حكاية فادية حمدي بدأت بشارع الحبيب بورقيبة في سيدي بوزيد يوم 17 كانون أول (ديسمبر)، وانتهت بشارع الحبيب بورقيبة في العاصمة تونس يوم 14 كانون ثاني (يناير) مع فرار الرئيس بن علي.

اليوم انقلبت حياتها البسيطة رأسا على عقب، من موظفة متواضعة ابنة موظف أمن متقاعد في نقطة مجهولة من خريطة العالم، إلى واحدة من أشهر سيّدات بلدها.

حكاية فادية حمدي بدأت بشارع الحبيب بورقيبة في سيدي بوزيد يوم 17 كانون أول (ديسمبر)، وانتهت بشارع الحبيب بورقيبة في العاصمة تونس يوم 14 كانون ثاني (يناير) مع فرار الرئيس بن علي.

اليوم انقلبت حياتها البسيطة رأسا على عقب، من موظفة متواضعة ابنة موظف أمن متقاعد في نقطة مجهولة من خريطة العالم، إلى واحدة من أشهر سيّدات بلدها.

تقول فادية إنها لم تندم على مصادرتها بضاعة البوعزيزي، رغم زجها في السجن لثلاثة أشهر، ومرور “اوقات عصيبة” عليها حسب وصفها، وهي في هذه المقابلة تلوم وسائل الاعلام الكبرى التي “طمست حقيقة ما جرى” وأظهرتها شريكة للنظام السابق ورمز للبطش والتعسف.

بعد فرار بن علي في 14 كانون ثاني (يناير) 2011 أصبحت قضية سجنها محل إعادة نظر. إذ قررت المحكمة الابتدائية يوم 19 نيسان (أبريل) من العام الماضي إطلاق سراحها وتبرئتها من تهمة صفع البوعزيزي والاعتداء عليه.

بعد إطلاق سراحها ارتدت فادية الحجاب فظن العديد أنها اصبحت من انصار حركة “النهضة” الاسلامية لكنها تقول إن “لا لون سياسي” لها.

“الثورية بمحض الصدفة” كما يلقبها التونسيون تحدثت مع موقع “مراسلون” عن الظروف التي مرّت بها واللحظات اللأولى التي أشعلت المنطقة.

وهنا نص المقابلة:

 

س- قولي لنا، ماذا حدث بالضبط يوم التقيت البوعزيزي؟

 

ج- أثر شكوى تقدم بها بعض تجار السوق المركزية بسيدي بوزيد بسبب تضررهم من الوقوف العشوائي لبعض الباعة المتجولين، اتجهت رفقة زميلين في 17 كانون الأول (ديسمبر) 2011 الى وسط المدينة لتطبيق القانون الذي ينص على منع الوقوف العشوائي. كان محمد البوعزيزي واحد من أربعة باعة في ذلك المكان. بمجرد وصولنا هربوا جميعا باستثناء البوعزيزي الذي مكث في مكانه وبدأ يصيح ويتذمر قائلا انه فقير ولا يمكنه اعطاء رشاوى.

لم افهم ردة فعله هذه مع العلم انني كنت توجهت له قبل يوم من الحادثة وقلت له بكل مودة انه لن يستطيع الوقوف في ذلك المكان مستقبلا فقبل الأمر دون ردة فعل.

عندما اقتربنا من عربة الخضر لاحتجاز بضاعته، رفض بشدة فقمت باحتجاز الميزان الذي يستعمله. عندها مسكني بقوة من زي العمل وتفوه بكلام بذيء وسب الجلالة وقام بالتهجم علي مما تسبب في جروح بيدي. حينئذ رجعت الى سيارة العمل وطلبت التعزيزات من الامن لفرض القانون.

أنا لم أرتكب جرما، بل قمت بتطبيق القانون فقط. علما أن المكان الذي كان تقف فيه عربة البوعزيزي يشهد اكتظاظا مستمرا باعتباره مكان حيوي، ويوجد  أمام الجامع. وقد صادف أن كان يوم الحادثة يوم جمعة، أي يوم صلاة بالنسبة للمسلمين مما يزيد من حركة المرور اكتظاظا.

 

س- اذن انت تشعرين بالظلم؟

 

ج- نعم انا تعرضت للظلم. أنا لم أتسبب في حرق البوعزيزي بل هو من قام بذلك لشعوره بالقهر والغبن نتيجة حالته الاجتماعية المتدهورة، وما حصل بيني وبينه كان القطرة التي أفاضت الكأس بالنسبة إليه.

 

أنا اعتبر نفسي سجينة سياسية، وساهمت من موقعي في الثورة. فقد تم إيداعي السجن دون محاكمة، بناء على أمر من الرئيس السابق (زين العابدين بن علي) وذلك بعد تفاقم الاحتجاجات الشعبية ضد نظامه. لقد كنت كبش فداء.

لقد ظلمتني وسائل الاعلام أيضا. تلك التي صورتني كإنسانة شريرة وقامت بطمس الحقائق، وأولها قناة الجزيرة التي كذبت وغيرت مهنتي الأصلية من عون تراتيب (موظف في البلدية) الى شرطية لتصوّر للناس أنني اليد القوية التي يضرب بها بن علي شعبه، كما نقلت أنني صفعت البوعزيزي دون ان تتثبت من الواقعة.

 

س- ماذا حدث لك في سجنك؟

 

ج- الطريف في الأمر أنه طوال مدة سجني التي دامت ثلاثة أشهر، لم تعرف السجينات أنني فادية حمدي التي سمعوا عنها من خلال القنوات والصحف، حتى اني كنت أسمع يوميا القدح والسب والشتم لشخصي من قبل السجينات دون أن أردّ الفعل وذلك خوفا منهن.

وقد نصحني أعوان السجن بإخفاء هويتي الحقيقة وهذا ما جعلني أتألم، فكأني مجرمة اقترفت جرما خطيرا. ورغم قناعتي بأنني بريئة وغير مذنبة تكتمت على الأمر تجنبا لتعرضي للأذى.

 

س- هل انت مقتنعة بما قمت به، ولو عاد بك الزمن إلى الوراء هل تتصرفين بنفس الطريقة؟

 

ج- أنا أحب عملي رغم أنني عندما دخلته سنة 2000 أردت فقط الهروب من البطالة وتحسين وضعي الاجتماعي. وأنا الآن حزينة لأني لم أعد أقوم بنفس العمل فأنا اشعر بالملل وعدم الانتاج لأني جالسة على كرسي في الإدارة لساعات دون جدوى وذلك منذ إلغاء سلك مراقبي التراتيب البلدية وإدماج أعوانه بسلك الأمن الوطني [في حزيران (يونيو) الماضي].

لو يتم العدول عن هذا القرار أو يعود بنا الزمن إلى الوراء، سأعود الى عملي وسأطبق القانون على من يقف في أماكن ممنوعة، حتى لو كان البوعزيزي نفسه، وذلك احتراما للنظام العام. وأنا مستغربة من مجتمع يعاقب موظفا يريد تطبيق القوانين.

 

س- لكن البوعزيزي اليوم هو بطل وشهيد في نظر الجميع؟

 

ج- أنا شريكة في هذه البطولة، أما بخصوص اعتباره شهيدا فأنا لا أراه كذلك. وهذا ليس رأيي فقط، بل أيضا ما يقوله ديننا الاسلامي. فالانتحار محرم، وبالتالي لا يمكن اعتبار محمد البوعزيزي الذي حرق نفسه شهيدا.

 

س- ما رأيك في الثورة عموما؟

 

ج- من قام بالثورة فعليا، لم يجن شيئا حتى الآن. وفي الحقيقة من جنى ثمار الثورة هم أشخاص لم يساهموا فيها أصلا بداية من رئيس الجمهورية الذي كان يعيش خارج البلاد، وصولا الى بقية أحزاب الترويكا الحاكمة، كقيادات حزب النهضة الاسلامي الذين كانوا مهجرين في بريطانيا وعلى رأسهم شيخهم راشد الغنوشي والعديد من الوزراء.

في اعتقادي، إن اهداف الثورة لم تتحقق بعد. فقد تزايدت أعداد الشباب الباحثين عن فرصة عمل، وتواصل تهميش المناطق المحرومة. وفي المقابل سعت النخب السياسية الفاعلة في الساحة التونسية، حكومة ومعارضة، الى ادخال الشعب في متاهات اخرى بعيدا عن مطالبه الأصلية وأهمها الشغل والكرامة وإزاحة الدكتاتورية.  فوجد الشعب نفسه مقسما بين علمانيين وإسلاميين، حداثيين وسلفيين أما أحلام الفقراء فمازالت تنتظر التنفيذ.

 

س- ألم يقنعك أي من الشخصيات السياسية؟

 

ج- أنا معجبة كثيرا بشخصية الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة الرئيس التونسي الذي جلب الاستقلال للبلاد. وكمرأة أنا ممتنة له لأنه جعل المرأة التونسية تحصل على كل حقوقها مقارنة بنظيرتها في البلدان العربية الاخرى. كما رسخ مبدأ مجانية التعليم والعلاج.

وحاليا يعجبني حمة الهمامي، أمين عام حزب العمال الشيوعي التونسي. وبغض النظر عن اعتقاداته المذهبية سواء كان مسلما أو يساريا، مؤمنا أو ملحدا، فهذا أمر شخصي بينه وبين خالقه. فرغم كل التضييفات التي مورست عليه في عهد بن علي لم يغادر البلاد وبقي يناضل من داخلها.

 

س- لكن مظهرك كسيدة محجّبة يوحي بأنك من مناصري حركة النهضة؟

 

ج- أولا أنا لا أنتمي إلى أي حزب سياسي. ثم وكما تعلمون أنا تابعة للسلك الأمني، ويوجد قانون في عهد بن علي يمنع ارتداء الحجاب في اوقات العمل (داخل المؤسسات التابعة للدولة). وقد كنت ارتدي غطاء الرأس بعد انتهائي من العمل بحكم انتمائي لعائلة محافظة من ريف سيدي بوزيد. وبالاضافة الى ذلك فبعد خروجي من السجن تساقط شعري كثيرا فاضطررت لارتداء الحجاب وواصلت لباسه بعد ذلك.

 

س- بشكل عام كيف ترين وضعية المرأة التونسية بعد الثورة؟

 

ج- رغم ما قدمه الزعيم الحبيب بورقيبة سابقا للمرأة التونسية منذ الاستقلال إلا ان مساواتها بالرجل خاصة في السياسة مازال شكليا. فقد كان بن علي يتبجح بحرية المرأة التونسية ووصولها لمناصب عليا لكن في الحقيقة هي مناصب شكلية لا غير. وقد تواصل هذا الامر بعد الثورة، فبقيت مساهمتها شكلية. حيث لم تتقلد مناصب هامة بل حتى الوزارات التي تقلدتها ليست وزارات سيادة وإنما اقتصرت على وزارتي المرأة أو وزارة البيئة.

لذا أعتبر أن المرأة التونسية التي كانت جنبا إلى جنب مع الرجل في الثورة وساهمت في ازاحة الدكتاتورية، لم تجن ثمارها، شأنها شأن كل من ساهم فعليا في إنجاز هذه الثورة.