يواجه المتقاعدون في تونس هواجس اقتصادية باعتبار أن جراياتهم تصبح أقل قيمة مقارنة مع أجرهم الأصلي فيما يتغير نسق حياتهم الاجتماعية بحكم أن القانون التونسي يمنعهم من العمل في وظائف حكومية أو خاصة.
وتقول ليليا الورتاني أستاذة رياضة تقاعدت قبل أيام في حديث لمراسلون إن رجال التعليم في تونس يعانون قبل إحالتهم على التقاعد في سن 60 عاما وبعده من ظروف مادية صعبة بسبب تدني أجورهم وتراجع قيمة جرايات معاشهم الأمر الذي يجعلهم في حلقة مفرغة من التداين المستمر لتسديد نفقاتهم.
يواجه المتقاعدون في تونس هواجس اقتصادية باعتبار أن جراياتهم تصبح أقل قيمة مقارنة مع أجرهم الأصلي فيما يتغير نسق حياتهم الاجتماعية بحكم أن القانون التونسي يمنعهم من العمل في وظائف حكومية أو خاصة.
وتقول ليليا الورتاني أستاذة رياضة تقاعدت قبل أيام في حديث لمراسلون إن رجال التعليم في تونس يعانون قبل إحالتهم على التقاعد في سن 60 عاما وبعده من ظروف مادية صعبة بسبب تدني أجورهم وتراجع قيمة جرايات معاشهم الأمر الذي يجعلهم في حلقة مفرغة من التداين المستمر لتسديد نفقاتهم.
قلق متصاعد
وتؤكد هذه المدرسة أن مشروع القانون الذي تسعى الحكومة التونسية لتمريره بشأن التقليص من قيمة جرايات التقاعد ورفع سن المتقاعدين لامتصاص عجز الصناديق الاجتماعية “سيعمق من حالة الاحتقان لأن معاناة المحلين على المعاش ستزداد سوءا وراء سوء”.
وفي الآونة الأخيرة شهدت العلاقة بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة عمالية) توترا حادا بسبب الخلافات حول طريقة معالجة عجز الصناديق الاجتماعية التي بلغت مستويات قياسية قد تصل مستقبلا إلى عجز الحكومة صراحة عن تسديد رواتب المتقاعدين.
وكانت حكومة الحبيب الصيد (التي ستحل مكانها قريبا حكومة وحدة جديدة) قد طرحت مشروعا يتضمن التقليص من جرايات المحالين على المعاش والترفيع في سن الإحالة على التقاعد من 60 إلى 65 سنة وهو برنامج يراه اتحاد الشغل يزيد في تدهور وضع المتقاعدين.
وإزاء هذا التوجه تقول ليليا “سنواجه مصاعب كبيرة لتأمين نفقات عيشنا فالراتب الذي سأتقاضاه كمتقاعدة لن يكفي لتغطية مصاريف البيت لاسيما وأن زوجي متقاعد مثلي. نحن نواجه مصاريف يومية مرتفعة بينها نفقات أبنائي الذين يستكملون تعليمهم الجامعي”.
وهذا الوضع الصعب يشمل قرابة 700 ألف متقاعد. وسيزداد الأمر صعوبة بالنسبة إلى الذين اشتغلوا بالقطاع الخاص. وبحسب معطيات وزارة الشؤون الاجتماعية فإن47 بالمائة من متقاعدي القطاع الخاص تقدّر رواتبهم بين 150دينار (70 دولار) و348د (120دولار).
ولا يتعلق الأمر بالصعوبات المادية فحسب وإنما يواجه المحالون على المعاش مشاكل مرتبطة بتدني الخدمات الصحية ونقص حاد في الأطباء والأدوية في المستشفيات الحكومية التي تشكو من غياب برامج تعنى بصحة المسنين منهم التي غالبا ما تكون متدهورة.
كما لا يمكن تصور الظروف الرديئة التي يشكو منها عدد من المتقاعدين كبار السن من فاقدي السند العائلي والمادي والذين أضحوا عرضة يومية لمشاكل نفسية بسبب انقطاع روابطهم الأسرية في ظل ضعف ملحوظ لرعاية الدولة عن طريق مؤسساتها الاجتماعية.
وبينما تزداد صورة أوضاع المتقاعدين قتامة تفجر خلاف كبير بين الحكومة ومنظمة اتحاد الشغل النقابية حول سبل تجاوز الأزمة الخانقة التي تعصف بالصناديق الاجتماعية ومن ورائها الموظفين منذ سنوات لأسباب ترتبط بالبطالة وارتفاع نفقات المحالين عن المعاش…
وكحل لهذه المعضلة طرحت وزارة الشؤون الاجتماعية من جانبها مشروع قانون يقضي بالتمديد في سن التقاعد إلى 65 عاما والتقليص من رواتب المحالين على المعاش التي اعتبرتها سخية ويجب كإجراء استعجالي لتخفيف الضغط الكبير الذي تشكو من الصناديق.
وترجع الحكومة سبب هذا التمشي إلى تفاقم عجز الصناديق الاجتماعية. والعام الماضي بلغ عجز الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية (المخصص لأعوان الدولة والموظفين الحكوميين) نحو 426 مليون دينار (213 مليون دولار)، فيما بلغ عجز الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (المخصص لموظفي القطاع الخاص والحرفيين والتجار) 310 ملايين دينار (150 مليون دولار).
حل عقيم
لكن بعض المراقبين أكدوا أن الترفيع في سن التقاعد سيطيل عمر البطالة التي تعصف بالشباب التونسي، مشيرين في نفس الوقت إلى أن خصم رواتب المتقاعدين لتقليص نفقات الصناديق الاجتماعية سيزيد من جهة أخرى في ارتفاع نسبة التضخم المالي.
وتفاعلا مع هذا المقترح تقول ليليا إن هذه الحلول “غير منطقية”، معتبرة أن الخيار الأنسب لخفض عجز الصناديق هو حذف الامتيازات التي يتمتع بها أعضاء الحكومة وكبار الموظفين كالسيارات ووصولات البنزين والرحلات أو إقرار العزم على محاربة التهرب الضريبي.
وتقول “لسنا في حاجة للتمديد في سن التقاعد فذلك سيحرم الآلاف من الشباب من حقهم في العمل في بلد قام فيه الشباب بثورة للمطالبة بحقهم في الشغل والكرامة”.
في نفس السياق اعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية) أن ما تفكر فيه الحكومة لحل أزمة الصناديق الاجتماعية ينم عن “سياسة الهروب إلى الأمام” مفيدا بأنها “تقدم للرأي العام معلومات منقوصة وخاطئة لمحاولة فرض حلول أحادية”.
وحول رأيه هذه الأزمة يقول الدكتور بدر السماوي الخبير في التغطية الاجتماعية إن التوازنات المالية للصناديق الاجتماعية تشهد منذ سنوات اختلالا يهدد بصفة جدية التزاماتها تجاه منخرطيها، معتبرا أن الحلول التي قدمتها الدولة لا تساهم في حل أزمة الصناديق.
ويؤكد لمراسلون بأن مقترحات الحكومة “هي مجرد تأجيل للمشكل”، مشيرا إلى أنه من الضروري القيام بمراجعة شاملة لمنظومة الحماية الاجتماعية وترشيد نفقاتها وتنويع مصادر تمويلها بعد أن ثبت أنه لا يمكن مواصلة الاقتصار على المساهمات لتمويل الصناديق.
ويرى مراقبون بأن إصرار الحكومة على تمرير مشروع إصلاحاتها لمنظومة التغطية الاجتماعية سيغذي غضب المتقاعدين المسنين والشباب على حد سواء وهو ما قد يصل إلى تنظيم تحركات احتجاجية بدأت تظهر بوادره مؤخرا مع انطلاق مسيرات للفت انتباه الحكومة.