طوابير طويلة من المواطنين يصطفون أمام عربة المياه ذات الخزان الحديدي الكبير، ويملؤون ما تقوى أيديهم على حمله من جراكن ودلاء – مشهد أصبح اعتياديا في محافظة مطروح، فقد شهدت أجواء الانفلات الأمني عقب الثورة ارتفاعا غير مسبوق للتعديات على خطوط المياه القادمة من النيل لتغذي ثاني أكبر محافظات مصر. 

طوابير طويلة من المواطنين يصطفون أمام عربة المياه ذات الخزان الحديدي الكبير، ويملؤون ما تقوى أيديهم على حمله من جراكن ودلاء – مشهد أصبح اعتياديا في محافظة مطروح، فقد شهدت أجواء الانفلات الأمني عقب الثورة ارتفاعا غير مسبوق للتعديات على خطوط المياه القادمة من النيل لتغذي ثاني أكبر محافظات مصر. 

لكن المشكلة منهجية كما يبدو، وشح المياه ليس وليد اللحظة، وإن شهدت تفاقما ملحوظا عقب الثورة. يقول المهندس سيد دبور، مدير إدارة شئون البيئة بالمحافظة: “أساس المشكلة هو اعتماد المحافظة على مصدر رئيسي وحيد هو ترعة الحمام، والتي بدورها تغذى محطة العلمين بمياه الشرب.”

 ترعة الحمام تستمد مياهها من نهر النيل مباشرة، وتمتد غربا بعمق 50 كم بمحاذاة الساحل الشمالي، إلى أن يتم تحليتها في محطة العلمين وضخها في خط أنابيب طويل يغذي باقي المحافظة. وترعة الحمام عبارة عن جرح غائر في عمق المحافظة، فعلى الرغم من منع استخدام مياهها للري على مسافات طويلة منها – وذلك حفاظا على منسوب المياه بها – إلا أن موقعها على مناطق زراعية كثيفة نسبيا يجعل التعدي عليها أمرا سهلا ومن الصعب السيطرة عليه.

المية متعديش على عطشان

 أما أهالي منطقة الحمام، فيعتبرون استخدام مياه الترعة للري بما يخالف القانون حقا أصيلا من حقوقهم، فيقول خميس الشتورى، أحد الأهالي: “ازاى المية تعدى علينا من غير ما نشربوا منها ونروى زرعنا؟ المية زى ما بيقولوا متعديش على عطشان.”

 كما أنهم يوجهون الاتهام للقرى السياحية المبنية بطول الساحل بارتكاب المخالفة ذاتها – أي استخدام مياه الشرب للري – دون أن يؤدي ذلك إلى استثارة الجهات الحكومية. وهو اتهام نفته الهيئات المعنية.

مياه ملوثة وغير مطابقة للاستخدام الآدمي

إلا أن أزمة شح المياه هذه تبدو صغيرة نسبيا، بل تافهة، مع تسرب وثائق رسمية من مديرية الصحة بالمحافظة تفيد بعدم صلاحية مياه الشرب بها للاستخدام الآدمي أصلا، لاحتوائها على ملوثات بكتيرولوجية وكيميائية ضارة بالصحة.

الدكتور إبراهيم أنيس، مدير عام الشئون الوقائية، أكد المعلومات المسربة إذ قال: “بالفعل العينات العشوائية المأخوذة من مصادر متعددة بأماكن مختلفة بجميع مراكز محافظة مطروح ملوثة بكتريلوجيا وكيميائيا وغير مطابقة لمعايير مياه الشرب السليمة الصحية.”

 شركة المياه تتهم ترعة الحمام

لم نتلقَ ردا شافيا على سؤالنا لمسئولي مديرية الصحة عن الإجراءات المتخذة للتأكد من جودة المياه، بل كانت الإحالة إلى شركة المياه بحجة أن دور مديرية الصحة يقتصر على التحذير والتنبيه.

وفي الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي بمطروح تعود ترعة الحمام لتشكل محط الاتهامات الرئيسي، فكما هي المقصد الأهم ل”سارقي المياه”، فإنها أيضا المصدر الرئيسي للملوثات الموجودة في مياه الشرب، وذلك حسب قول وفاء محمود، مدير العلاقات العامة بالشركة: “مهما حاولنا تطهير المياه، هي أصلا ملوثة من المصدر وهو ترعة الحمام. فقد اكتشفنا وجود حيوانات نافقة في مياه الترعة بالإضافة إلى الروث وكميات مهولة لزجاجات فارغة  للأسمدة التي يستعملها المزارعون، وهى سامة بطبيعة الحال.”

 هناك إذن أزمة سلوك واضحة، لكن أخطاء في تصميم محطة الرفع من الترعة بالعلمين أدت إلى تفاقمها، وذلك باعتراف المتحدثة الرسيمة باسم الشركة. فالمحطة – أو “المأخذ” كما يطلق عليها – تقع في أكثر مواضع الترعة انخفاضا، مما يؤدي إلى تراكم الملوثات فيها بشكل ملحوظ.

 لذلك، تقول وفاء، “تم عمل مقترح لإبعاد مأخذ المياه عن مكانه الحالي بحوالي من 300 إلى 500 متر بعيدا عن تراكم الملوثات. وفعلا وافق الوزير على المقترح، والشركة الآن بصدد تنفيذه.”

 لكن يبقى التحدي الأكبر حسب قول وفاء هو تغيير سلوك المواطنين، وهو ما تسعى إليه الشركة عن طريق تدشين حملة توعية واسعة النطاق.