لم تنجح قذيفة الهاون في دفع أحمد عبد السلام إلى ترك منزله في منطقة الليثي في بنغازي رغم اختراقها الجدار وتسببها في حريق أتى على ستائر وأثاث غرفة النوم.
وفي اليوم ذاته الذي انتهى فيه من إعادة ترميم المنزل نهاية حزيران/يونيو 2015 هرول هذا الشاب الثلاثيني لإخماد حريق آخر اندلع في بيت جاره, وهو بيت خالٍ من ساكنيه منذ أشهر بسبب الصراع المسلح الدائر هناك بين قوات الجيش التابع للحكومة المؤقتة من جهة، وتنظيم “أنصار الشريعة” والكتائب المتحالفة معه، من جهة أخرى.
لم تنجح قذيفة الهاون في دفع أحمد عبد السلام إلى ترك منزله في منطقة الليثي في بنغازي رغم اختراقها الجدار وتسببها في حريق أتى على ستائر وأثاث غرفة النوم.
وفي اليوم ذاته الذي انتهى فيه من إعادة ترميم المنزل نهاية حزيران/يونيو 2015 هرول هذا الشاب الثلاثيني لإخماد حريق آخر اندلع في بيت جاره, وهو بيت خالٍ من ساكنيه منذ أشهر بسبب الصراع المسلح الدائر هناك بين قوات الجيش التابع للحكومة المؤقتة من جهة، وتنظيم “أنصار الشريعة” والكتائب المتحالفة معه، من جهة أخرى.
حين التقاه “مراسلون” كان أول سؤال وجهناه إليه: “لماذا لا تزال هنا؟”. أجاب أحمد أن الخروج من بيته لن يحسن معاناته بل سيزيد الأمر سوءاَ. “سأضطر للنزوح إلى بيت آخر من بيوت الأقارب مكتظ أصلا بالنازحين، والموت في كل مكان واحد”، يقول.
تمسك أحمد بمنزله ظاهرة تعرفها مدينة بنغازي منذ عام 2011، إذ يفضل كثيرون إلى اليوم عدم الخروج من مناطقهم الساخنة منتظرين أن تخفت أصوات المدافع والصواريخ.
ويذكر سكان منطقة قاريونس كيف استمر ذلك المقهى الصغير في تقديم القهوة والشاي لشباب المدينة المدافعين عن مدخلها الغربي ضد الرتل العسكري الذي أرسله القذافي ووصل أطرافها في التاسع عشر من آذار/مارس 2011.
ومازالت هذه الظاهرة مستمرة في أغلب محاور الصراع المسلح في بنغازي فسكان منطقتي بوهديمة والحدائق مثلاً يعيشون على بعد أمتار قليلة عن منطقة الليثي الملتهبة عسكرياً كما يعيش كذلك سكان مناطق سيدي يونس وحي السلام وأرض زواوة على نفس البعد عن منطقة الصابري التي تعتبر من أعنف مناطق القتال منذ أشهر، وكل ما يفصل هذه المناطق عن ساحة القتال تبة صغيرة من الرمال والصخور.
ابراهيم السرحاني (60 عاماً) استهدفت شقته بالمساكن الشعبية بمنطقة بوهديمة بقذيفة صاروخية في الأسبوع الثاني من شهر تموز/يوليو، ما أسفر عن إصابة ابنته الكبرى بشظايا في فخذها الأيمن وتدمير نصف الشقة. إلا أن الرجل لم يغادر المنزل سوى ليوم واحد ليعود هو وأسرته في اليوم التالي وذلك من نفس منطلق أحمد. يقول ابراهيم “لن أترك منزلي، فالهرب لن يحميني وعائلتي من الموت”.
المساجد كذلك لم تكن أحسن حالاً من البيوت. فقد لقي شخص مصرعه وأصيب اثنان آخران جراء سقوط قذيفة هاون على مسجد “الحمد والشكر” بمنطقة الفويهات ببنغازي نهاية العام الماضي. غير أن السكان قاموا بصيانة المسجد في نفس اليوم دون أن يتم إغلاقه أمام أي فريضة.
فضل الحاسي، رئيس وحدة التحريات بالقوات الخاصة، قال لـ “مراسلون” إن هناك عائلات لم تكتف بالعيش بالقرب من مناطق الصراع فقط، بل إنها تقطن داخل تلك المناطق، حالها في ذلك حال أحمد عبد السلام.
وقام الحاسي بتصنيف العائلات في حديثه إلى ثلاثة، فكان أولها عائلات المقاتلين لأحد الطرفين والذين يؤيدون فكر أبنائهم وباقون لدعمهم، وثانيها عائلات لا تريد الخروج لعدم وجود مأوى آخر لها، أما ثالثها فهى عائلات العمال الأجانب داخل تلك المناطق والذين لا يستطيعون التضحية بمصدر رزقهم. واختتم الحاسي الحديث بقوله إن العائلات داخل مناطق الصراع لا تتعدى العشرات على أقصى تقدير.
وتشير المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة في تقرير حديث صادر عنها أن حوالي تسعين ألفاً نزحوا من مناطق في شرقي البلاد منذ أيار/مايو 2014 وحتى حزيران/يونيو الماضي.
رمضان العوامي، باحث في التاريخ الليبي، أكد لـ”مراسلون” أن الليبيين في الماضي كانوا يعيشون دائماً بالقرب من مناطق الحروب “لكن الحروب كانت مختلفة”. فبحسب رأيه “نوع وثقافة الحروب هي التي تغيرت، حيث كان المتحاربون قديماً يبحثون عن الصحراء أو عن الأماكن المفتوحة للقتال فيها مع احترام المساجد والكنائس والمستشفيات، أما اليوم فبيت المواطن وعرضه بات مستباحاً لكل الأطراف”. العوامي عاد واستشهد بالمثل الشعبي “شدة ورخا” والذي يفيد بأن الشدة لا تدوم، وهو المثل الذي يتردد على الألسن الليبية منذ مئات السنين على حد قوله.
وفي هذا الصدد يشير اختصاصيون نفسيون إلى أن الناس تتصرف على نحو مختلف في مناطق الحروب والأزمات، ويختلف لديها تقدير المخاطر عن أولئك القاطنين في مناطق آمنة.
وهنا يشير محمود الحصادي إلى أن “صوت الرصاص المستمر يقتل الإحساس بالخوف، كما أن الانتماء للمكان يتعزز لدى القاطنين في مناطق الحرب ويتعزز التضامن الاجتماعي فيما بينهم، وكذلك يتعزز الإيمان بالقضاء والقدر”. وتابع الحصادي أن الحالة الليبية لا تختلف كثيراً عن الحالات الجزائرية أو اللبنانية أو العراقية عندما اندلعت الحروب الأهلية داخل تلك البلدان.