لأول مرة في تونس والعالم العربي يتم الحديث عن تمرير لائحة لسحب الثقة من رئيس الجمهورية. ولئن قلل البعض من أهميتها إلا أن الرأي العام التونسي والخارجي اعتبرها سابقة فريدة من نوعها. بخاصة بعد أن تناقلت وسائل الإعلام التونسية والأجنبية خبر تمكن نواب المعارضة بالمجلس الوطني التأسيسي من جمع 74 توقيعاً على لائحة لوم لسحب الثقة من الرئيس.

لأول مرة في تونس والعالم العربي يتم الحديث عن تمرير لائحة لسحب الثقة من رئيس الجمهورية. ولئن قلل البعض من أهميتها إلا أن الرأي العام التونسي والخارجي اعتبرها سابقة فريدة من نوعها. بخاصة بعد أن تناقلت وسائل الإعلام التونسية والأجنبية خبر تمكن نواب المعارضة بالمجلس الوطني التأسيسي من جمع 74 توقيعاً على لائحة لوم لسحب الثقة من الرئيس.

لائحة سحب الثقة من رئيس الجمهورية المؤقت محمد المنصف المرزوقي استوفت شروط قبولها قانونياً من قبل مكتب المجلس الوطني التأسيسي، وذلك حسبما أكدت النائبة كريمة سويد، عن حزب المسار اليساري الاجتماعي (يسار الوسط)، في اتصال مع موقع “مراسلون”؛ فقد تمكنت اللائحة من جمع توقيعات 74 نائباً من أصل 217 نائباً بالمجلس. حيث يشترط القانون المنظم للسلطات تصويت ثلثي أعضاء المجلس التأسيسي لسحب الثقة من الرئيس.

وأضافت كريمة سويد، التي تنتمي إلى كتلة الحزب الذي ينتمي إليه سمير الطيب الذي حرر نص اللائحة،  أنه سيترك لمكتب المجلس تحديد موعد جلسة عامة يتم فيها استدعاء رئيس الجمهورية المؤقت للمساءلة حول تهم وردت في اللائحة وجهها إليه النواب الموقعون، منها المس من هيبة مؤسسة رئاسة الجمهورية ومن صفة الرئيس وسمعة البلاد من خلال تصريحاته على هامش مشاركته في القمة العربية الأخيرة بالدوحة عاصمة دولة قطر.

ويعاب على رئيس الجمهورية المؤقت أنه خرق واجب التحفظ من خلال تصريحاته التي أدلى بها إلى قناة الجزيرة القطرية. حيث صرح المرزوقي أنه “في حال وصول أقصى اليسار والعلمانيين المتشددين إلى الحكم بطريقة غير ديمقراطية، سواء بالإضرابات أو العنف أو الانقلابات، فإن المشانق والمقاصل ستنصب لهم”.

إلا أن تصريحات العديد من النواب الموقعين على اللائحة في وسائل الإعلام تجاوزت ذلك لتشير إلى ما تعتبره “قصوراً من المرزوقي في إدارة البلاد”.

وقال النائب عن “الجبهة الشعبية ” (تحالف أحزاب يسارية وقومية) منجي الرحوي لموقع “مراسلون” إن التصريحات الأخيرة والحديث عن “نصب المشانق” هي القطرة التي أفاضت الكأس، والتي تكشف بوضوح عن شخصية السيد المنصف المرزوقي الذي لم يستطع التأقلم مع منصب رئاسة الجمهورية ومع ما يتطلبه هذا المنصب من واجب التحفظ”.

وأضاف أن المرزوقي ما زال سجيناً لتجربته السابقة، وهو يخلط بين منصبه الحالي ومنصبه السابق في رئاسة حزب “المؤتمر من أجل الجمهورية “. واعتبر الرحوي أن تصرفات المرزوقي منذ توليه رئاسة الجمهورية لم تعط انطباعاً أنه رئيس لكل التونسيين بالرغم من محدودية صلاحياته والتزاماته.

وقال إن المرزوقي كان يتصرف وفق مصالح حزبه ومصالح أحزاب الترويكا الحاكمة، ووفق أجندة انتخابية، “ونحن في الجبهة الشعبية لنا العديد من التحفظات عليه وعلى تصرفاته خاصة على حادثة استقباله في القصر الرئاسي لأعضاء من رابطات حماية الثورة المتهمة باستعمال العنف. و لنا شك كبير  في أن قاتل شكري بلعيد كان من ضمن الوفد”.

وحسبما ورد في نص لائحة اللوم فإن النواب الموقعين على العريضة يعتبرون أن الاداء السياسي للرئيس تميز بالفشل، كما انتقدوا خطاباته وتصريحاته المتناقضة. وجاء في اللائحة أن التصريحات في بلد أجنبي تعطي للعالم إشارات سلبية عن المجتمع التونسي الوسطي والمتعقل والمتفتح على المعايير الكونية، وتحول دون تكريس السلم الاجتماعي المطلوب اليوم في تونس لإنجاح المسار الانتقالي وإيصاله إلى نهايته .

من جهة أخرى لم تتضمن اللائحة أي توقيع من نواب ينتمون إلى كتلة “حزب النهضة” الإسلامي، الذي يقود الائتلاف الثلاثي الحاكم حالياً، أو من كتلتي الحزبين الشريكين في الائتلاف وهما حزب “المؤتمر من أجل الجمهورية” وحزب “التكتل من أجل العمل والحريات”.

وهو ما يجعل عملية التصويت على سحب الثقة من الرئيس عملية مستحيلة على اعتبار أن الترويكا الحاكمة تحوز على 109 مقاعد، كما أن كتلة وفاء الموجودة خارج التحالف الحاكم تساند بقاء المرزوقي، وهي كتلة منشقة عن حزب “المؤتمر من أجل الجمهورية”.

وقالت النائبة فريدة العبيدي عن كتلة النهضة لموقع مراسلون إن من حق النواب ممارسة صلاحياتهم واعتماد آليات الرقابة الموجودة في القانون المؤقت المنظم للسلطات، غير أن التصريحات الأخيرة لرئيس الجمهورية – وهي تصريحات تعبر عن مواقف شخصيته حسب رأي العبيدي – لا تتطلب الوصول إلى حد سحب الثقة، فممارسة الديمقراطية أمر جيد، لكن أحياناً تحتاج مناخات البلاد إلى توحد واجتماع أكثر. ومن جهتي (والحديث للعبيدي) أقول بأنه كان على رئيس الجمهورية أن لا يخوض في مثل هذه الأمور وأن تعبر تصريحاته بصدق عن أفكار الجميع، لأنه رئيس لكل التونسيين، ولكن إن حصل وعبّر عن مواقفه وتحاليله بحرية، فهذا لا يؤدي مباشرة إلى محاكمته أو سحب الثقة منه.

وفي السياق ذاته قلل وليد البناني، نائب ينتمي إلى كتلة النهضة، من أهمية اللائحة قائلاً إنها “لن تلقى الدعم وسيكون مآلها الفشل”.

ما ذكره البناني يأتي متناغماً مع تصريحات نواب عن العريضة الشعبية، الذين يعتبرون أن الأمر لا يتطلب سحب الثقة، لأنه قد يكون ضد رغبات الناخبين، وأنه يمكن الاكتفاء بمساءلة رئيس الجمهورية فقط.

وتثير تصريحات رئيس الجمهورية ومواقفه الكثير من الجدل في الرأي العام التوتسي، بل وموجة غضب شديدة وسط المعارضة. وعبّرت السيدة نزيهة رجيبة، حقوقية ومناضلة والمعروفة بأم زياد، عن صدمتها من تصريحات رئيس الجمهورية عن “نصب المشانق” للذين ينوون القيام بثورة ثانية والوصول إلى الحكم، قائلة بأن “ما قاله لنا المرزوقي، حتى بن علي لم يتجرأ على قوله “.

لكن في المقابل أكد رئيس كتلة المؤتمر من أجل الجمهورية بالمجلس الوطني التأسيسي هيثم بن بلقاسم ثقته في بقاء رئيس الجمهورية المؤقت المنصف المرزوقي في منصبه بالرغم من حيازة لائحة سحب الثقة منه، التي يروج لها نواب المعارضة، العدد القانوني المطلوب.

وشدد في تصريحه لموقع مراسلون على أن المرزوقي قادر على الحصول مرة أخرى على أكثر من 140 صوتاً داخل المجلس التأسيسي مثلما العدد الذي حصل عليه حينما تم انتخابه رئيساً للجمهورية.

وفي الوقت ذاته لم يقلل بن بلقاسم من أهمية مبادرة طرح لائحة سحب ثقة من المرزوقي، والتي قال بشأنها إنها تعد الأولى من نوعها في العالم العربي، وهي شاهد على ما بلغه المسار الديمقراطي في تونس من نضج وتحول نحو محاسبة المسؤولين بعيداً عن الاعتصامات والاحتجاجات.

لكن بن بلقاسم أشار إلى أن حضور رئيس الجمهورية للمساءلة بالتأسيسي سيتيح له فرصة الدفاع عن مواقفه وتوضيح بعض الوقائع ودحض بعضها الآخر، وسيكون الأمر في صالحه وليس ضده مثل ما يتصور ذلك البعض على حد قوله.

واعتبر الصحافي زياد كريشان أنه لأول مرة يتم في تونس وفي العالم العربي تمرير لائحة سحب ثقة من رئيس جمهورية منتخب، وهي سابقة تحسب لتونس. غير أن المسار الانتقالي ما زال محفوفاً بالعديد من المخاطر.

ويشار إلى أن المعارضة كانت قد نجحت في تمرير لائحة سحب ثقة ضد وزيرة المرأة السيدة سهام بادي حررتها النائبة نجلاء بوريال، ووقّع عليها 78 نائباً. وذلك على خلفية تواتر حوادث اغتصاب وإهمال في رياض الأطفال التي تعود بالنظر إلى وزارة المرأة التي تشرف عليها السيدة بادي.