“لم أكن أتخيل أبداً أن مدينة سرت المعروفة بنظافتها تصبح شوارعها هكذا مليئة بأكوام النفايات المنزلية ومخلفات البناء” هكذا عبرت سارة محمد (45 عاماً) وهي ربة منزل من مدينة سرت عن استيائها من الوضع العام المتردي لخدمات النظافة في المدينة.
لم يعتد أهالي سرت وبينهم سارة الأم لثلاثة أطفال على مثل هذه المناظر في مدينتهم، خاصة وأنهم مضطرون بشكل أو بآخر للمشاركة في تفاقم الوضع “نحن المواطنون نبحث بشكل مستمر عن أماكن لرمي القمامة داخل المدينة، ولكنها لم تعد موجودة فنضطر لوضعها على قارعة الطريق” تقول سارة بانزعاج.
أمراض جلدية
ولأن مكب النفايات بعيد عن وسط المدينة وسيارات جمع القمامة لم تعد تقوم بدورياتها بشكل منتظم كما في السابق، تبقى القمامة مكدسة لفترات طويلة قبل أن يتم جمعها، وهو ما يتسبب في تجمع الحشرات والذباب وانتشار الجراثيم التي باتت تسبب أمراضاً جلدية.
“كنت أرسل أحد أبنائي ليرمي القمامة إلى أن أصيب بخراج جلدي بكتيري شخص الأطباء أن سببه بكتيريا منتشرة بفعل تراكم القمامة” حسب قول سارة، هذا عدا عن الإزعاج الذي يسببه انتشار الحشرات والذباب والقوارض والروائح الكريهة، “حتى حرق النفايات مضر بالصحة، لم نعد نعرف ماذا نفعل” تضيف سارة.
تقول سميرة علي وهي طبيبة جلدية إن هناك زيادة كبيرة في عدد حالات الإصابة بالخراج الجلدي (الدمل)، “فأنا أستقبل في العيادة حوالي عشرة حالات على أقل تقدير يومياً تعاني نفس الأعراض”، وترجع الطبيبة السبب الرئيسي لانتشار هذا المرض الجلدي إلى حرق القمامة بين الأحياء السكنية، ما ينتج عنه انتشار بكتيريا في الهواء تسبب في الإصابة بالخراج الجلدي.
لا إمكانيات
مسؤول شركة خدمات النظافة بسرت بشير الأحرش قال لـ”مراسلون” إن الشركة لم تعد تمتلك أية إمكانيات تؤهلها للعمل وأداء دورها بالشكل المطلوب، “قبل بداية الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية كان هناك 200 عامل نظافة لدى الشركة أما الآن فليس لدينا سوى 14 عاملاً، وكانت هناك 200 آلية تابعة لشركة النظافة لكنها جميعاً دمرت باستثناء 10 آليات هي كل ما تبقى لنا، العمال لن يعودو ما دام الوضع الأمني غير مستقر” يقول الأحرش.
ومع ذلك يؤكد الأحرش أنهم يعملون بطاقتهم القصوى ويحاولون تقسيم العمل على العدد المتوفر من السيارات والعمال في الفترتين الصباحية والمسائية، ولكن تبقى سرت مدينة كبيرة بلغ تعداد سكانها عام 2012 تسعة وسبعين ألف نسمة تقريباً.
آبار سوداء
ولأن المدينة خرجت من حالة حرب وتعرضت معظم مرافقها للتخريب والحرق أو السرقة فإن مشاكل التلوث لا تقف فقط عند انتشار القمامة، حيث تعاني عدة أحياء في المدينة من طفح مياه الصرف الصحي، وحسب تصريح سابق لعميد بلدية سرت لـ”مراسلون” فإن “مدينة سرت ورغم مضي ثمانية أشهر على إعلان تحريرها من تنظيم الدولة تواجه مخاطر التلوث وانتشار الجثث في مواقع عدة من المدينة وهي غارقة في مياه الصرف الصحي، وهناك مستوصف غارق للأسف في مياه الآبار السوداء ولا أحد من المسؤولين يحرك ساكناً”.
يقول مسؤول شركة المياه والصرف الصحي بمدينة سرت محمد الطليعي إن مدينة سرت تمتلك 4 محطات رئيسية للصرف الصحي، 3 منها لا تعمل بشكل كلي والرابعة تعمل بأقل من نصف قدرتها، “هذه المحطات تم نهبها وسرقتها بالكامل وعمال الشركة يقومون بمجهود كبير جداً بإمكانيات ذاتية بسيطة لتجنيب مدينة سرت كارثة بيئية تحدق بها” على حد وصفه.
الطليعي حسب قوله خاطب الجهات المسؤولة لإنقاذ المدينة ولكنه تلقى وعوداً فقط وإلى اللحظة لا يوجد شيء على الأرض، “لا يمكن لنا الاستمرار في العمل بهذه الكيفية، الإمكانيات المتوفرة لدينا الآن لن تجدي نفعاً”. يقول الطليعي
معالجات بديلة
ولأن أحداً لم يبادر لمد يد العون لأهالي سرت فإنهم يجدون دائماً طرقاً بديلة للتعامل مع الوضع، مثلما يفعل حمزة صالح الذي يقيم بالحي المجاور لسارة، وحيه يعاني من طفح شبكة الصرف الصحي، ما يسبب في انتشار الحشرات والروائح الكريهة، يقاومها حمزة بزرع أنواع معينة من النباتات التي تطرد الحشرات في المنزل وحرق عيدان البخور واستخدام حبات الليمون مع القرنفل، ومعظم سكان الحي يستخدمون مثل هذه الطرق لطرد الحشرات.
“هذه الوسائل ليست مجدية تماماً، ولكن أفضل من لا شيء، تخفف من حدة الوضع ولا تعالجه” يقول حمزة.
حسب بشير الأحرش مدير شركة خدمات النظافة فإن المخزون الذي تملكه المدينة من المبيدات الحشرية شارف على الانتهاء، وما تبقى لن يكفي لتغطية مساحة المدينة بالكامل، “رغم مخاطبتنا لكافة الجهات المسؤولة ولكن لا فائدة”.
عميد بلدية سرت مختار المعداني ناشد في كلمة مسجلة له بالفيديو أطلقها عبر صفحات التواصل الاجتماعي حكومة الوفاق الوطني والمنظمات الدولية لإنقاذ مدينة سرت من التلوث البيئي، وفي حديثه لـ”مراسلون” قال “للأسف البلدية لا تملك شيئاً لتقدمه لإنقاذ المدينة من الوضع البيئي المتردي، وما يقلقنا هو اقتراب فصل الشتاء الذي سيزيد الأمور سوءاً لو لم يتم تدارك الوضع بسرعة”.