الخبر ليس الحريق الذي اشتعل في إحدى المحاكم القاهرية صباح الخميس4 أبريل الجاري، الخبر أن ذلك الحريق، الذي أحرق ملفات (محكمة جنوب القاهرة، ونيابة وسط القاهرة الكلية، ونيابة الأموال العامة، ونيابتي منطقتي بولاق والشرابية)، قد مر – وسط الحوادث الشبيهة- مرور الكرام، دون تداعيات سياسية، أو اهتمام إعلامي كبير بالخبر الذي كان يفترض أن تهتز له البلاد، أو عاصمتها على الأقل، تلك اللامبالاة التي استقبل بها الخبر مجرد حجة إضافية على أن “الدولة” المصرية، تنحدر بصورة متسارعة نحو الفشل.

الخبر ليس الحريق الذي اشتعل في إحدى المحاكم القاهرية صباح الخميس4 أبريل الجاري، الخبر أن ذلك الحريق، الذي أحرق ملفات (محكمة جنوب القاهرة، ونيابة وسط القاهرة الكلية، ونيابة الأموال العامة، ونيابتي منطقتي بولاق والشرابية)، قد مر – وسط الحوادث الشبيهة- مرور الكرام، دون تداعيات سياسية، أو اهتمام إعلامي كبير بالخبر الذي كان يفترض أن تهتز له البلاد، أو عاصمتها على الأقل، تلك اللامبالاة التي استقبل بها الخبر مجرد حجة إضافية على أن “الدولة” المصرية، تنحدر بصورة متسارعة نحو الفشل.

يصدر “تقرير الدول الفاشلة” سنويا منذ العام 2005، عن المنظمة البحثية “صندوق السلام” بالتعاون مع مجلة فورين بوليسي الأمريكية، في تقرير العام 2012 حلت مصر في المركز 31 ، بتراجع قدره 14 مركزا عن العام الأسبق الذي اندلعت الثورة في بدايته، وإذا كان الرئيس محمد مرسي غير مسؤول إلا عن النصف الثاني من العام 2012 الذي انتخب خلاله، فإن مجريات الأمور، التي يعد حريق المحكمة القاهرية أحد إشاراتها ، لا يبشر بأن مصر ستحرز أي تحسن في تقرير العام الجديد، الذي سيشمل بالتأكيد تداعيات قرارات الرئيس التي جاء أغلبها – كالإعلان الدستوري-  في نهاية 2012، وانفجرت تتائجها في صورة أحداث عنف عصفت بالبلاد، وأوقعت أكثر من مئة قتيل في القاهرة ثم السويس وبورسعيد أعقبها حظر تجوال، فضلا عن إضراب القضاة، وإغلاق محكمة النقض أبوابها لأول مرة في تاريخها، ثم  تأجيل الانتخابات البرلمانية المزمعة والتي أعلنت جبهة المعارضة الرئيسية “الإنقاذ” مقاطعتها، وتأجيل توقيع اتفاق قرض صندوق النقد الدولي، ومواصلة الجنيه المصري هبوطه الحاد أمام الدولار، لتصل العملة الأمريكية في السوق السوداء إلى أكثر من ثماني جنيهات (بدلا من 6 جنيهات تقريبا عند انتخاب الرئيس )، وبزيادة جنيه ونصف الجنيه عن السعر الرسمي المتدهور أيضاً بالسرعة نفسها.

لكن بوادر الفشل الرسمي لا تتبدى فقط من نواح اقتصادية، وإنما يتواصل فقدان الدولة سيطرتها على مناطق من أراضيها، لا يبدو ذلك فقط في الوضع الذي أصبحت عليه شبه جزيرة سيناء، التي صارت مرتعا لجماعات متشددة قتلت في بدايات ولاية الرئيس 16 عسكريا مصريا، ولم تنجح السلطات حتى اليوم في كشف تفاصيل العملية، ولا في أزمة أنفاق غزة التي صارت محلا للشد والجذب والمساومة بين “الجماعة “وحماس” من جهة، والجماعة ومعارضيها من جهة أخرى، وحكومة مرسي والأمريكيين من جهة ثالثة، وإنما يتبدى ضعف الدولة في تصاعد حوادث الخطف والاعتداء وسرقة السيارات، خاصة على الطرق السريعة بين المحافظات، في ظل إضرابات متكررة لرجال الشرطة، وتغيير وزيري داخلية في غضون رئاسة مرسي القصيرة، وسط اتهامات – من داخل مؤسسة الشرطة وخارجها- تتهم الجماعة بمحاولة أخونة الشرطة، كجزء من مخططها –حسب المعارضة – لأخونة الدولة.

في كتابه “النظام القوي والدولة الضعيفة”، يصف الاقتصادي الراحل سامر سليمان عملية ضعف الدولة بوصفها تفاقم الأزمة المالية للنظام السياسي، مما يؤدي إلى تراخي آلية السيطرة المبنية على قوة المال من ناحية، وصعود دور القوى الرأسمالية – وبعض قطاعات الطبقة المتوسطة-  على حساب الدولة، وتوقع سليمان –في كتابه الصادر في العام 2005 – أن يحلّ النظام (مبارك)  هذه المعضلة بالاستعانة برجال الأعمال ودمجهم داخل النظام نفسه، وهو ما تحقق بالفعل في السنوات التالية.

لكن “النظام القوي” الذي كان يتحدث عنه سليمان، ورثه نظام طائفي ممثل في جماعة الإخوان، للطائفية هنا انعكاسين، أحدهما ما هو بديهي بحكم أيديولوجية الجماعة كأكبر منظمات الإسلام السياسي، أما الانعكاس الثاني فيتمثل في إدارة الجماعة لنفسها كطائفة ينتظم أفرادها في تنظيم حديدي، تنظيم  يتجاوز علاقاتهم السياسية إلى تلك الاقتصادية وحتى العائلية، ما جعل حتى حلفائها من الأحزاب السلفية يشاركون المعارضة العلمانية توجيه الاتهامات إلى الجماعة بأنها تحاول “أخونة الدولة”، وهو المصطلح الذي يعني استبدال أعضاء الجماعة بموظفي الوزارات المختلفة وهيئات المحافظات ومؤسسات الأزهر وصولا إلى الشرطة والجيش، بدلا مما يجري عليه العرف الديمقراطي الذي يسمح بتداول الإدارات الحكومية وليس عناصر الدولة  نفسها، هي اتهامات لا تكتسب مصداقيتها فقط مما رصدته الصحافة والجمهور من توالي تعيين عناصر الإخوان إن لم يكن في موقع المسؤولين ففي مواقع مساعدي المسؤولين ومدراء مكاتبهم، وإنما تكتسب الاتهامات مصداقيتها بالأساس لاستحالة انتقال الجماعة –السرية المنغلقة- إلى إدارة الحكم دونما “أخونة”، وبعبارة أخرى، ليس لدى الإخوان – كطائفة سياسية وإيديولجية – إمكانية تكرار الحل الذي لجأ إليه نظام مبارك ( دمج رموز الرأسمالية ورجال الأعمال في صلب الحُكم) من دون أن تتفكك الجماعة نفسها أو – على أقل تقدير- ترتبك بنيتها التنظيمية الصارمة، لأن قوى المال والأعمال لا يمكن أن تُدار بنظام السمع والطاعة في ظل نظام سوق مفتوح، وهذا ما اتضح في تجربة نظام مبارك نفسه، الذي تحول تدريجيا إلى “حكومات رجال أعمال”.

بين الخيارين الصعبين: هيمنة التنظيم المغلق على الدولة “الأخونة”،  أو الانفتاح على القوى الاقتصادية وتضمينها في النظام، تواصل الدولة المصرية تدهورها من “ضعيفة” إلى “فاشلة”، ويعني ذلك أنه حتى في حال نجاح “الأخونة”، فسيشبه ذلك نجاح بحارة في اختطاف سفينة غرقت بالفعل.