لم يعد خافياً على المتتبعين للمشهد السياسي التونسي التصعيد الحاد في خطاب قادة التيار السلفي الجهادي، والذي يدفع في اتجاه التصادم مع رئيس الحكومة التونسية المؤقتة. خلاف السلفيين مع علي العريض، الرجل الثالث في حركة النهضة، جاء على خلفية تصريحات لمح فيها العريض “إلى وضع حد لتجاوز القانون”، من قبل من أسماهم بـ”المتشددين دينياً”، في إشارة إلى التيار السلفي الجهادي في تونس.

لم يعد خافياً على المتتبعين للمشهد السياسي التونسي التصعيد الحاد في خطاب قادة التيار السلفي الجهادي، والذي يدفع في اتجاه التصادم مع رئيس الحكومة التونسية المؤقتة. خلاف السلفيين مع علي العريض، الرجل الثالث في حركة النهضة، جاء على خلفية تصريحات لمح فيها العريض “إلى وضع حد لتجاوز القانون”، من قبل من أسماهم بـ”المتشددين دينياً”، في إشارة إلى التيار السلفي الجهادي في تونس.

وككل حواراته السابقة التي يدلي بها لوسائل أعلام أجنبية، كان الحوار الذي أجراه العريض مع صحيفة “الغارديان” البريطانية منذ أسابيع، شرارة انطلاق مواجهات كلامية بينه وبين جماعة أنصار الشريعة، التنظيم الأبرز في تيار السلفية الجهادية. إذ نفى رئيس الحكومة أن تكون لحزبه (حركة النهضة) علاقة بهذا التيار. وشدّد على أنّ لكل منهما وجهات نظر مختلفة حول المجتمع والدين والمواطنة وحقوق المرأة والانتخابات.

“رسائل للغرب”

هذا الحرص المتواصل من الرجل الأول في الحكومة على التمايز عن التيار السلفي، وخصوصاً الجهادي منه، وتقديمه لحزب النهضة في “ثوب الإسلام المعتدل”، هي “رسائل للغرب”،  كما يعتبر زعيم تنظيم أنصار الشريعة سيف الله بن حسين (أبو عياض)، الذي شدّد على أن تلويح رئيس الحكومة في أكثر من مناسبة بـ”حتمية المواجهة مع المتشددين دينياً” هو “صناعة لفزاعة جديدة”.

والهدف من “فزاعة السلفيين” التي “تروج لها حركة النهضة” هو الحصول على “دعم الأنظمة الغربية” وتثبيت حركة النهضة لحكمها في تونس، على حد قول زعيم التيار السلفي في تونس “أبو عياض” في محاضرة جدد فيها تحذيره “بنفاد صبر أبناء الصحوة الإسلامية”، ووجه رسالة إلى وزير الداخلية آنذاك علي العريض يحذره من “الصدام”.

ولم تتوقف رسائل أبو عياض إلى “غريمه” علي العريض، حيث وجه له رسالة في أواخر شهر آذار/مارس الماضي عبر مواقع الإنترنت تضمن الجزء الأول منها تحذيراً لرئيس الحكومة المؤقتة “من الاستمرار في تحميل أنصار الشريعة  مسؤولية العنف الحاصل في تونس”، ولوح “بإسقاط” الحكومة.

وطالب في القسم الثاني من الرسالة حركة النهضة بالتدخل وثني العريض عن “معاداة التنظيم”، وقال فيها “إلى عقلائكم (حركة النهضة) نقول أمسكوا مريضكم (علي العريض) عنا، وإلا سنوجه حربنا إليه حتى إسقاطه وإلقائه في مزبلة التاريخ.”

اتهامات متبادلة

يأتي هذا التهديد على خلفية  توجيه رئيس الحكومة المؤقتة علي العريض اتهاماً لسيف الله بن حسين بالوقوف وراء انتشار الأسلحة في تونس وتصاعد العنف. وذلك بعد أن عثرت قوات الأمن التونسية في الأشهر الأخيرة على ثلاثة مخازن للأسلحة، وصادرت العديد منها لدى أطراف تنتمي للتيار السلفي الجهادي. كما اشتبكت مع مسلحين على الحدود مع الجزائر. كما تلاحق العدالة التونسية “أبو عياض” لصلته بالهجوم القاتل على السفارة الأمريكية في تونس في أيلول/سبتمبر الماضي.

هذا التصعيد في موقف تنظيم أنصار الشريعة، اعتبره المحلل السياسي والخبير في التيارات الإسلامية الهاشمي الطرودي “استمراراً لنهج التعبئة” المتبع من قِبل تنظيم أنصار الشريعة الذي يبلغ عدد منتسبيه حوالي 5000 شخص، وفق قيادات في التنظيم ومختصين.

وأضاف الهاشمي الطرودي أن تنظيم أنصار الشريعة بات يبحث “عن خطر خارجي” ليحقق “لحمة داخله” بعد أن تعالت الأصوات المنتقدة له من حلفائه في التيارات السلفية.

واعتبر الطرودي أن “استعداء” أنصار الشريعة لعلي العريض انطلق منذ تقلده منصب وزارة الداخلية، وتحديداً في آذار/مارس 2012 على خلفية تصريحات الأخير بأن “هناك تياراً متشدداً دينياً يسعى لإقامة إمارة إسلامية في تونس”.

القاعدة وتهمة العنف

أما بخصوص انعكاسات هذه “العداوة” بين الطرفين على علاقة حركة النهضة بالتيار السلفي الجهادي، فقد أشار الطرودي إلى أنهما في “شبه قطيعة” منذ رسالة أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، للشعب التونسي وأتباع القاعدة في تونس.

وحسب رأي الطرودي فإن زعيم تنظيم القاعدة “شن هجوماً كاسحاً على حركة النهضة، وضح معالم الطريق للسلفية في تونس وخاصة للسلفية الجهادية”، وأنه برسالته التي نشرت على مواقع الإنترنت “أسس للقطيعة بين التيار السلفي والنهضة”.

ويشارك عدد من المحللين السياسيين أطروحة الهاشمي الطرودي، ويرون أنه ما لم تتخذ الحكومة موقفاً واضحاً من الحركات السلفية فقد تجد نفسها في موقف يفرض عليها مواجهة أنصار الشريعة التي يعتبرونها “رديفاً” لتنظيم القاعدة وموالية لزعيمها أيمن الظواهري.

من جانبه قال القيادي في التيار السلفي خميس الماجري في تصريح لـ”مراسلون” إنّ التيارات السلفية، وخصوصاً ما يعرف باسم “الجهادية”، لا تبحث عن الصدام مع رئيس الحكومة المؤقتة. ولكن العريض، حسب رأيه، يسعى إلى ذلك من أجل الحصول على الدعم الخارجي “بدعوى مقاومته للإرهاب وضرب التيار السلفي المنافس الحقيقي لحركة النهضة”.

واعتبر الماجري أن “معاداة” العريّض للتيار السلفي الجهادي هو من أجل “الظهور كرجل دولة” من أجل إرضاء من أسماهم “النخبة اليسارية والعلمانية”، وقال إن هذا الخيار فيه تغليب “للمصالح الشخصية والحزبية على مصلحة الدين والشعب والوطن”.

موقف خميس الماجري، المحسوب على التيار السلفي والمعروف بمعارضته لتنظيم أنصار الشريعة، من حركة النهضة وعلاقتها بالغرب لا يختلف عن موقف عضو مجلس شورى تنظيم أنصار الشريعة المكنى بـ”إبراهيم التونسي”.

إذ يعتبر “إبراهيم التونسي”حركة النهضة “جزءاً من المشروع الأمريكي”، وبرر ذلك بقوله إن أمريكا عندما “عجزت عن محاربة المجاهدين وجهاً لوجه” دعّمت صعود الإسلام السياسي لكي يقوم “بمحاربة الإسلام الحق”.

وساءت العلاقة بين السلفية الجهادية والنهضة التي طالما دافعوا عنها واعتبروا من يعارضها كافراً. وأوضح إبراهيم التونسي أن قادة النهضة هم من “يعادونهم”، وذلك لأن الحركة لا ترغب في أن تقدم في  صورة “الحليف مع الجماعات السلفية” أمام خصومها العلمانيين وأمام الغرب.