يقضي بدو تونس شتاءهم في مواطنهم الأصلية التي غالبا ما تكون ولايات الوسط والساحل التونسي ثم ينتقلون صيفا إلى الشمال الغربي بحثا عن العشب لقطعانهم التي تمثل مصدر رزقهم الوحيد.
وتتميز حياة تلك القبائل بالترحال من الجنوب إلى الشمال صيفا ومن الشمال إلى الجنوب شتاء بحثا عن عوامل طبيعية تناسب خصوصية عيشهم. ويستعينون أثناء ترحالهم في ليالي الصيف بضوء القمر حاملين معهم أمتعتهم وهو ما جعل اسم “نجع قمرة” يلتصق بهم.
يقضي بدو تونس شتاءهم في مواطنهم الأصلية التي غالبا ما تكون ولايات الوسط والساحل التونسي ثم ينتقلون صيفا إلى الشمال الغربي بحثا عن العشب لقطعانهم التي تمثل مصدر رزقهم الوحيد.
وتتميز حياة تلك القبائل بالترحال من الجنوب إلى الشمال صيفا ومن الشمال إلى الجنوب شتاء بحثا عن عوامل طبيعية تناسب خصوصية عيشهم. ويستعينون أثناء ترحالهم في ليالي الصيف بضوء القمر حاملين معهم أمتعتهم وهو ما جعل اسم “نجع قمرة” يلتصق بهم.
“مراسلون” رافق إحدى قبائل البدو عند تنقلها إلى الشمال التونسي حيث بدأوا منذ أيام بنصب خيمهم الصحراوية.
يقول محمد الخذيري وهو شيخ إحدى قبائل البدو الذين التقينا بهم إن موسم هجرة البدو نحو الشمال بدأ منذ أيام وأنه أمر أبناءه بنصب الخيم وتركيز خزانات الماء وتشييد أسيجة من الأسلاك الشائكة للقطعان.
ويهيئ هؤلاء البدو المكان في انتظار التحاق بقية “النجع” من نساء وأطفال بأفراد القبيلة بعد انتهاء السنة الدراسية وإكمال أغلب أولادهم الموسم الدراسي.
يضيف هذا الشيخ السبعيني الذي تركت مشقة الترحال آثارها على بشرته إن قبائل البدو ما زالوا يحافظون على نفس طريقة العيش منذ قرون ولم تغريهم التكنولوجيات الحديثة بتغيير نمط حياتهم. لكنه يستطرد قائلا إن مخاطر الإرهاب والمضايقات التي يتعرض لها قبائل البدو من قبل قطاع الطرق قد يجبرهم يوما على الاستقرار في المدن لتندثر معهم قصة البدو في تونس.
نشاطات متنوعة
تعد تربية الأغنام النشاط الرئيسي لهذه القبائل، إلا أن موارد رزقهم متنوعة ولهم عدة أعمال موازية ترتبط أساسا بالنشاط الفلاحي.
فهم يبيعون حليب الأغنام لمصانع الأجبان في الربيع ويبيعون حليب الناقة للباحثين عن الشفاء من مرضى السكري والسرطان.
تؤكد زوجة شيخ القبيلة أن لها زبائن يأتون لشراء حليب الإبل من حدود الجزائر، وهم أيضا يؤجرون بعضا من الجمال التي تربيها القبيلة في مواسم الأفراح تماشيا مع عادة أهل الشمال الغربي.
كما يقوم أفراد القبيلة وفق شيختها بمشاركة الفلاحين في الجهة في الحصاد بالطرق التقليدية في الأراضي الوعرة التي يتعذر فيها دخول الآلات.
يقوم أهالي القبيلة بتسويق مواشيهم في الأسواق الأسبوعية للدواب أو في مواطن إقامتهم، حيث يبرمون الصفقات بآلاف الدنانير مع القصابين والوسطاء، ما أكسبهم خبرة كبيرة في عقد هذه الصفقات.
ويتابع محمد الخذيري أن قبيلته تبيع سنويا بمعدل 400 خروف إضافة إلى بيع الجمال و”القعود” (جمل صغير لا يتجاوز عمره الثلاثة أشهر ويتراوح سعره بين 800 و1000 دولار).
بياطرة بلا شهادات
تمرسهم بمهنة تربية الأغنام والإبل والماعز جعل منهم أطباء بياطرة دون شهادات علمية، فرئيس القبيلة وكافة أبنائه يجيدون فحص الماشية ويساعدونها على الولادة في الحالات المستعصية.
هم أيضا يكشفون عن الحمى القلاعية واللسان الأزرق وغيرها من الأمراض الأخرى التي تصيب القطعان، وفق ما أكده محمد الخذيري.
خبرتهم هذه جعلتهم أيضا محل استشارة من قبل باقي مربي الماشية الذين يستعينون بهم في الرعي إزاء مقابل مادي أو قطعة أرض يستغلونها في الرعي من بقايا موسم الحصاد.
ويمثل بقايا موسم الحصاد الغذاء الأمثل للأغنام في الصيف، في حين يتم اللجوء إلى الأعلاف الأخرى على غرار الشعير و”القصيبة” في الشتاء، وهي حسب أهالي النجع ذات كلفة عالية وتثقل كاهلهم بالمصاريف.
أعداء القبيلة
خلال هذه الفترة تقوم قبائل البدو بعقد صفقات لبيع الخراف حتى تتمكن من جمع الأموال الكافية لمجابهة مصاريف الأشهر القادمة.
لكن محمد الخذيري رئيس القبيلة يقول إن أهل النجع أصبحوا يخيرون نقل قطعان أغنامهم على متن شاحناتهم بشكل جماعي خوفا من قطاع الطرق أو الارهابيين الذين يتسللون إلى الضيعات بحثا عن الأكل.
وسبق أن استهدف إرهابيون قطعان الرعاة وحاولوا بأسلحتهم إجبارهم على تمكينهم من المؤونة وصرف أعين الأمنيين عنهم.
ويشتكي محمد خذيري من غياب وسائل الحماية الكافية لهم ولمشايتهم فهم ممنوعون من حمل السلاح رغم مطالبهم في أكثر من مرة من رخص بندقيات تساعدهم على حماية أنفسهم إلا أن القانون يمنعهم من ذلك.
ويؤكد شيخ القبيلة أنهم يشعرون جيدا بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم في الظروف الأمنية الصعبة التي تمر بها البلاد، مشيرا إلى أنه لن يتوانى عن إخطار قوات الأمن بأي تحركات مشبوهة يمكن أن يلاحظها في منطقته.
ويعتبر الشيخ أن مقاومة الإرهاب ليست مسؤولية الأمن بمفرده، مفيدا بأن الرعاة لديهم دور مهم في الكشف عن الخلايا الإرهابية المتحصنة بالجبال “شرط أن توفر لهم قوات الأمن الحماية اللازمة”.
وبالإضافة إلى خطر الارهاب لا تخلو حياة أهل “نجع قمرة” من مخاطر تعرض قطعانهم للنهب من قبل قطاع الطرق ولصوص الماشية.
وزيادة على ذلك يخشى أهل القبيلة أمطار الخريف التي تجرف ما ادخروه من مأونة على امتداد أشهر الصيف، ما يجعلهم يستعجلون الرحيل مع بداية فصل الخريف.
ورغم تعدد وثراء الأنشطة الاقتصادية لقبائل البدو في تونس، إلا أن الجهات الرسمية لا تمتلك أي إحصائيات عن عدد هذه القبائل التي اختات الجبال والبراري والصحاري مكانا لإقامتها على الرغم من ظاهر الوحشة والقفار التي تحيط بتلك المواقع.