. بل أكدوا أنه سيتسبب في تكرار سيناريو تردي الأوضاع المعيشية وإفلاس الدولة كما حصل في بلدان عديدة، اتبعت حكوماتها سياسة مناولة اقتصادية لمؤسسات النقد الدولي.

[ibimage==7475==Small_Image==none==self==null]

“ماقالولناش” في مؤتمر

مجتمع مدني يندد

هذا التحالف يتكون من جمعيات مدنية وفنية اختارت الالتفاف حول مبادرة مواطنية تضغط على الحكومة التونسية من أجل إلغاء القرض. والمطالبة بعرضه للتصويت من قبل  أعضاء المجلس الوطني التأسيسي، المؤسسة  الشرعية الوحيدة التي تمثل الإرادة الشعبية، حسب قول أعضاء التحالف.

وأطلق تحالف “ما قالولناش” منذ تكوينه حملة على المواقع الاجتماعية من خلال نشر تقارير مالية وتحاليل اقتصادية تتناول الوضع الاقتصادي التونسي في علاقة بسياسة المديونية التي لا تزال تونس تتبعها.

كما نشر المشرفون علي الحملة خفايا وتفاصيل ما أسموه بالصفقة التي يعتزم بنك النقد الدولي المصادقة عليها في غياب كلي للشفافية.

وسبق وأن نظّم نشطاء التحالف أيضا وقفة احتجاجية أمام البنك المركزي في اليوم العالمي للشباب المناهض للإمبريالية (24 نيسان/ أبريل) وقاموا بتوزيع ملصقات واستمارات تشرح بالتفصيل وبلغة بسيطة للمواطن العادي، نتائج  هذا القرض على مستوى المعيشة وعلى مستقبل التنمية في تونس.

كما تم تنظيم العديد من الوقفات الاحتجاجية والتصريحات الاعلامية من قبل شباب يرفض سياسة الاقتراض الحالية للحكومة التونسية ويعمل على إلغاء القرض باعتباره “سيغرق تونس في دوامة مالية لن تخرج منها سالمة”.

علاقة مشبوهة؟

ولم تكتف المبادرة بالتنديد بالقرض الأخير و بملابسات المصادقة عليه بل تطرقت إلى طرح بدائل قد يرى فيها البعض حلا يعوض الاقتراض مثل مراجعة عقود الاستغلال المبرمة مع بعض الشركات الدولية في مجال الطاقة، والإسراع في استرجاع الأموال المنهوبة من طرف الرئيس السابق والمقربين منه، وترشيد استعمال الممتلكات والأموال المصادرة .

وفي ندوة صحفية (يوم 5 حزيران/يونيو) حملت عنوان “تونس وصندوق النقد الدولي : العلاقة المشبوهة”، وسبقت مصادقة مجلس إدارة بنك النقد الدولي، ندد أعضاء مبادرة “ما قالولناش ” بالتعتيم الكبير الذي صاحب ملف القرض وطالبوا وزير المالية السيد إلياس الفخفاخ بالمزيد من الشفافية وبالكف عن القول بأن القرض يأتي “استجابة لمطالب ثورة الحرية والكرامة” .

ورغم الحضور الاعلامي المكثف لوزير المالية وحضوره في جلسة مساءلة أمام نواب المجلس التأسيسي، إلا أنه لم يقدم توضيحات بشأن خفايا القرض. واكتفى بالقول بأن الإصلاحات التي ستجرى هي “نابعة من رغبة وطنية داخلية وليست نتيجة إملاءات خارجية لصندوق النقد الدولي”.

أمين الكامل، أحد أعضاء التحالف، صرح  لـ “مراسلون” بان إصلاحات صندوق النقد الدولي المزعومة في عدة بلدان من العالم أدت إلى وجود حالات اجتماعية و اقتصادية متدهورة، على غرار ما حصل في اليونان الذي يعاني من الإفلاس.

ويضيف ان التحالف سيعمل مع بقية مكونات المجتمع المدني الأخرى على مواصلة النضال ضدّ سياسة الاقتراض المشروط على المدى الطّويل ومشروع صندوق النّقد الدّولي في تونس على المدى القصير.

وتبلغ قيمة القرض الذي صادق عليه مجلس إدارة صندوق النقد الدولي، بتاريخ 7 حزيران/يونيو الجاري  1.75 مليار دولار أمريكي أي حوالي 2.8 مليار دينار تونسي مستحقة الدفع خلال 5 سنوات مع مهلة ثلاث سنوات و3 أشهر مدعومة ببرنامج “إصلاح هيكلي” يمتد على سنتين.

تفقير الطبقة المتوسطة

اقتصاديون مساندون للتحالف نفوا  ما يروج من تصريحات مفادها أن “الحد من دعم المواد الأولية سيؤثر فقط على الطبقة الفقيرة “. وأكدوا أن 7.5% من المستفيدين من صندوق الدعم هم من الطبقة الغنية بينما تقدر نسبة استفادة الطبقة الفقيرة بـ 9.2%. وفي حقيقة الأمر 60.5% من الطبقة المتوسطة  التي تشمل الموظفين وصغار الفلاحين، هي المستفيد الأكبر من صندوق الدعم . وبالتالي سيتسبب رفع الدعم في تفقير هذه الطبقة، وهو ما سينجر عنه احتقان شعبي كبير نتيجة تدني مستوى المعيشة بالتوازي مع ارتفاع الأسعار.

وما يدعو للانتباه هو أن جلسة أعضاء الحكومة المتعلقة بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي  ضمت 17 عضوا، مع تغييب كامل لأعضاء المجلس التأسيسي (السلطة العليا بالبلاد)، علما أن بعض أعضاء الحكومة عبروا عن رفضهم التام للشروط المجحفة التي يطلبها الصندوق. ومن بين هؤلاء الوزير عبد الوهاب معطر، الذي دعا الحكومة إلى فتح حوار وطني حول الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.

التاريخ يعد نفسه

هذا القرض الذي يهدف إلى مساندة برنامج الإصلاح الاقتصادي في تونس، كما جاء على لسان كريستين لاغارد، رئيسة صندوق النقد الدولي، يضع الحكومة التونسية أمام إجبارية الشروع في برنامج الإصلاح الهيكلي.

ويقوم هذا البرنامج على خطة تقشف من مخلفاتها  الاقتصادية والاجتماعية، رفع أسعار المحروقات (بعد ارتفاعها منذ أشهر، ارتفاعا لا يفسر بارتفاع سعر النفط العالمي بل كخطوة إستباقية لإصلاحات صندوق النقد الدولي حسب المراقبين)، وبالتالي  ارتفاع تكاليف التنقل، وتخفيض الضرائب على الشركات، ومراجعة حسابات الشركات العامة للطاقة مثل  التدقيق في وضع الشركة التونسية للكهرباء والغاز وكذلك البنوك والعمل على إصلاح قانون الاستثمار. ولكن يبقى الإجراء الأخطر هو الحد من دعم الدولة للطاقة والمواد الأوّلية ومنها الخبز.  

وتاريخيا  ترجع حادثة ما يسمى بـ”انتفاضة الخبز” سنة 1984 إلى  زيادة أسعار الخبز والحبوب ، بعد فرض بنك النقد الدولي على الحكومة التونسية آنذاك خلال حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، سياسة هدفها “تحقيق الاستقرار الاقتصادي” .

ويذكر أن هذا القرض هو ثالث اقتراض للدولة التونسية من بنك النقد الدولي منذ انخراطها سنة 1958 (حوالي عامين بعد الاستقلال من الاستعمار الفرنسي)، علما وأن القرضين السابقين ساهما في تخفيض قيمة الدينار التونسي بـ 20% في كل مرة، دون أن يجدا حلولا لمشاكل العجز المالي والمصرفي.