لاقت حوادث التصفية والاختفاء القسري التي شهدتها مصر في الأشهر الماضية انتقادات عديدة من منظمات مدنية وجمعيات حقوقية. فقد شهد مايو/ايار الماضي مصرع ثلاث شبان قتلتهم الداخلية في واقعتين مختلفتين بزعم مهاجمتهم للقوات أثناء عملية القبض عليهم في إطار ادعاء الوزارة بتورطهم في حوادث اغتيال وقعت في الشهر نفسه، الأولى لقاضي ينظر قضايا إخوانية لكنها فشلت، والثانية لضابط شرطة قتل بهجوم مسلح في دائرة عمله. لكن شهادات شهود عيان في تلك الوقائع تنافي رواية وزارة الداخلية.
لاقت حوادث التصفية والاختفاء القسري التي شهدتها مصر في الأشهر الماضية انتقادات عديدة من منظمات مدنية وجمعيات حقوقية. فقد شهد مايو/ايار الماضي مصرع ثلاث شبان قتلتهم الداخلية في واقعتين مختلفتين بزعم مهاجمتهم للقوات أثناء عملية القبض عليهم في إطار ادعاء الوزارة بتورطهم في حوادث اغتيال وقعت في الشهر نفسه، الأولى لقاضي ينظر قضايا إخوانية لكنها فشلت، والثانية لضابط شرطة قتل بهجوم مسلح في دائرة عمله. لكن شهادات شهود عيان في تلك الوقائع تنافي رواية وزارة الداخلية. كما تعرض العشرات للاختفاء القسري، عُثر على بعضهم في السجون، رغم إصدار الشرطة بيانات تنفي فيها معرفتها بأماكن اختفائهم.
تصفية جسدية
في 18 مايو/ آيار الماضي أعلنت وزارة الداخلية قتلها لشابين يدعوا أحمد حسن عبداللطيف مرعى، وسعيد سيد أحمد السيد، وهما شابان زعمت الوزارة أنهما متورطان في عملية اغتيال نجا منها القاضي معتز خفاجى، رئيس محكمة جنايات جنوب القاهرة، وهو قاضي ينظر عدداً من القضايا التي تدين قيادات جماعة الإخوان المسلمين.
بيان الداخلية الذي صدر بعد مقتل الشابين أردفته بصورة للمتهمين بعد مقتلهم وهم غارقان في دمائهما وبجانبهم بندقية آلية. ويقول بيان الوزارة إن عملية تصفيتهم وقعت بعد تبادل لإطلاق النار في معركة بينهم وبين قوات الأمن بمحافظة الجيزة، وأضاف أن قوات الأمن عثرت على مجموعة من الأسلحة والذخائر بحوزة الشابين.
بعد بيان الداخلية زارت «مراسلون» المكان الذي شهد الواقعة، شارع صغير بالعمرانية وهي إحدى المناطق العشوائية بمحافظة الجيزة، لم يتعدَّ عرض الشارع 4 أمتار، وعلى جانبيه بيوت متراصة تقترب من بعضها بشدة. «منذ شهر جاءت الشرطة إلى هنا سيارات محملة بعساكر أمن مركزي أغلقت الشوارع المحيطة، وقوات خاصة تقدمت وطلبت من سكان الشارع الدخول إلى منازلهم، وإغلاق النوافذ، الأمر حدث بسرعة، ولم يستغرق سوى 15 دقيقة حتى مقتلهم» يقول أحمد، أحد شباب المنطقة الذي كان يشاهد مباراة لفريق النادي الأهلى وقتها في الشارع. ويشير إلى الشقة التي شهدت مقتلهم في طابق أرضى لبيت مملوك لاحدى العائلات بالمنطقة، علمنا من صاحب البيت نفسه أن الشابين استأجرا الشقة قبل الحادث ب24 ساعة، فقط، عبر سمسار موثوق به في المنطقة، بحسب قوله، وأخبرهم أن الشابين أتوا إلى القاهرة من الصعيد والتحقا بعمل في أحد المحال التجارية الكبرى.
دخلنا الشقة المكونة من غرفة وصالة وحمام ومطبخ، بعد أن استئذنا من مالك البيت، كانت خالية من الآثاث، يقول المالك إن الشابين لم يستطعوا احضار أي شئ سوى حصيرة وبعض المأكولات، فقط، قبل أن تأتي الشرطة في اليوم الثاني لاستئجارهم البيت، «لم نلاحظ عليهم أي شئ مختلف، اطلعنا على بطاقات هويتهم قبل استئجار الشقة ووثقنا عقد إجار لهم مدته سنة بناء على طلبهما، ثم طلبا من السمسار احضار سباك، هذا كل ما حدث بيننا وبينهم» تقول زوجة صاحب البيت.
في اليوم التالي أتى السمسار بصحبة قوات الأمن بدلاً من السباك، بعد أن أمرته الشرطة بذلك عقب علمها باستئجارهم الشقة، «يبدو أنها كانت تراقبهم» تستنتج زوجته، وتضيف: كان الأولاد يلعبون أمام المنزل، جاءت الشرطة مع السمسار فصعدوا إلى الطابق الثاني خوفاً، طرق السمسار الباب وأخبر الشابين أنه أحضر السباك، وبمجرد أن فتح أحدهم الباب قابله ضابط من القوات الخاصة ودخلوا إلى الشقة، وبعدها سمعنا أصوات أعيرة نارية وعرفنا أن الشابين قتلا داخل الشقة.
كانت حوائط الصالة والغرفة ملساء، لا يظهر عليها أثراً لإطلاق النيران سوى في ناحية مقابلة لباب الشقة، تركت أثر حفرة صفيرة أسفل الحائط.
عندما سألت «مراسلون» الزوجة إذا كان الشابان تبادلا إطلاق النيران مع الشرطة أم لا، لم تجيب، اكتفت بابتسامة وقالت: «لم نرى أي أسلحة مع الشابين عندما أتوا إلى هنا، ولم يأتِ لهما أي شخص خلال ال24 ساعة التي جلسوا فيها بالشقة»، أوضحت: «لا يدخل أي شخص البيت دون أن نعلم لأن الباب مغلق بالكهرباء ونحن من نتحكم فيه»، وأضاف: «الأمر كله جرى أمام السمسار، والشرطة اتفقت معه على القدوم معها عندما علمت منه أنه اتفق مع الشابين بأن يحضر لهما سباك».
ظلت جثتى الشابان في الشقة لأربع ساعات دون أن تأتي الإسعاف، التقطت الشرطة للمشابين صوراً وبجوارهما بندقية آلية وأرسلتها مع بيان للصحفيين يعلن عن مقتل إرهابيين متورطين في حادث اغتيال المستشار «خفاجي».
لم تستحوذ واقعة مقتل الشابين أحمد حسن عبداللطيف مرعى، وسعيد سيد أحمد السيد، أي اهتمام إعلامي ولم يشكك أحد في بيان الداخلية، ولم يعرف أحداً حتى الآن إذا كانا الشابان قد صدر بحقهما قرار ضبط واحضار أم قرار تصفية.
رواية كاذبة حول مقتل إسلام صلاح الدين
بعد أربعة أيام على تلك الواقعة تورطت الداخلية في واقعة أخرى لم تنجح في التهرب منها، عملية تصفية أخرى وقعت لطالب بالفرقة الرابعة بكلية الهندسة جامعة عين شمس، اسمه إسلام صلاح الدين، زعمت وزارة الداخلية أنه متورط ضمن جماعة إرهابية في حادث اغتيال العقيد وائل طاحون ضابط في قطاع الأمن العام شرق القاهرة، قتله مجهولون خلال هجوم مسلح ب46 رصاصة أسفل منزله القريب من دائرة عمله في منتصف إبريل، وهو عكس تصريحات أمنية تلت مقتل طاحون نفت صلة اغتياله بأسباب سياسية وأرجعتها إلى حادث جنائي.
الرواية نفسها لاحظتها «مراسلون» بين أهالى الدائرة نفسها التي كان يعمل بها طاحون، يدور في أوساط المقاهي المنتشرة بالحي أن الضابط اشتهر في السابق بتعاملات مع عصابات لها علاقة بالتنقيب عن الآثار في دائرة قسم شرطة المطرية الذي عمل به مفتشاً للمباحث، وهو قسم سئ السمعة الذي يشهد وقائق قتل وتعذيب طوال العام، بالإضافة إلى ذلك فإن طاحون اتهم بقتل عشرات المتظاهرين أمام قسم شرطة المطرية خلال ثورة الخامس والعشرين من يناير، لكن القضاء المصري وقتها لم يدنه على مقتلهم بزعم أنهم بلطجية أرادوا حريق القسم.
لكن ما كان قاطعاً في تكذيب رواية الداخلية هما الطلبة الذين كشفوا أن إسلام قد حضر إلى الامتحان قبل يوم واحد من قتله وقبض عليه من الجامعة، بينما أعلنت وزارة الداخلية أنها قتلته في صحراء القاهرة الجديدة بعد تبادل لإطلاق الأعيرة النارية بينها وبينه مما أدى إلى مصرعه وضبط السلاح الآلى الذى كان يستخدمه.
يقول الطلبة إن شخصين أتوا إلى لجنة الامتحان بصحبة موظف من الكلية وطالبوا من إسلام الرجوع لمكتب شؤون الطلبة عقب أداؤه الامتحان لتقديم صورة من بطاقته الشخصية، وبعد الامتحان غادر إسلام اللجنة وقبض عليه من أمام الجامعة، بحسب إسلام أبو المعارف، زميل إسلام في اللجنة.
بعدها بأيام توجه الدكتور محمد حسن سليمان، بكلية الهندسة جامعة عين شمس، لتسليم أوراق امتحان إسلام لمادة «انسانيات – الفرقة الرابعة» لإثبات حضوره بامتحان المادة، وقال على حسابه الشخصي وقتها: «طالب يحضر امتحانه النهائي ويتم التحقق من هويته في اللجنة، ثم توجد جثته مقتولاً في الصحراء، وبيان للداخلية بعدها بيوم واحد يعلن العثور عليه مختبئاً في وكر، لم يعد هناك مجال للحديث عن رواية كاذبة أو تجاوز للأدوار».
حين تواصلت «مراسلون» مع الدكتور قال إنه شاهد تفريغ كاميرات المراقبة الخاصة بالكلية أثناء حضوره تحقيقات النيابة، وقد بينت خروج الطالب إسلام سريعاً من الجامعة ثم عاد في الاتجاه المعاكس وظهر ثلاثة أشخاص مسرعين خلفه.
وحتى الآن لم تصدر مصلحة الطب الشرعي سوى تقرير أولى يقول إن الوفاة ناتجة عن إصابة بأكثر من 5 رصاصات، لكن شهادات وثقتها منظمات حقوقية من ضمنها مركز حرية الفكر والتعبير تقول إن إسلام ظهرت به آثار تعذيب في مناطق متفرقة بجسده، وثقها أهله خلال غسل إسلام.
حاولنا في «مراسلون» التواصل مع أهله لكنهم رفضوا، بعثت لنا الوالده رسالة تقول فيها، «لقد كان لدي ثلاثة أبناء، والآن، أصبحا اثنين ولا أريد أن أفقد أحدهما أيضاً».
اختفاءات قسرية
الحادثان الذان وقعا خلال مايو الماضي جاءا بالتوازي مع حملة اختفاء قسري بحق عشرات الطلاب والنشطاء الذين اختطفوا من أماكن عامة ثم ظهر بعضهم في السجون، والبعض الآخر لم يظهر حتى الآن.
ووثقت منظمات حقوقية سلسلة من الاعتقالات العشوائية بدأت بالقبض على «أحمد يسري ذكي» الطالب بالفرقة الأولى بكلية الحقوق، حيث تم اعتقاله من منزله في تاريخ 3 مايو 2015 ولم يظهر أو تظهر أي معلومات عنه حتى اليوم.
كما أفادت الشبكة باعتقال عبدالرحمن أحمد البيلي بتاريخ 31 مايو من منطقة المعادي بواسطة ميكروباص شرطة، وهو عضو اتحاد الطلبة بكلية العلاج الطبيعي جامعة 6 أكتوبر، قبل تخرجه منها العام الماضي. وأضافت أنه حتى الآن لا يعرف أحد من عائلته مكانه.
وفي نفس الوقت أعلن اتحاد طلبة جامعة حلوان إن أحمد طه السيد خطاب، طالب بالفرقة الثانية بكلية الهندسة جامعة حلوان، اعتقل من أمام منزله بتاريخ 31 مايو أثناء عودته ليلاً، ولم تتوافر أي معلومات عن مكان احتجازه حتى الآن، وتعذر حضوره إلى باقي الامتحانات. وأضاف الاتحاد في بيان له أن خطاب يتولى منصب أمين لجنة التثقيف باتحاد الطلبة، بكلية الهندسة جامعة حلوان.
وطالبت حركة «الحرية للجدعان» من أهالي المختطفين قسرياً بسرعة إرسال تلغراف للنائب العام، لإثبات موعد الإحتجاز الفعلي وتفادياً لتلفيق التهم أو تعرض المعتقلين للتعذيب، بحسب بيان نشرته الحركة.
الاستراتيجية التي يبدو أن وزارة الداخلية تنتهجها في القبض على النشطاء واخفائهم قسرياً لم تكن جديدة، ولكنها لم تكن أيضاً بذلك الحجم في السابق، إذا يقول المجلس القومي لحقوق الإنسان، وهو جهة حكومية، إنه تلقى نحو 55 شكوى اختفاء قسري تقدم بها أهالي المختفين قسرياً، حتى الآن، معظم نشطاء سياسيون، لكن منظمات حقوقية مستقلة وحركات سياسية تقول إن العدد بلغ 163 مختفى قسرياً.
وحتى الآن لم يستدل على مكان المختفين، ولم يعلم أحد من أهاليهم شيئاً عنهم، لكن بعضاً منهم ظهر في السجون والنيابات للتحقيق معه دون وجود محامي، أبرز الحالات التي واجهت ذلك كانت اسراء الطويل، 23 سنة، وهي فتاة تهوى التصوير وتحظى بآلاف المتابعين على فيس بوك، لم تكن منضمة رسميا لأي حركة سياسية لكنها كانت تشارك في مظاهرات عديدة وفعاليات ثورية في السابق.
في اليوم الأول من يونيو/ حزيران اختفت إسراء الطويل هي وشابين آخرين يدعيان صهيب سعد وعمر محمد على، ومثلما فعل جميع الأهالي الذين اختفى أولادهم بحثوا عنهم في الأقسام والمستشفيات والنيابات، بعد 3 أيام أرسلت عائلة إسراء تلغراف للنائب العام ووزير الداخلية، التمسوا خلالهم الكشف عن أماكنهم الشبان الثلاثة واتخاذ الإجراءات القانونية معهم إذا كانوا قد أجرموا.
تقول دعاء شقيقة إسراء، «بعد 10 أيام على اختفائهم علمنا أن عمر محمد علي بعث رسالة من سجن العقرب مع أحد المعتقلين في قضية «خلية الماريوت» يقول أن عمر وصل إلى سجن العقرب يوم 8 حزيران، ويخبرهم بوجوده فيه».
وبعد أسبوعين على اختفاؤهم ظهرت إسراء في سجن النساء بالقناطر، رأتها فتاة تدعى زينب كانت في السجن للزيارة، وحكت لشقيقة إسراء أنها كانت ترتدي ملابس سوداء، وهي الملابس التي كانت ترتديها يوم اختطافها، وفق قول شقيقتها، لكن حتى وقتها لم يكن هناك أي تاكيد من وزارة الداخلية أو النائب العام بوجود اسراء.
تقول دعاء: «كنا في حيرة، جميع الدلائل تقول إن الشرطة قبضت عليهم بينما تنفى وزارة الداخلية أن إسراء بحوزتهم». ليلة رمضان أتت الشرطة إلى منزل إسراء، دخلوا إلى غرفتها وأخذوا جهاز الكمبيوتر الشخصى لها، وطالبوا من دعاء الحضور صباح اليوم التالي إلى نيابة أمن الدولة، وأخبروها أن إسراء سيتم عرضها على نفس النيابة».
لم تتمكن دعاء من مقابلة إسراء في النيابة لكنها ذهبت إلى سجن القناطر وقابلتها، أعطلتها طعام ونقود، وأطمئنت عليها، لكن صهيب وعمر لا تزال وزارة الداخلية تنفى وجودهما، رغم أنهما اختطفا مع اسراء الطويل.