لم يكن أكرم الحامدي (32 عاماً) إرهابياً أو تاجر مخدرات. ذنبه الوحيد هو أنه واحد من بين آلاف الشباب الذين يطلق عليهم اسم “مهاجر غير شرعي”.
في 17 أيلول/ سبتمبر الماضي وجد أكرم نفسه مقيدا بالسلاسل، رفقة تونسيان آخران، على متن طائرة تضم عديد رجال الشرطة السويسريين لمرافقتهم إلى تونس.
قبل أن يقرر هذا الشاب الهجرة لأوروبا كان يدير متجرا صغيرا لبيع الملابس، وهي مهنة بدأ احترافها منذ طفولته، إذ كان عليه أن يساعد عائلته الفقيرة متعددة الأفراد.
لم يكن أكرم الحامدي (32 عاماً) إرهابياً أو تاجر مخدرات. ذنبه الوحيد هو أنه واحد من بين آلاف الشباب الذين يطلق عليهم اسم “مهاجر غير شرعي”.
في 17 أيلول/ سبتمبر الماضي وجد أكرم نفسه مقيدا بالسلاسل، رفقة تونسيان آخران، على متن طائرة تضم عديد رجال الشرطة السويسريين لمرافقتهم إلى تونس.
قبل أن يقرر هذا الشاب الهجرة لأوروبا كان يدير متجرا صغيرا لبيع الملابس، وهي مهنة بدأ احترافها منذ طفولته، إذ كان عليه أن يساعد عائلته الفقيرة متعددة الأفراد.
تحمله لمسؤولية عائلته وبحثه عن طريقة للهجرة لأوروبا لم يصرفه عن الانشغال بالشأن السياسي والاجتماعي خاصة أعقاب اندلاع الثورة التونسية. فقد التحق عام 2007 بمجموعة راب تونسية كانت تطلق على نفسها “أرمادا بيزرتا”، ومعها بدأ بكتابة الأغاني والمشاركة في تلحينها.
يقول لـ”مراسلون” إنه استطاع في تلك الفترة “الالتحام أكثر بالشباب المتعطش إلى كلمات الراب الثائرة والتي تبث نفسا متمردا يغذي غضبهم ضد السلطة”.
مجموعة الراب تلك كانت تحاول دوما أن تحذر الشباب التونسي من الإلقاء بنفسه في المخاطر مثل الهجرة السرية في قوارب الموت إلى أوروبا، لكن أكرم نفسه لم يأخذ بتلك النصيحة. ومع أنه لم يفكر يوما في مغادرة البلاد بطريقة سرية فإن وضعه المتردي دفعه إلى “الحرقة” فتغيرت حياته نحو الأسوأ.
يقول أكرم إنه حاول الهجرة باتجاه إيطاليا عبر البحر من سواحل مدينة جرجيس (جنوب تونس) التي طالما انطلقت منها رحلات سرية كثيرة بعد الثورة دون أن ينجح في ذلك.
وعندما تحقق حلمه بالوصول لأوروبا بعدما حصل على تأشيرة ذهاب إلى فرنسا لتقديم عرض موسيقي، عدل عن رغبته في البقاء وقرر العودة لبلده، وهي عودة تزامنت عام 2013 مع أزمة سياسية مستفحلة في تونس تميزت بتوترات أمنية واجتماعية واعتداءات على الحريات طالت حتى بعض مغني الراب.
عندها قرر أكرم العودة مجددا إلى أوروبا قبل أن تنتهي مدة التأشيرة، فسافر إلى مدينة مرسيليا ثم إلى مدينة ميلانو الإيطالية التي أقام فيها لنحو عام، قبل أن يتجه لسويسرا ويطلب اللجوء السياسي.
“هناك بدأ الكابوس الحقيقي”، يقول، “فقد تمكنت من الحصول على وثائق إقامة مؤقتة في سويسرا لكني اكتشفت بأن رحلتي ستتأزم مع أول أيام إقامتي بمركز إيواء يعج بمهاجرين عرب وأفارقه وألبان وآسيويين”. وعلى الرغم من تنقله بحرية إلا أن أكرم يقول إن سويسرا كانت بالنسبة له بمثابة “سجنٍ مفتوح” يتنقل فيه بلا مال ولا رفيق، بين مركز الإقامة ومكتب الهجرة لإتمام ملفه القانوني.
المصائب بدأت تطل برأسها حينما أبلغه مسؤول سويسري بمكتب الهجرة بأن طلب لجوئه السياسي مرفوض وأن عليه مغادرة التراب السويسري بأقرب وقت ممكن. يقول “تمالكت نفسي وقررت عدم مغادرة مركز الإيواء في سويسرا لأواصل التفاوض مع مكتب الهجرة لكنهم وضعوا الأصفاد في يدي وزجوا بي في السجن”. ويضيف مستذكرا كيف تم نقله في قفص داخل شاحنة شرطة تعزل الموقوفين عن بعضهم من المحكمة إلى سجن زوريخ حيث قضى قرابة السنة بسبب إقامته بطريقة “غير شرعية”.
في فترة سجنه بدأ ينتابه شعور مستمر بالقلق وقلة النوم ما اضطره إلى استشارة طبيبة السجن التي سمحت له بتناول حبوب مخدرة تخفف من حدة قلقه واضطراب نومه. “لم يكن باستطاعتي النوم دون تلك الحبوب فقد شعرت بتوتر نفسي حاد داخل السجن فأنا لست مجرما او إرهابيا كل ما اقترفته هو أني بحثت عن حياة أفضل” يقول أكرم.
تواصل استهلاك هذا المهاجر للحبوب المخدرة التي كانت طبيبة السجن ذات الملامح الصربية تعطيها له إلى أن بدأ في تعاطي الفاليوم داخل سجن زوريخ السويسري. وبعد فترة بدأ وضعه الصحي يأخذ منعرجا خطيرا خاصة أنه كان مصابا منذ طفولته بمرض في القلب لا يستطيع معه القيام بمجهود جسدي أو التدخين أو التوتر.
لكن منذ أن عاينه طبيب آخر في نفس السجن قرر إخضاعه لعملية جراحية قام خلالها بتركيب جهاز شبيه بالبطارية داخل جسده لكن أكرم شعر بعدها باضطراب دقات قلبه. يقول هذا الشاب إن الطبيب أخضعه لجراحة ثانية إلا أنه شعر بعدها بأن سلكا طويلا يسبح في بطنه. وبعد جراحة ثالثة تبين أن هناك سلكا انفصل من البطارية في طريقه لبطنه.
يظهر أكرم جزءا يعلو صدره ليظهر آثار العملية الجراحية، متوعدا بتقديم شكاية في حق الإطار الطبي الذي قال إنه عبث بجسده وارتبك أخطاء طبية ضده خلال فترة سجنه.
على الرغم من تلاشي حلمه بتحقيق الأفضل في أحد بلدان أوروبا فإن أكرم بدا راضيا عن نفسه، معتبرا أن ما عاشه في داخل السجن قدم له درسا كبيرا في الحياة.
تعلم مغني الراب أكرم الكتابة باللغة الألمانية داخل السجن وبدأ يكتب الآن أغان عن رحلته ورحلة بعض المهاجرين التي تبدأ بحلم صغير لكنها تنتهي أحيانا بمأساة.