“..النيل يُعد المصدر الأساسي للمياه في مصر، وبنسبة اعتماد تصل إلى 97%، وذلك في ضوء محدودية الموارد المائية الأخرى، ومع النمو السكاني الطبيعي في مصر، انحسر بشكل متسارع نصيب الفرد من المياه ليبلغ حوالي 640 متر سنويًا..” هكذا لخص الرئيس السيسي أزمة مصر المائية خلال مؤتمر دول حوض النيل الشهر الماضي.
ويشكل سد النهضة الإثيوبي خطرًا على حصة مصر المائية من نهر النيل، إذ مع بدء ملء خزان سد النهضة ستعاني مصر من فقدان 10% من حصتها البالغة 55.5 مليار متر مكعب سنويا، ما سيؤدي إلى تآكل الرقعة الزراعة بما يقدر بمليون فدان، فهل هناك موارد أخرى للمياه في مصر؟وهل يمكن الاعتماد عليها لسد العجز المائي؟
***
“الصحراء الغربية تطفو على بحيرة من المياه الجوفية العذبة”.. هكذا وصف المهندس صافي عياد الباحث في الزراعات الصحراوية، فالصحراء الغربية تغطي جزء من خزان الحجر الرملي النوبي الذي تقدر مساحته نحو 2.4 مليون كيلومتر، ويبلغ مخزونه 40 ألف مليار متر مكعب من المياه، وهو من أكبر خزانات المياه الجوفية في العالم، ويمتد بين 4 دول هما مصر وليبيا وتشاد والسودان، ويغطي الخزان 670 ألف كيلومتر في الصحراء الغربية ، و130 ألف كيلومتر في الصحراء الشرقية و50 ألف كيلومتر في سيناء.
وأضاف أن المياه الجوفية في مصر نوعان الأول غير متجددة وعلي عمق يتجاوز الـ 900متر إلي 1200م تحت سطح البحر، مثل المياه الموجودة بالخزان النوبي ونسبة الأملاح فيها تتراوح ما بين 200 إلى 1000 جزء في المليون وهي صالحة لري معظم المحاصيل وأيضا مياه نقية للشرب، وهناك خزان المهرة والذي يمتد من غرب النيل، ونسبة الأملاح في مياهه عالية نسبياً وتتراوح ما بين 2000 إلى 10 آلاف جزء في المليون، ويمكن الاعتماد على هذا الخزان في التنمية من خلال أنشطة الاستزراع السمكي أو زراعة المحاصيل والأشجار التي تتحمل الملوحة العالية، لكن هناك صعوبة لاستخراج للمياه العميقة غير المتجددة خاصة الموجودة بين فراغات الصخور في باطن الأرض، بالإضافة إلى أن التكنولوجيا المتاحة لاستخراجها ما زالت مرتفعة اقتصاديا، لكن في بعض الأماكن يرتفع منسوب مياه الخزان النوبي بما يسمح باستخراج المياه بسهولة عبر حفر الآبار.
أما النوع الثاني فهي مياه سطحية متجددة وذات نسبة ملوحة مرتفعة جداً وعلي أعماق ما 40 إلي50 متر فوق سطح البحر، و مصدرها الأساسي الأمطار الموسمية، وهي التي يقوم أغلب أهالي الصحراء باستخدامها في ري أشجار الزيتون والنخيل والمحاصيل التي تتحمل الملوحة العالية.
ويعتمد مشروع المليون ونصف فدان الذي أعلنت عنه الحكومة على الري بالمياه الجوفية بنسبة 88% جميعها من الخزان النوبي بما يقدر ملياري متر مكعب سنويا، والباقي من مياه النيل.
ويكمل المهندس صافي عياد مصر تعد من الدول محدودة الموارد المائية، في الوقت الذي تزداد فيه احتياجاتها المائية بصورة ملحة نتيجة زيادة السكان، فقد تراجع نصيب الفرد من المياه خلال الـ 200 عام الماضية ، من عشرين ألف متر مياه في السنة، إلى حوالي 600 متر في السنة، وتساهم المياه الجوفية بنحو 6.7 مليارات متر مكعب من إجمالي الموارد المائية في مصر.
المهندس زراعي حسين الصاوي مدير إدارة تنمية القرية بمحافظة مطروح، يقول لـ”مراسلون” إن الخزان الحجري النوبي هو المصدر الأهم للمياه الجوفية بمصر، ويشترك معنا فيه كل من دولتي السودان وتشاد جنوباً وليبيا شرقاً، وهو يمتد من جنوب مصر إلي الشمال وحتى مسافة 100كيلو متر تقريباً من ساحل المتوسط، موضحاً المياه الجوفية التي يمكن استخراجها في المنطقة الشمالية ذات ملوحة عالية جداً تتجاوز الـ40 ألف جزء في المليون، ولا تصلح إلا لزراعة الزيتون والنخيل الرومان واشجار الجوجوبا – التي تستخدم في إنتاج مستحضرات التجميل- ولا يمكن ري محاصيل تحتاج إلي كميات كبيرة من المياه مثل القمح, الأرز والخضروات بكل أنواعها وفواكه مثل الجوافة والبرقوق والمانجو والبرتقال والموز، كذلك يستحيل زراعة البرسيم الحجازي لأنه يحتاج إلي كميات كبيرة من المياه.
***
وأكد المهندس حسين السنيني مدير مديرية الزراعة بمحافظة مطروح، أن أزمة تأثر حصة مصر من المياه تجعلنا نستخرج المياه الجوفية من الخزان النوبي بحرص شديد مع تنفيذ برامج توعية للمزارعين للاستهلاك الأمثل للمياه ومنع إهدارها وتعميم الري بالتنقيط ومنع الري بالغمر الذي يهدر المياه ويزيد من ملوحة الأرض التي تصرف فيها المياه، مضيفا إن واحة سيوة رغم أنها بعيدة على النيل إلا أن بها تدفق مياه جوفية يزيد عن حاجتها لأنها منخفض تتفجر فيه عيون المياه الجوفية الصالحة للزراعة، وهو ما دفع الأهالي بزراعة من 30 إلى 50 ألف فدان من الخضروات بنظام الري بالغمر، سيؤدي حتماً إلي نفاذ المياه الجوفية الموجودة فيها وتحول الواحة إلي بحيرات من المياه المالحة الناتجة عن الصرف الزراعي.
وأضاف أن المياه الجوفية تصلح لري جميع المحاصيل الزراعية حسب طبيعة التربة التي يحتاجها بشرط ألا تزيد درجة الملوحة فيها عن 4 آلاف جزء في المليون، وإن زادت عن ذلك وتم ري الزراعات بها فهناك خطورة كبيرة تؤدي إلى بوار الأرض.
***
ومصر بها عدة خزانات للمياه الجوفية المتجددة وغير المتجددة أهمها الخزان النوبي، بينما تقدر التغذية السنوية للمياه الجوفية بخزان رمال النوبة بالصحراء الشرقية بحوالي 300 مليون متر مكعب سنويا بنسبة ملوحة تبلغ 2000 جزء في المليون، فيما يقبع أسفل شبه جزيرة سيناء خزان مياه جوفية يقدر بـ 360 مليار متر مكعب من المياه وتبلغ تغذيته السنوية 5 مليون متر تقريبا.
تصوير: سيد داود واراب