“قم بذلك بنفسك ولا تتحدث إلى الممرضة!!” هكذا صرخ أحد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في وجه (ط.ع) فني الأشعة الذي كان يعمل بمستشفى ابن سينا في مدينة سرت وسط الساحل الليبي، وذلك حين طلب من زميلته تمرير شريط الأشعة من تحت مريض بينما يحمله ليقوم بتصويره في قسم العناية الفائقة.
“قم بذلك بنفسك ولا تتحدث إلى الممرضة!!” هكذا صرخ أحد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في وجه (ط.ع) فني الأشعة الذي كان يعمل بمستشفى ابن سينا في مدينة سرت وسط الساحل الليبي، وذلك حين طلب من زميلته تمرير شريط الأشعة من تحت مريض بينما يحمله ليقوم بتصويره في قسم العناية الفائقة.
يقول فني التصوير إن عناصر التنظيم كانوا يمنعون الرجال من الحديث إلى النساء داخل المستشفى، ويفرضون على الطبيبات والممرضات “اللباس الشرعي”، فضلاً عن كونهم لا يحترمون حاجة الموظفين للراحة بعد الدوام، بل كانوا يستدعونهم في أيام الراحة وفي ساعات متأخرة من الليل، وطبعاً لم يكن كثير من الموظفين يجرؤ على مخالفة الأوامر.
الدوام أو الشرطة
هذا الكلام أكدته لـ”مراسلون” الدكتورة (أ.م) وهي طبيبة نساء وتوليد فبحسب قولها كان عناصر التنظيم يقبضون على كل شخص يعمل بالمستشفى اذا لم يداوم بعمله “داوم بعملك أو تأتي الشرطة الإسلامية لبيتك” تقول الطبيبة.
وبحسب الدكتور يونس بن شرادة مساعد مدير مستشفى ابن سينا فإن تنظيم الدولة الإسلامية بسرت فرضوا ساعات عمل بالمستشفى على كافة العناصر الطبية التابعة لقطاع الصحة بالمدينة، وفرضوا أيضاً اللباس الشرعي على العناصر النسائية وهو عبارة عن عباءة واسعة وخمار يغطي الوجه.
في نوفمبر 2015 حسب بن شرادة قبض تنظيم الدولة على عدد من أفراد الطاقم الطبي بالمستشفى، وسجنهم بسجن مقر الشرطة الإسلامية الذي كان مقراً لمصرف ليبيا المركزي بوسط سرت، وذلك بتهمة الانقطاع عن العمل والإهمال بالمستشفى، وكان عددهم أربعة عناصر تم الإفراج عنهم بعد كتابة تعهد، يقول المسؤول.
الأخوات مسلحات
تخويف العاملين بالمستشفى تجاوز حدود التهديد بالشرطة، حيث تروي (أ.م) أنه ذات يوم جاءت إلى المستشفى سيدة تتبع للتنظيم في حالة وضع ومعها مرافقة تونسية الجنسية، وعندما طلب الممرضون من المرافقة الانتظار في الصالة محاولين منعها من دخول قسم الولادة “سحبت عليهم بندقية، وهددتهم بالسلاح ودخلت”.
ما كان من الممرضين حسب الطبيبة إلا الاتصال بمسؤول المستشفى التابع للتنظيم ويدعى أبو مالك السوداني، فاتصل بدوره بديوان الحسبة الذين جاؤوا إلى المستشفى وأخرجوا المرافقة بالقوة.
السوداني مسؤول المستشفى حسب (ط.ع) هو واحد من أربعة أطباء يتبعون التنظيم، ثلاثة منهم من جنسيات عربية أبو مالك السوداني مسؤول المستشفى وطبيب تونسي مسؤول عن قسم العناية الفائقة وآخر مصري مسؤول عن الأدوية وتوفيرها، أما الرابع الليبي الذي لا يملك أي منصب فهو طالب في كلية الطب لم يكمل دراسته بعد.
غزوات الأدوية
التنظيم كان يوفر الأدوية عن طريق ما يسمونه بـ”الغزوات”، والتي يستولون فيها على الشاحنات التابعة للدولة التي تنقل الأدوية عبر الطريق الساحلي الموازي لمدينة سرت بحجة أنها دولة كافرة مرتدة حسب (ط.ع)، وبعد إقفال الطريق الساحلي أصبح الدواء يدخل إلى المدينة عن طريق التهريب عبر طرق الأودية والبلدات الصغيرة المجاورة مثل الوقود، فاضطر التنظيم لشرائه من الصيدليات “ولكن في الآونة الأخيرة أصبح التنظيم يأخذ الدواء من الصيدليات ويتخلف عن دفع مستحقاته” يقول (ط.ع).
قبل كل هذا قام التنظيم بالاستيلاء على مخزن الدواء الخاضع للمستشفى ونقله إلى الأقسام التي يسيطر عليها داخل المستشفى، وترك المواطنين يعانون من قلة الدواء بحجة أن هذا الدواء من أجل المجاهدين.
الأقسام التي يسيطر عليها التنظيم داخل المستشفى حسب عدد من العاملين فيه هي قسم الجراحة رجال ونساء، وقسم الأطفال، والعناية الفائقة، والقسم الخاص، كل هذه الأقسام يستخدمها التنظيم لصالحه ولا يدخلها أحد من الطاقم الطبي إلا باستدعاء، وتستخدم في إيواء وإعاشة عناصر التنظيم وجزء منها يستخدم كإدارة وليس هناك معلومات حول ما يدور داخل هذه الأقسام.
ليس للعوام!!
الأطباء التابعون للتنظيم لا يقومون بالكشف على عوام الناس حتى لو كانت الحالة طارئة، فقط يقومون بعلاج العناصر التابعة لهم، وحسب الدكتورة (أ.م) فإن التنظيم استجلب عناصر تابعة له من الجنسية المصرية ليعملوا في قسم التحاليل الطبية، وهؤلاء يقدمون خدمة التحاليل للمرضى بمقابل وليس مجاناً لعامة الناس كما كان الأمر في السابق.
“لم يعد من الممكن العمل في هذا المستشفى” تقول الدكتورة (أ.م) التي واصلت عملها دون انقطاع لفترة طويلة بسبب إحساسها بحاجة المواطنين للمساعدة، حيث لا مستشفى آخر لديهم كي يلجؤوا إليه، أما الآن وقد أصبح الحال هكذا “وخاصة من ناحية التعقيم وعدم وجود ممرضين أو ممرضات” خرجت الطبيبة من المستشفى ومن المدينة كلها.
وفي الوقت الذي تدور فيه المعارك داخل المدينة اليوم لتحريرها من تنظيم الدولة الإسلامية على يد قوات عملية “البنيان المرصوص” المشكلة من قبل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني في شهر مايو الماضي، يسعى بن شرادة جاهداً هذه الأيام للحصول على دعم من قبل المنظمات الدولية المهتمة بالشأن الليبي، بهدف وضع خطة لاستئناف العمل وإعادة الخدمات العلاجية بالمستشفى.
كذلك السلطات المحلية في المدينة المتمثلة في المجلس البلدي سرت، لازالت في تواصل مستمر مع الجهات الحكومية وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا حسب الدكتور فتحي الخراز مستشارالمجلس البلدي الذي أكد لـ”مراسلون” أن هناك خططاً جاهزة بالتعاون مع الجهات ذات الاختصاص لتوفير كافة الاحتياجات الإنسانية التي تحتاجها سرت بشكل عاجل، وإن كان كل ما حصلوا عليه حتى اللحظة هو وعود فقط، فإنه يأمل في تعاون كبير من قبل المنظمات الدولية لإعادة الحياة للمدينة بعد تحريرها.