في عمق قلب القاهرة وتحديدا في حي العتبة التجاري والتاريخي أيضا، يفتح مطعم الخرطوم أبوابه مستقبلا زواره من السودانيين والمصريين بجدران زينتها ألوان الزمن.
يقول عم صلاح محمد البشير، السوداني الجنوبي ومؤسس المطعم: “كانت البداية منذ 28 عاما حين قررت الفرار من الاضطرابات والنزاعات في جنوب السودان”.
في عمق قلب القاهرة وتحديدا في حي العتبة التجاري والتاريخي أيضا، يفتح مطعم الخرطوم أبوابه مستقبلا زواره من السودانيين والمصريين بجدران زينتها ألوان الزمن.
يقول عم صلاح محمد البشير، السوداني الجنوبي ومؤسس المطعم: “كانت البداية منذ 28 عاما حين قررت الفرار من الاضطرابات والنزاعات في جنوب السودان”.
لكن الهروب من الاضطرابات لا يعني أن تنسى شغفك بالمطبخ السوداني. هذا ما فعله عم صلاح عندما اصطحب معه عددا من الفتيات السودانيات اللاتي يُجدن إعداد أكلة “الكِسرة” السودانية، ثم اشترى الأفران اللازمة، وأخيرا أسس مصنعا لإعداد أطباق “الكِسرة” في عام1987.
أول مطعم للأكلات السودانية بمصر
يقول صلاح: “استمر المصنع ناجحا حتى 1989 ثم تحول إلى مطعم الخرطوم الذى يقدم كل الأطباق السودانية”. بذلك أصبح “الخرطوم” أول مطعم يقدم الأكلات السودانية في مصر.
امرأة تجوب المطعم بجسدها الرشيق، وتلقي بالتحيات على الزبائن، بينما تغطي وجهها ابتسامة شابة تخفي ورائها 50 ربيعا وعمرا كاملا قضته في القاهرة وتحديدا في مطعم الخرطوم. هي “بتول” زوجة مؤسس المطعم ومديرته الفعلية حاليا. هذا الوصف لا يوفي “بتول” حقها فهي أيضا ناشطة اجتماعية سودانية دأبت على دعم اللاجئين السودانيين ومساندتهم، ونشر مقالاتها في العديد من المواقع السودانية.
“بتول” سفيرة اللاجئين
تقول بتول: “مطعم الخرطوم تجاوز كونه مطعم يقدم الوجبات السودانية لمحبيها، بل هو تجمع وملتقى للسودانيين، وموطئ قدم لكل من يأتي من السودان باحثا عن سكن أو عمل أو قريب له في مصر”. وتضيف: “هنا يتجمع أيضا النشطاء في مجالات حقوق الانسان خاصة الأجانب منهم ممن يعلمون في الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى، حتى أنهم صاروا أصدقاء مقربين ندلهم على من يحتاج المساعدة”.
المطعم الذي يفتح أبوابه من العاشرة صباحا وحتى العاشرة مساء، يعج بالزبائن طوال الوقت رغم مساحته الضيقة.
فندق لمن يحتاجه
في أحد أركان المطعم يوجد درج صغير يقودك إلى فندق يقع أعلى المطعم، وهو جزء لا يتجزأ من مطعم الخرطوم، وملجأ وبيتاً للسودانيين الباحثين عن سكن، سواء امتلكوا ثمن تأجيره أم لا.
تحكي بتول: نقدم الوجبات السودانية للأجانب من النشطاء وأصدقائهم، وهم عادة يحبون “العصيدة” و”الحلو مر” و”الإبري الأبيض”، بينما يفضل المصريون “التقلية” و”العصيدة” و”القراصة” و”الكسرة”. مطعمنا أيضا يتواجد بأطباقه السودانية التقليدية في الأفراح السودانية الكبيرة بكل رحابة صدر، فنحن أهل نقف جوار بعضنا دوماً.
تحكي بتول عن دور المطعم وإنعكاسه على حياة السودانيين في مصر، وتقول:”عندما أسسنا المصنع ثم المطعم لم يكن للسودانيين تجارة ثابتة في مصر رغم عددهم الكبير هنا”. وتضيف “لم يفكروا في تأسيس كيان على الارض والتجار كانوا مجرد (تجار شنطة) وعددهم محدود يبيعون للمصريين الحنة وبعض البهارات السودانية فقط”.
وتقول مديرة المطعم”عندما بدأنا العمل في مطعم الخرطوم تجمع حولنا السودانيون، وكأننا فرشنا سجادة حمراء.. السجادة تحولت إلى شارع طويل ملىء بالتجار والمقاهي السودانية”.
شجعت بتول وزوجها السودانيين على فتح محلات لهم بالمنطقة، ومع مرور الوقت زاد نشاطهم وباتوا يبيعون كل ما يخطر على بالك من منتجات سودانية.
تقول بتول: “ساعد المطعم والفندق في استقبال اللاجئين والتجار السودانيين.. السودانيون هنا يقرضون بعضهم البعض، ونوفر السكن لهؤلاء الذين يأتون فارين من ويلات النزاعات السياسية”.
مطعم الشعراء والأدباء السودانيين
تبدي سيدة المطعم سعادتها بافتتاح عشرات المطاعم السوادنية في القاهرة، لكنها تستدرك قائلة: “رغم ضيق المكان يبقى لمطعم الخرطوم مكانته، فهو سفارة شعبية للسودانيين”. وتكمل:” لقد كان المطعم يقيم الأمسيات الفنية التي تجمع الأحباب من مثقفين ومشاهير ويجلسون معا مع أبناء شعبهم دون تفرقة، فالشاعر أزهري محمد علي والتاجي موسى وأبو قطاطي والفاتح حمدتو والسرقدور والقلع وصلاح بن البادية وغيرهم الكثير من فناني السودان.
في المناسبات الوطنية السودانية، وأبرزها عيد الاستقلال يتحول مطعم الخرطوم إلى ساحة احتفال مصغرة.
تمر السنون وتزداد مكانة مطعم الخرطوم بين السودانيين في القاهرة لكن يبقى في رأس صلاح وبتول حلما لم يتحقق بعد. مطعم اخر يحمل أيضا نفس الاسم لكن هذه المرة في جنوب السودان.
“الخرطوم”.. هنا مطعمي وبيتي وأهلي
في اخر طاولة بالمطعم، يجلس شاب وكله تركيز على ما يقوله أصحاب المطعم. عادل الشاب العشريني الذى جاء من السودان منذ عام نصف. يقول:”أحب أن أكون هنا.. ليس فقط لأن الأكل رخيص ويناسب المال القليل الذي نجنيه، لكن لأنه يذكرني بالوطن، كمان أن بتول وصلاح ساعداني عندما أتيت إلى مصر لأول مرة، ووفروا لي سكنا وعملا.. أعمل الآن في أحد المقاهي السودانية في حارة السودان، هم بالنسبة لي كالأهل”.
لا يتوقف على الشاب السوداني عن إبداء إعجابه بالمكان. ويقول: “تراث كبير يجب الحفاظ علية وفيه ألتقي بكل من هو مشتاق إلى الوطن”.
ليس الحنين إلى الوطن وحده إلى يقود علي إلى مطعم الخرطوم، بل ذكرياته مع زوجته الأجنبية التى تعرف عليها لأول مرة في المطعم عندما جاءت إلى المكان مع صديقتها السودانية. ويعتقد علي أن “إعداد الطعام هو اخر ما يقدمه المطعم ضمن قائمة طويلة من الخدمات يوفرها للسودانيين في مصر دون مقابل”.
ينشر هذا المقال بالتعاون مع موقع قل