”تخيل واحد مقبضش مرتبه من ٨ شهور يعمل إيه يكون إرهابي؟، ولا يسرق؟ ولا يعمل إيه؟“ بهذه العبارة بدأ الاستاذ محمد عبد الرحمن محاسب بالشركة العقارية المصرية، التابعة للشركة القابضة لأبحاث المياه الجوفية، واستصلاح الأراضي التابعة لوزارة الزراعة، حديثه لـ ”مراسلون“ من أمام مقر الشركة بشارع عبد الحميد سعيد، بجوار سينما اديون بوسط القاهرة، حيث يعتصم هو والعشرات من عمال الشركة، احتجاجًا على عدم صرف رواتبهم.
”تخيل واحد مقبضش مرتبه من ٨ شهور يعمل إيه يكون إرهابي؟، ولا يسرق؟ ولا يعمل إيه؟“ بهذه العبارة بدأ الاستاذ محمد عبد الرحمن محاسب بالشركة العقارية المصرية، التابعة للشركة القابضة لأبحاث المياه الجوفية، واستصلاح الأراضي التابعة لوزارة الزراعة، حديثه لـ ”مراسلون“ من أمام مقر الشركة بشارع عبد الحميد سعيد، بجوار سينما اديون بوسط القاهرة، حيث يعتصم هو والعشرات من عمال الشركة، احتجاجًا على عدم صرف رواتبهم.
ويستكمل عبد الرحمن ”١٥٠٠ عامل مقبضوش مرتباتهم من ٨ شهور، متوسط الأجر بيوصل بعد الحوافز والعلاوات لــ ١٠٠٠: ١٥٠٠ جنيه (١ جنية المصري = ١١ سنت أمريكي)، وكانت الحوافز (الأجر المتغير) هي اللي بترفع المرتب شوية، فوق الراتب الأساسي (الذي يصل بين ٥٠٠جنيه، و٧٥٠ جنيه)، دلوقتي لا بناخد الحوافز وحتى الأساسي مش لقينه.“
زميله السيد علي، عامل نجارة بالشركة، يكمل لـ ”مراسلون“ موضحًا ”من يوم ٢١ مارس وإحنا عاملين اعتصام ولحد النهاردة محدش سأل فينا “. وكيف كانت استجابة إدارة الشركة، سألنه. ”من بداية الاعتصام مفيش رد فعل من الإدارة، مدير مجلس الإدارة رد علينا وقالنا مفيش فلوس.“ يجيب السيد علي.
الشركة العقارية المصرية، شركة قديمة تأسست في نهاية القرن التاسع عشر وهي من الشركات الرائدة في إصلاح الأراضي تمهيدا لزراعتها أو لإقامة منشآت عليها، عمل مديرًا لها الاقتصادي المصري طلعت حرب الذي سعى لتمصيرها حتى أصبحت غالبية أسهمها للمصريين، وذلك في أعقاب الصحوة الاقتصادية الوطنية التي دشن لها مع إنشاءه لبنك مصر- في فترة ما بين الحربين العالميتين- أول بنك وطني يُأسس في وقت الاحتلال البريطاني، لتكون مع غيرها من شركات أخرى مولها بنك مصر نواةً لقطاع خاص وطني راح يتنامى أمام هيمنة الشركات الأجنبية.
وفي عهد ناصر أُممت الشركة مع باقي الشركات لتنضم تحت مظلة رأس مال الدولة داخل قطاع عام وطني حقق نموًا أقتصاديًا بلغ قدره ٧٪ سنويًا من عام ١٩٥٧-١٩٦٧ بحسب تقارير البنك الدولي، ولم تترك الدولة للقطاع الخاص إلا مساحة ضئيلة في حين احتكرت هي باقية السوق.
ولم يتغير المشهد إلا مع نهاية الثمانينات حين بدأت ملامح الضعف تبدو على معدلات نمو الاقتصادي المصري، وفي عام ١٩٨٧ توقفت مصر عن دفع دٌيونها الخارجية ودخلت مع البنك الدولي برنامج تثبيت مدته ١٨ شهر لإعادة جدولة الديون المتراكمة، إلا أن ذلك لم يحقق النتيجة المرجوة من ورائه وتعثرت مصر ثانية عن دفع ديونها في عام ١٩٩١، وهو ما أدى لدخول مصر في إتفاقية مع البنك الدولى لمدة ثلاث سنوات على مرحلتين، مرحلة تثبيت ومرحلة سياسات التكيف الهيكلي، فيما عرف بالخصصة.
وفي أوائل عام ١٩٩٢، تحول القطاع العام فى مصر إلى قطاع للأعمال بموجب القانون رقم ٢٠٣ لسنة ١٩٩١، وأعلنت الحكومة عن اعتزامها التخلص من أنصبتها فى ملكية شركات القطاع العام، وضمن برنامج الخصخصة آلت ملكية الشركة العقارية المصرية للعاملين بها في عام ١٩٩٤، وبالتالي صارت الشركة غير خاضعة للجهاز المركزى للمحاسبات، ولا لأي رقابة أخرى.
”الخراب جه من الخصخصة، مفيش آلات للعمل، ولا إصلاح ولا مشاريع جديدة، الشركة شغالة عشان تدفع رواتب المديرين لكن العمال لأ. “ يقول محمد عبدالله، عامل إداري بالشركة، لـ ”مراسلون“ ”للأسف الفساد هو اللي بيحكم الشركة. “
”في أي حتة في الدنيا الدولة لم بتقوم بالخصخصة بتعمل عملية إصلاح أو إعادة هيكلة للشركة التي تنوي بيعها، وتساعدها على تجاوز عثرتها وتقدمها للمستثمر، أو حتى للعاملين بالشركة أو لنقابتهم، كشركة قادرة على الانتاج والعمل ولكن بسعر أقل إلى حد ما من القيمة السوقية المطروحة “ يقول الكاتب والباحث الاقتصادي وائل جمال لـ ”مراسلون“.
ويضيف ”وبعد عملية الخصخصة لا تُترك الشركة بلا رقابة، في أمريكا اللاتينية تخضع الشركات اللي تمت خصخصتها للرقابة من الأطراف المعنية، مواطنين، مؤسسات مجتمع مدني، وجمعيات بيئية، بهدف رفع مستوى الكفاءة “
في عام ٢٠١٠ طالبت النقابة العامة للعاملين بالزراعة والرى الحكومة بضرورة التدخل لوقف إجراءات بيع أصول الشركة العقارية المصرية من قبل رئيسها في ذلك الوقت الذي قام منفرد ببيع أصول الشركة بالإسكندرية لحساب أقاربه ومعارفه دون مراعاة الإجراءات القانونية التى تنص على إتمام إجراءات البيع عن طريق المزاد العلنى.
وبالفعل عادت ملكية الشركة للدولة، واستكملت مشروعاتها الضخمة خارج حدود مصر، حيث شاركت فى إنشاء الخزانات وبعض السدود العملاقة ضمن مشروع النهر الصناعى فى ليبيا. ”الأزمة الكبيرة اللي أثرت على موارد الشركة المالية حصلت في ٢٠١١ بعد ثورة ليبيا وتوقف فرع الشركة هناك “ يقول محمد عبدالله.
فى ٢٢ يناير ٢٠١٢ أصدر الدكتور كمال الجنزورى رئيس الوزراء السابق قراره رقم ١٠٦ لسنة ٢٠١٢ لإنشاء الشركة القابضة لاستصلاح الأراضى وأبحاث المياه الجوفية، لتتبعها ٦ شركات هي الشركة العقارية المصرية لإستصلاح الأراضي وشركة وادي كوم أمبو وشركة مساهمة البحيرة والشركة العامة لإستصلاح الأراضي والتنمية والتعمير والشركة العامة للأبحاث والمياه الجوفية (ريجوا).
وفي ٣١ مارس ٢٠١٣ أسست الشركة القابضة برأسمال قدره ٢٠ مليون جنيه، وفى ٣٠ يونيو ٢٠١٤ عقدت جمعية عمومية عادية وغير عادية لإعادة أسهم العاملين بالشركة، وفي سبتمبر ٢٠١٤ تم شطب اتحاد سوق المساهمين من هيئة سوق المال ورجعت الشركة مرة أخرى للقانون ٢٠٣ لسنة ١٩٩١.
ومع عودة الشركة لقطاع الأعمال العام بدأ مسلسل تأخر رواتب العمال، وتكررت اعتصامات العاملين في الشركة للمطالبة بحقوقهم، وفي فبراير الماضي دعى شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء الحالي، لوضع دراسة شاملة لإعادة هيكلة الشركة القابضة لإستصلاح الأراضي وأبحاث المياه الجوفية وفق جداول زمنية محددة، وذلك لإقالتها من عثرتها حيث أنها تضم أصول كبيرة تمكنها من القيام بدورها في عمليات استصلاح الأراضي والتنمية من خلال وضع خطة معتمدة لعمل الشركة وإدارتها بطريقة اقتصادية تضمن سداد مديونياتها وإصلاح معداتها المعطلة وسداد أجور العاملين بها وإستمراريتها.
الآن يعود مسلسل تأخر الرواتب ثانية حيث لم يحصل العاملين الذين تم تقلصيهم إلى ١٥٠٠ عامل على رواتبهم الأساسية منذ ٨ شهور. ”المشكلة الأساسية إن الدولة مبتسألش فينا “ يقول محمد عبد الرحمن
”السجل بتاع الخصخصة في مصر مضاد للعمال بطرق مختلفة، “ يقول وائل جمال ويضيف ”التركيز دايمًا كان على التظبيط المالي من خلال التخلص من العمالة الزائدة، عن طريق المعاش المبكر، وده أثر بالسلب على العمال حتى لو أخدوا فلوس كويسة لأنهم في النهاية بيكونوا من غير شغل، ده غير الآثار الاجتماعية“.
”فيه أكتر من ٢٥٠ حالة طلاق حصلت بين العمال ده بخلاف المشاكل العائلية في بيوت باقي العمال بسبب ضيق الحالة المالية “ يقول محمد عبد الرحمن ويضيف ”ده غير وجود أكتر من ٤٠٠ حالة وفاة بين عمال الشركة من ذوي الأمراض المزمنة زي الفشل الكلوي وغيره بسبب عدم وجود فلوس للعلاج، مفيش حتى فلوس لعلاج الموظفين.“