فوجئ محمد عادل دسوقي، مدرس بقسم الهندسة المعمارية والتصميم البيئي بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا، بقرار من كمال الجنزوري رئيس الوزراء السابق، يقضي “بمحو” أحد الأبنية المدرجة في قائمة التراث المعتمدة، وهي فيلا شيكوريل.

حملات للدفاع عن التراث المعماري

تقع الفيلا على شارع أبي قير الرئيسي في المدينة، وتُنسب لشيكوريل رجل الأعمال الإيطالي المصري الذي غادر مصر في الستينيات. ويؤكد دسوقي أن هذا القرار أتخذ بدون الرجوع لأي متخصصين أو خبراء معماريين وأثريين، لافتاً إلى أن القرار جاء بالرغم من رفض لجنة التظلمات بوزارة الثقافة بشطب المبنى نفسه من القوائم الأثرية.

ظاهرة عامة

ما حدث لفيلا شيكوريل ليس حالة نادرة، فكثير من فيلات ومباني الأسكندرية العتيقة معرضة للتقويض من أجل بناء مبان سكنية محلها تدر ربحا على المستثمرين. ويقول عبد القادر منصور، الباحث الاقتصادي، إن أعمال البناء المخالف من هدم وبناء وتعليات فوق مبان تاريخية قديمة وصلت إلى 100 ألف حالة مخالفة، وعند ترجمتها اقتصادياً نجد أن المباني الجديدة أو الأدوار السكنية الجديدة تدر على المقاولين والمستثمرين ما لا يقل عن مليار جنيه (200 مليون دولار).

ويضيف منصور قائلا “الثورة وحالة الانفلات الأمني التي صاحبتها هما من الأسباب الرئيسية التي جعلت المستثمرين والمقاولين الكبار يلهثون لشراء المباني التاريخية وإعادة بنائها كأبراج سكنية لكسب المال، وساعد في ذلك غياب المسؤولين وفساد المنظومة الحكومية.”

تاريخ في مهب الريح

المعماري محسن الشريف يقول إن “فيلا النقيب” المهددة بالهدم سكن فيها طبقا لأرشيف لجنة التراث المعماري عائلة الدكتور النقيب، مدير مستشفى المواساة والطبيب الخاص بالملك فاروق. وأيضا أقامت في الفيلا الملكة ناريمان، آخر ملكات مصر، بعد أن تزوجت من الدكتور أدهم النقيب. والفيلا مهجورة منذ نحو أربعة سنوات إلى أن ظهر الأيام الماضية أحد المقاولين، وقال إنه اشتراها وسوف يهدمها.

من ناحيته يروى المهندس المعماري محمود فؤاد قصة الفيلا الواقعة في 89 شارع عبد السلام عارف بمنطقة جليم، فهي فيلا مدرجة بقائمة التراث تحت رقم 1203 “مستوى محلي”، وبدأ ملاك الفيلا في هدمها في بداية شهر مارس 2011، في فترة “الانفلات الأمني”، وبدون الحصول على أية تراخيص، واستجابت الشرطة العسكرية للشكاوى بعد أن بدأت البلدوزرات في العمل، وأوقفتهم بعد أن أطاحوا بجزء كبير من الواجهة الرئيسية للمبنى وبقي الحال على ما هو عليه حتى اليوم، وفقا لفؤاد.

“أنقذوا الإسكندرية”

ومن أجل الدفاع عن تراث الإسكندرية المعماري دشنت مبادرة “كلمة” الثقافية التي تضم المئات من شباب الإسكندرية حملة تحت اسم “انقذوا الإسكندرية” استهدفت تنظيم وقفات احتجاجية أمام الفيلات المستهدفة ومحاولة الوصول إلى المسؤولين والمستثمرين لإيقاف خططهم المعمارية.

ويؤكد أحمد علي، أحد الشباب المشاركين في الحملة، أن الحملة اجتذبت أكثر من 300 ألف مواطن سكندري.  مشيرا إلي أنه فوجئ منذ حوالي 3 أشهر بمحاولات هدم فيلا “جوستاف أجيون” والكائنة بمنطقة وابور المياه (شرق المدينة) والتي بناها المعماري الفرنسي الأشهر أوجوست بيريه من منذ أكثر من مائة عام، وهي لا تزال قابلة للترميم، حسب ما قال علي.

“العقد شريعة المتعاقدين”

لكن المستثمرين لهم رأي آخر. “العقد شريعة المتعاقدين” هكذا قال محمد الميرغني، مقاول عقارات قديمة هدم وبناء بالإسكندرية، وأشار إلى أن هدم العديد من العقارات القديمة يتم بناء على رغبة أصحابها، مؤكدا أنه يقوم بالتوفيق بين صاحب الملك بشراء المبنى أو المشاركة لإعادة الهدم وبناء أبراج سكنية، مشيرا إلى أن المسألة تصبح قانونية ما دام هناك عقد واتفاق.

محمد المنتصر، رجل أعمال وصاحب شركة مقاولات، يسير في الاتجاه نفسه ويرى أن إقدام بعض المستثمرين على هدم الفيلات الأثرية والعقارات القديمة ليس بمخالف للقانون طالما تم البناء على عقد مبرم بين صاحب العقار أو الفيلا المراد هدمها وإعادة بنائها، مؤكدا أن المستثمر أو المقاول يأتي إليه أصحاب تلك المباني ويتفقون معه على البيع أو المشاركة وبذلك تصبح المسألة قانونية.

أما أحمد البهيمي، صاحب شركة استثمارات عقارية، فيرى أن من حق الشباب أن يطالبوا بالمحافظة على أثار بلدهم وعلى تاريخ وشكل الإسكندرية من توحش عمليات الهدم ومحو التاريخ التي تمت في الفترة الأخيرة، مشيرا إلي أن هذا رأيه كمواطن سكندري، ولكن “البيزنس” ليس له قلب علي حد تعبيره.

ويقول البهيمي “عندما يأتي لي أحد ملاك فيلا قديمة أو عقار قديم ويطلب مني شراءه أو مشاركته وهدمه وبناء برج سكني مكانه أو منتجع سياحي، يصعب علي الرفض لأن ذلك هو عملي، مؤكدا أن الشكل القانوني يصبح مكتملا مادام هناك مالك أصلي وعقد صحيح”.