“لوعاد بي العمر للخلف لا أعيدها ثانية..!” بهذا يصف الدكتور أحمد خليفة 67 سنة لـ”مراسلون” شعوره تجاه تجربة زواجه من سيدة أمريكية انفصل عنها بعد ستة أعوام بسبب عدم اتفاقهما في كثير من الأمور الاجتماعية.
زواج مصلحة
يعترف خليفة بأن زواجه كان في الأساس “زواج مصلحة” حيث إنه غادر ليبيا للدراسة في الولايات المتحدة عام 1978، واضطر بعد مرور 7 أعوام للزواج من زميلته بعد توقف منحته الدراسية حتى يستطيع إكمال دراسته.
بدأت مشاكل خليفة مع زوجته بعد إنجاب بناته الثلاث، فلم يستطع الزوجان الاتفاق حول طرق تربيتهن، وهذا ما أدى إلى الطلاق ولكن “بعد فوات الأوان” كما يقول، حيث يصف حياته بـ”الكابوس” بسبب نمط الحياة الذي تعيشه ابنته الكبرى البالغة من العمر 29 عاماً وتقلدها فيه أختاها الأصغر سناً.
طريقة حياة الفتيات حسب كلام والدهن “تخالف تماماً تقاليد وعادات المجتمع الليبي، بل يتم تصنيفه على أنه انحراف يجلب العار والفضيحة”، وهو أمر لم يحسب له حساباً حين أقدم على زواج قائم على المصلحة منذ البداية.
نفس التجربة مر بها الأستاذ الجامعي المقيم في لندن خالد علي (62 عاماً)، ولكنه تدارك الأمر بسرعة حسب تعبيره، فقد تزوج من فتاة إنجليزية عام 1980م وهو في الخامسة والعشرين من عمره، وانفصل عنها بعد سنتين حيث أخذت منه ابنهما الوحيد، يقول “انفصلت عنها باكراً وخرجت بأخف الأضرار”.
ولأن الزواج من سيدات أجنبيات يحرم الزوج من حضانة الأولاد عند الانفصال فإن معظم حالات المتزوجين في الخارج تنتهي بالفشل عند الاصطدام بمسألة تربية الأطفال، وعادةً ما ينسحب الزوج من حياة زوجته وأطفاله عاجزاً عن تنفيذ رغباته حول طريقة عيشهم.
زواج سعيد
وعلى عكس خليفة وعلي تعتبر تجربة الطبيب أبو سعيد (65 عاماً) نموذجاً لنجاح الزواج المختلط، حيث بدأت حكايته مع زوجته الإنجليزية عندما كان طالباً في الجامعة، ومنذ البداية “اعتنقت الإسلام وأسلم علي يديها العديد من معارفها، وكانت لي نعم الزوجة” حسب كلامه.
يقول أبو سعيد إن زوجته أصرت على إرسال ابنهما إلى ليبيا لكي يرتبط بأهله ووطنه، حيث درس المرحلة الثانوية في مسقط رأس أبيه، وساهمت هذه السنوات في ربط الابن بجذوره وتشبعه بثقافة بلاده.
“لم أشعر يوماً بالندم على زواجي” يضيف أبو سعيد معبراً عن سعادته وحسن حظه بزواجه من فتاة تختلف عنه ثقافياً واجتماعياً، إلا أن ما يربطهما معاً كان أكبر من كل الاختلافات، خاصة وأنها قبلت به وبعاداته وتقاليده وحرصت على تربية أبنائهما بنفس الفكر.
قصة زواج ناجح أخرى تحدث عنها لـ”مراسلون” ابن الجنوب الليبي محمد خليفة (59 عاماً)، والذي تزوج منذ 32 سنة بفتاة مغربية، وهما يعيشان إلى اليوم مع أبنائهما وأحفادهما، ولم يجد خليفة أية صعوبة سوى في اختلاف اللهجة بينهما خاصة وأنها مسلمة أصلاً، ولكن مع مرور الزمن يقول إنه أصبحت لهم لهجه مشتركة هي خليط بين الدارجة الليبية والمغربية.
يقول خليفة إن هناك من تزوج من أقرب الناس إليه ولم يستمر زواجه، وهناك من تزوج شخصاً غريباً عن ثقافته ودينه وكان زواجه ناجحاً، “عندما تتفق الطباع وتتوافق القلوب لا يفصل بين الزوجين اختلاف الثقافات” على حد قوله.
أحلام وفاطمة
وعلى عكس خليفة تشعر أحلام (42 عاماً) وهي طبيبة أسنان بالندم على زواجها من شاب مغربي أثناء فترة دراستها ببريطانيا، حيث أقدمت على تلك الخطوة دون رضى أسرتها أو رضى عمها الطبيب الذي ساعدها على الإقامة والعمل معه بعد تخرجها.
لم تواجه أحلام التي تنتمي لإحدى مدن الشرق الليبي مشاكل مع زوجها حيث عاشت معه بسلام وأنجبت الأطفال، وكانت حياتها هادئة وطبيعية إلى أن زارت معه ومع أطفالها المغرب، وهناك تفاجأت بأن أهل زوجها أيضاً لم يكونوا راضين عن زواجه.
زيارة أحلام للمغرب كانت الأولى والأخيرة، وبالرغم من استمرار زواجها إلا أنها لم تخفِ ندمها الشديد بعد إدراكها أنها أصبحت “دون انتماء” سواءً لأهل زوجها أو لأهلها حسب كلامها، وقاطعها حتى عمها الذي حملته أسرتها مسؤولية ما حدث لها.
حرمته من طفله!
فاطمة (38 عاماً) أيضاً عاشت تجربة وصفتها بـ”المريرة” حسب قولها، حيث تزوجت من شاب إنجليزي عام 2004 بعد أن أسلم على يديها، ولكنها اكتشفت بعد سنة من الزواج أنه لم يسلم فعلاً، بل ادعى اعتناقه الإسلام من أجل أن توافق على الزواج منه فقط، “كانت صدمتي كبيرة” تقول.
بعد أن واجهت فاطمة زوجها بالأمر أخبرها أنه ترك الإسلام وطلب منها تغيير ديانتها، ما دفعها لطلب الطلاق دون تردد، ولم تتردد أيضاً في إخفاء حقيقة أنها أنجبت منه طفلاً حيث انفصلا وهي حامل، وطفلها يبلغ من العمر الآن 12 عاماً دون أن يلتقي والده أو يعلم الوالد بوجوده أصلاً.
“خسرت كل شيء، فقد استهجن الجميع زواجي ولم يتقبلوه، وحتى أسرتي لم ترحمني لأني لم أستمع لنصحهم” تقول فاطمة.
نجاح وفشل
الزواج المختلط مثله مثل أي زواج آخر يحتمل النجاح والفشل حسب كلام استاذ علم الاجتماع بجامعة طرابلس عمار موسى، الذي يعتقد أن الأساس في نجاح العلاقة هو قبول الآخر أو رفضه.
ويستطرد موسى قائلاً إن “التوافق والتفاهم أهم بكثير من اختلاف العرق”، حيث يتحدد النجاح والفشل حسب المستوى الثقافي والعلمي للزوجين والغاية من الزواج.
فزواج المصلحة القائم على الرغبة في الحصول على الجنسية أو الإقامة أو العمل أو المال، عادة ما ينتهي بالفشل مع انتهاء المصلحة أو عند العجز عن تحقيقها، أما الزواج المبني على التوافق العقلي والعاطفي وانسجام الطرفين يُكتب له الدوام والاستمرارية ما لم يحدث صدام ثقافي بين الطرفين، والذي عادة ما يبرز حول تربية الأبناء بسبب رغبة أحد الأطراف في تغليب ثقافتة على الآخر، وحسب كلامه فإنه لتجاوز هذا الصدام لابد من خلق أرضية للتفاهم بين الزوجين، وتقديم ما يقدران عليه من تنازلات لأجل استمرار حياتهما الزوجية.