تود الجماعة أن تبقى في السلطة والشارع معًا، أن تكون مع الثورة والفلول معًا، أن تبني دستورا عصريا ودينيا معًا، أن تحافظ على معاهدة السلام (مع إسرائيل) والجهاديين معًا، أن تحكم بالشريعة وتشجع السياحة معًا، ليس غريباً أن تحولت كل تلك الملفات إلى ألغام صارت تنفجر تحت أقدام الجماعة،  فتضطرها مع كل أزمة إلى الهروب إلى الأمام.

تود الجماعة أن تبقى في السلطة والشارع معًا، أن تكون مع الثورة والفلول معًا، أن تبني دستورا عصريا ودينيا معًا، أن تحافظ على معاهدة السلام (مع إسرائيل) والجهاديين معًا، أن تحكم بالشريعة وتشجع السياحة معًا، ليس غريباً أن تحولت كل تلك الملفات إلى ألغام صارت تنفجر تحت أقدام الجماعة،  فتضطرها مع كل أزمة إلى الهروب إلى الأمام.

لم يعد العالم يشهد مظاهرات تأييد للرؤساء، إلا في أنظمة كنظام بشار الأسد في سوريا أو ملالي طهران أو نظام كيم جونغ أون في كوريا الشمالية، لكن جماعة “أول رئيس مدني منتخب في مصر” لازالت تحشد جماهيرها في حافلات مستأجرة للتظاهر تأييدا لقرارات الرئيس، ولا غرابة في أنها جماهير متشابهة حتى في الهيئة والثياب والهتافات، تشابه المتظاهرين ملمح يعزز الطابع الشمولي للتظاهرات نفسها، لكن الجماعة لا تعبأ بانتقاد المعارضة لمظاهرات التأييد، فالمهم عندها ألا تفقد “تفاحة” الشارع حتى بعد أن أكلت السلطة أكلا، بتعيين رئيسها نفسه حاكما مطلقا وفق إعلان دستوري يمنحه كل الصلاحيات، ولأن التظاهر في الشارع لا معنى له في ظل امتلاك القصر، فإنها أخذت تخطو إلى الإمام باستخدام التظاهر وسيلة لتهديد المعارضة، وبالتلويح بأنها قد تتظاهر في ميدان التحرير الذي تعتصم فيه المعارضة محتجة على قرارات الرئيس.

مجال الانترنت تفاحة أخرى تود الجماعة الاحتفاظ بها، فقد أجرت صفحة “كلنا خالد سعيد” – التي لعبت دورا بارزا في الدعوة  للثورة المصرية –  استطلاعا للرأي حول الإعلان الدستوري، لكنها أوقفت الاستطلاع بعد ساعات معلنة أنها لاحظت آلاف التعليقات المتشابهة حرفيًا بأسماء مختلفة كلها تؤيد الرئيس، ما يشكك في مصداقية الاستطلاع برمته ويؤكد ما تعتقده  المعارضة من وجود مجموعات عمل إلكترونية تديرها الجماعة لتزييف الاستطلاعات، لكن الرئيس في حواره مع مجلة تايم الأمريكية اعتمد على الاستطلاعات نفسها ليؤكد أن 90 بالمئة من الشعب تؤيده، وهو أمر غريب بالنظر إلى أن مرسي فاز في الانتخابات الرئاسية  بنسبة تقل عن 52 في المئة فقط، وذلك حتى بغض النظر عن الانقسامات الأخيرة التي فجرها الإعلان الدستوري، والتي دعت كثيرين ممن دعموا الرئيس سابقًا إلى رفض الإعلان.

ولأن “الثورة” هي التفاحة الأهم وهي مصدر شرعية النظام الجديد، بدأت الجماعة في اتهام معارضيها بأنهم يتحالفون مع فلول النظام القديم ضد “الرئيس الثوري”، وهي مفارقة أخرى لأن الجماعة تتحالف فعلا مع أخطر قطاعات النظام القديم في الأجهزة الأمنية ورجال الأعمال، فضلا عن مناصرتها خلال المرحلة الانتقالية للمجلس العسكري في مواجهاته الدموية مع الثوار، وأخيرا محاولتها تبرير هجمتها على السلطة القضائية، بالقول أن الأخيرة تقف عائقا أمام “استكمال الثورة”، وهو ما لم تبتلعه المعارضة، التي لم تبتلع أيضا حديث الرئيس عن “مؤامرة” كانت تعدها المحكمة الدستورية لإعادة المجلس العسكري إلى الحكم، خاصة أن الرئيس لم يتخذ أي إجراء إزاء الطرف الآخر – في المؤامرة المزعومة- وهو قيادات الجيش، فالرئيس – مرة أخرى-  يود الاحتفاظ برضا الجيش والتحذير منه والتخويف به في الآن نفسه !

ويبقى الدستور أصعب التفاحات ابتلاعا، في مناورات الإخوان المتعددة منذ الثورة، بقي السلفيون الحليف الأهم والأوفى للجماعة، في مواجهة القوى العلمانية وشباب الثورة ونشطائها، لكن تأييد السلفيين ليس بلا ثمن، وأهم نتائجه تصاعد طموحاتهم من مجرد الحفاظ على المادة الثانية –التي تجعل “مباديء” الشريعة المصدر الرئيس للتشريع- إلى الرغبة في تطبيق الشريعة كاملة وفورا، ما يعني ببساطة تدمير تعهدات الإخوان للقوى المدنية والمجتمع الدولي بإنشاء دستور “ديمقراطي عصري حديث”، زاد السلفيون ضغوطهم على الإخوان كلما طلبت الجماعة دعمهم في أزماتها السياسية، إلى درجة أن هددت الأحزاب السلفية بالدعوة إلى رفض مشروع الدستور، أدى ذلك في النهاية إلى مشروع دستور متناقض مع ذاته، دستور يدعو إلى الحريات الأساسية، لكنه يرهنها بألا تتناقض مع الشريعة الإسلامية وليس مع “مبادئها”  فحسب، سيخلق ذلك عوائق كبرى أمام حقوق الاعتقاد والتعبير وقضايا المرأة والأقليات، وسيهدم تراثا قانونيا مدنيا عريقًا في مصر، والأهم من كل ذلك أنه سيدحرج تفاحة الدستور نحو دولة دينية ستدمر ادعاءات الجماعة حول الديمقراطية، وإن لم تحسم الجماعة سريعا خياراتها، قد تفقد جميع التفاحات.