لم يستطع أحمد تحصيل مورد رزق يكفل له عيشا كريما فالمبالغ الصغيرة التي كان يتحصل عليها من بيع الأحذية التقليدية التي كان يصنعها في محل بالمدينة العتيقة بتونس لم تكن كافية لمجابهة غلاء الأسعار وإعانة والديه المسنين.
بسبب وضعه الصعب قرر أحمد (30 عاما) قبل أشهر من اندلاع الثورة التونسية عام 2011 مغادرة تونس بالاستعانة بشبكة لتهريب المهاجرين عن طريق البحر بعد جمع ثمن تلك الرحلة المحفوفة بالمخاطر أملا في حياة أفضل.
لم يستطع أحمد تحصيل مورد رزق يكفل له عيشا كريما فالمبالغ الصغيرة التي كان يتحصل عليها من بيع الأحذية التقليدية التي كان يصنعها في محل بالمدينة العتيقة بتونس لم تكن كافية لمجابهة غلاء الأسعار وإعانة والديه المسنين.
بسبب وضعه الصعب قرر أحمد (30 عاما) قبل أشهر من اندلاع الثورة التونسية عام 2011 مغادرة تونس بالاستعانة بشبكة لتهريب المهاجرين عن طريق البحر بعد جمع ثمن تلك الرحلة المحفوفة بالمخاطر أملا في حياة أفضل.
بعد وصوله إلى إيطاليا اصطدم أحمد بصعوبة الحياة في الغربة في بلد يعاني هو أيضا من أزمة اقتصادية فقرر الرحيل إلى سويسرا ومنها إلى ألمانيا حيث سلم نفسه للشرطة وقام بطلب لجوء سياسي أملا في العيش بطرق قانونية.
بلا هوية
لم يستطع أحمد العيش في مسكن اجتماعي أرسلته إليه الشرطة الألمانية إلى حين النظر في طلب لجوئه فقام بالتنقل إلى شرق ألمانيا حيث جمعته علاقة بفتاة ألمانية وقرر الزواج منها للحصول على إقامة قانونية بعيدا عن الحياة السرية.
لكن رحلة إثبات هويته كانت أصعب من رحلة وصوله إلى أوروبا فككل المهاجرين غير النظاميين تخلص أحمد من كل وثائقه حتى لا يفتضح أمره ويقع إعادة ترحيله لتونس. يقول “تخلصت من هويتي حتى أتفادى ترحيلي إلى تونس لكني اليوم أصبحت عاجزا عن الزواج أو الحصول عل طلب اللجوء”.
بعد رفض طلب لجوئه من قبل محكمة ألمانية قام أحمد باستئناف الحكم. لكن شغله الشاغل اليوم كغيره من طالبي اللجوء التونسيين هو البحث عن حل لتجنب قرار الترحيل الذي حسمت الحكومة الألمانية أمرها فيه.
يتحدث أحمد لمراسلون بكثير من الخيبة عن ظروفه الصعبة التي يعيشها تونسيون مثله بألمانيا خلال فترة انتظارهم للحصول على اللجوء.
يقول “رغم حصول المتقدمين على طلب اللجوء على منحة 300 أورو من الحكومة الألمانية فقد انجر الكثير من الشباب إلى الإجرام والإتجار بالمخدرات أو السرقة”.
باءت جميع محاولات أحمد للحصول على هوية جديدة لإتمام إجراءات الزواج بالفشل. ورغم تقدمه بطلب منذ أكثر من ستة أشهر للقنصلية التونسية بالعاصمة برلين للحصول على جواز سفر لم يحصل بعد على أي رد.
هاجس الترحيل
هدد أحمد بإحراق نفسه أمام مقر السفارة من أجل الحصول على جواز سفر يخول له الزواج هنا والتسريع بالحصول على إقامة قبل ترحيله فهو من الفئة التي ستبدأ ألمانيا بترحيلها إلى تونس وفق المفاوضات الأخيرة بين الحكومتين الألمانية والتونسية.
حاول أحمد الاتصال بنواب الشعب الممثلين للجالية التونسية هنا لكن إمكانية إيصال صوته باءت بالفشل، ما جعله يشعر بعدم الثقة تجاه الحكومة وممثلي البرلمان التونسي بالخارج.
ويصف بعض التونسيين الذين يعيشون وضعا مشابها لوضع أحمد أن الاتفاقية التي أبرمتها ألمانيا مع تونس في مجال الهجرة بأنها “عقاب جماعي” بعد أحداث كولونيا وبرلين.
ويقول بعضهم لمراسلون إن سياسة الفرز أي ”الرفض الآلي” لمطالب اللجوء التي يقدمونها تحد من إمكانية اندماجهم في المجتمع الألماني.
خطر اجتماعي
وعن سبب هذا الرفض يقول سامي شرشيرة السياسي الألماني من أصول مغربية والعضو المؤسس لـ”مجموعة عمل المسلمين في الحزب الاشتراكي الديمقراطي” إنه يوجد إجماع لدى الحكومات الفيدرالية الألمانية بأن المهاجرين المغاربة بصفة عامة والتونسيين بصفة خاصة هم فئة “تهدد السلم الأمني والاجتماعي في ألمانيا”.
وبعد تشديد الحصار على الشباب المغاربي بعد أحداث التحرش بكولونيا، تم تكثيف الحملة على الشباب التونسي بعد الحادث الإرهابي الذي تورط فيه التونسي أنيس العمري، وفق قوله.
وتفجر في ألمانيا منذ أشهر خصام بين الأحزاب السياسية حول مسألة اللاجئين وقدرة ألمانيا على استيعابهم وإدماجهم، خاصة بعد تدفق الآلاف منهم على امتداد الثلاث سنوات الأخيرة.
وتتهم أحزاب اليمين المتطرف في ألمانيا المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل باستيراد “خطر اجتماعي” في إشارة إلى اللاجئين. وتستعمل هذه الأحزاب الشباب المغاربي والتونسي خاصة كورقة رابحة للضغط والتعبئة الإعلامية والجماهيرية، حسب تصريح سامي شرشيرة.
وتستند تلك الأحزاب إلى تقارير أمنية ألمانية حول نسب جرائم اللاجئين في ألمانيا حيث تقول التقارير إن اللاجئين القادمين من دول شمال إفريقيا (تونس، المغرب والجزائر) “يحتلون المراتب الأولى في أعلى نسبة إجرام مقارنة بجنسيات أخرى”.
ولا تتجاوز حظوظ شباب شمال إفريقيا في قبول طلبات اللجوء نسبة 3% بعد أن قامت الحكومة الفيدرالية في وقت سابق بتصنيف دول المغرب العربي كدول آمنة.
لكن البوندسرات (المجلس الاتحادي الألماني) وهو الهيئة التشريعية التي تمثل المقاطعات ستة عشر من ألمانيا، قام منذ أيام برفض تصنيف المغرب والجزائر وتونس كدول آمنة وهو ما يعني رفض تسريع عملية طرد طالبي اللجوء من هذه الدول.
اتفاقية ملزمة
وعن الاتفاق الذي أبرمته ألمانيا وتونس بشأن تسريع ترحيل المهارجين غير الشرعيين يقول الديبلوماسي السابق ومستشار وزارة الخارجية سابقا في الشؤون الألمانية عبد الله العبيدي إن “فحوى الاتفاقية التي أمضت عليها تونس وألمانيا لم تخرج للعلن ولعل بعض البنود ليست واضحة بما فيه الكفاية”.
ومن المنتظر أن ترحل ألمانيا في الفترة القادمة إلى تونس أعدادا كبيرة من هذا الشباب (وعددهم 1500)، حسب العبيدي الذي يؤكد بأن تونس ملزمة باسترجاعهم وفق المعاهدات الدولية وأيضا وفق الفصل 25 من دستور تونس والذي ينص على حجر سحب الجنسية التونسية من أي مواطن أو تغريبه أو تسليمه أو منعه من العودة إلى الوطن.
وأعلنت المستشارة الألمانية ميركل عقب زيارتها إلى تونس في شهر مارس/آذار الجاري عن تخصيص مبلغ 250 ميلون يورو لدفع عجلة التنمية بالمناطق المهمشة في تونس مقابل خطوات محددة لتسريع إجراءات ترحيل التونسيين الذي يقيمون في المانيا بطريقة ”غير قانونية”.
وتنص الاتفاقية على الإسراع في ترحيل 1500 شاب من الفئة المذكورة سابقا، والتزام تونس بطلبات تحديد الهوية المرسلة من قبل السلطات الالمانية في اجل لا يتجاوز 30 يوما. كما تلتزم السلطات في تونس بإصدار الاوراق الثبوتية بعد اسبوع واحد من تحديد الهوية.