رغم تعدد المناطق الشعبية في مدينة المنصورة إلا أن ميدان مشعل (شرق المدينة) وحيه الشعبي المجاور يعد بؤرة ثورية خاصةرغم تعدد المناطق الشعبية في مدينة المنصورة إلا أن ميدان مشعل (شرق المدينة) وحيه الشعبي المجاور يعد بؤرة ثورية خاصة في تاريخ المدينة، فالحي الذي تسيطر عليه تاريخيا مهنة ميكانيكا السيارات، والذي تقع إحدى بوابات جامعة المنصورة فيه هو نموذج لتبلور الفكرة المدينية الحديثة في رحم عاصمة محافظة ريفية كالدقهلية، وفيه تبلور مشهد التحالف السياسي بين العمال والطلبة منذ الستينيات وصولا إلى ثورة ٢٥ يناير.

[ibimage==4559==Small_Image==none==self==null]

ميدان مشعل

كيف قتل محمد؟

[ibimage==4565==Small_Image==none==self==null]

عطارة سليم

أمام محل العطارة الشهير بالحي، في شارع الجلاء أحد امتدادات الحي جلس الحاج جمال سليم والد الشهيد محمد جمال أول شهداء الثورة بالمدينة، والذي خرجت المدينة في جنازة مهيبة لتوديعه، يروي والد الشهيد تاريخ عائلة سليم وعلاقتها بالعمل الوطني قائلا: ”مات منا في حرب اليمن شهيد، وثلاثة بحرب ١٩٦٧، وشاركت في انتفاضة الخبز ولم أكن قد أكملت العشرين عاما، انطلقت في ١٨ يناير ١٩٧٦ مع طلاب الجامعة من أمام هذا المحل، فاعتُقل منا العشرات“.

[ibimage==4571==Small_Image==none==self==null]

مسيرة من أجل الشهيد محمد جمال سليم

اليوم تنطلق المظاهرات منذ الثورة من أمام منزل الابن الشهيد في الثورة، بعد أن أطلق الثوار اسمه على الميدان، وتلتقط هنا الأم خيط الحديث قائلة: ”نار قلبي لم تنطفئ عليه، كان يعمل مبيض محارة في دبي، وفي إجازته السنوية انضم محمد إلى شباب التغيير وجمع توقيعات ٢٠٠٠ من أبناء الحي على بيان البرادعي الشهير، حضر ليلة التحضيرات مع أبناء الحي قبل ٢٥ يناير، كانت تحضيرات وورش عمل اليوم ينظمها الجراح العالمي محمد غنيم، وقاد محمد التظاهرة الأولى“.

كيف قتل محمد إذن؟

[ibimage==4547==Small_Image==none==self==null]

أم الشهيد

في جمعة الغضبكما تحكي الأم الباكيةوقف محمد في كردون حماية لمديرية الأمن مع أصدقاءه، وقف يحمي قوات الأمن في درع بشري فجاءته طلقة الخرطوش من مسافة ٩٠ سنتيمتر من الخلف كما أكد الطبيب الشرعي في تقرير وفاته، حمله أصدقاؤه وجروا به في الشوارع فيما الأمن يطاردهم حتى المستشفى، قام حلاق يعرفه بميدان مشعل باستقباله وظل ينازع الروح لساعتين حتى مات، حسب ما روت الأم.

لشارع لنا

من الميدان خرج متظاهرا وإليه عاد شهيدا، لكن حكاية الميدان أعمق كما يحكيها علي السيد ميكانيكي السيارات العجوز في قلب الميدان، حيث كان صغيرا حين لبى نداء الاكتفاء الذاتي الذي أطلقه عبد الناصر قبل خمسين عاما أثناء حرب السويس، خرج يومها مع أبناء الحي في تظاهرات داعمة للزعيم، ثم قسم أبناء الحي أنفسهم إلى مجموعات كان نصيبه منها توزيع الخبز، كان يعمل لمدة ٨ ساعات على توصيل الخبز دون أجر تلبية لما اسماه نداء الوطن.

القاص المصري الشهير محمد المخزنجي، ابن الحي والطبيب الشهير المنتمي لجيل حركة الطلاب أوائل السبعينيات يقدم روايته لتاريخ الحي، فهو المولود فيه ابنا لميكانيكي يُرجعُ شهرته إلى توسطه لتقاطعات نسيج المدينة العمراني المتداخل، بين طريق سكة سندوب والجلاء وشارعي الجلاء وبورسعيد التي تمثل المنصورة القديمة، وبين منطقة الشيخ حسنين والحسينية الشعبية، وترجع تسميته بمشعلوفقا للقاص الشهير إلى مصنع مشعل للسواقي الذي كان موجودا في الحي، وظهرت تقاليد الجدعانة والبطولة الشعبية فيه خلال انتفاضة الخبز بالسبعينيات حين سهر ليلته بها يكتب شعارات على جدرانه تضامنا مع المعتقلين في القاهرة، ثم خرج منه للتظاهر صباحا فحاول الأمن إلقاء القبض عليه لولا تطوع أهالي الحي بحمايته هو وأمثاله، حسب ما روى الكاتب الكبير.

تاريخ برجوازي وسبيكة يسارية

ويضيف المخزنجي: “الحي كان جزءا من تراث المدينة القديمة، فقد احتوى لفترة مبان تعود لزمن الأوروبيين في المدينة، وكان يمتاز بأناقة بسيطة مع تواجد قنصليتين لفرنسا وإيطاليا قريبتين منه زمن الجاليات، ناهيك عن مجهودات الأسر المتبرجزة الثرية كعائلة شحاتة التاريخية به“.

على مقهى كتكوت، أشهر مقاهي المثقفين والسياسيين في الحي التقينا القيادة العمالية حمدي قناوي، عضو حزب التحالف الشعبي، والذ يقدم وصفة ماركسية لتاريخ الحي، فاختلاط العمال بالطلاب الجامعيين الذين يخرجون إليه للسكن وقضاء الوقت زمن التحديث الناصري، ساهم في صهر مكون طبقي وسياسي خاص مديني الطابع، وقد سكنه لقربه من الجامعة زمن السبعينيات، وطبع فيه وإليه المنشورات السياسية للأهالي، فلم يكن السياسيون أو النخبة غرباء بين جنباته وفي حواريه يوما.

ميدان يخشاه الأمن وتعشقه الثورة المستمرة

[ibimage==4553==Small_Image==none==self==null]

التواجد الأمني على ميدان مشعل

بعد ربع قرن وفي الذكرى الثانية للثورة المصرية يتذكر أحد شبابها كيف كان يوم ٢٥ يناير في الحي، وعلى لسان محمود خضر يتواصل نسج التاريخ في الحاضر في قوله: ”سربنا قبل اليوم الموعود للأمن أن التظاهرات ستخرج من المساجد الكبيرة في مدينة المنصورة كمسجدي النصر والسلام، لكننا خرجنا من حي مشعل ذي الشوارع الجانبية الضيقة التي تسمح بالهروب ويمتنع الأمن عن توغلها، والتقينا في الميدان بالقيادي اليساري مصطفى خليل ومظاهرة أخرى خرجت من عند بوابة كلية التربية وبدأ اليوم حاشدا“.

[ibimage==4577==Small_Image==none==self==null]

الميدان في أيام الثورة

كان الشباب من حملة التغيير قد استعملوا الحي والميدانوفقا لشهادة الجراح العالمي محمد غنيمحتى من قبل الثورة، فعبر ورش عمل متتابعة كانت شوارعه ومقاهيه عرضة لنزول مفاجئ متفق عليه لمجموعات شبابية توزع المنشورات وتجمع البيانات، حتى داخل السوق الشعبي والحارات الجانبية، ومنه بدأت حملة دعم تيار الثورة مستمرة التي قادها طبيب الكلى الشهير خلال الانتخابات البرلمانية، بل وتخرج وستظل تخرج منه التظاهرات حتى تحقيق أهداف الثورة كما يقول محمد غنيم في مختتم شهادته.

شاهد أيضا:

مقابلة مع والدة الشهيد محمد سليم انقر هنا

مقابلة مع والد الشهيد محمد سليم انقر هنا