في الرابع من شهر نيسان/إبريل الماضي خرجت مراكب صيد من بحيرة المنزلة القريبة من الساحل المصري الشمالي، من بينها مركب يدعى “الأميرة ملك” على متنه 37 صيادا. المركب كان متجها إلى اريتريا من أجل الصيد في مياهها الإقليمية، لكن بعد أسبوع من بدء الرحلة، دخل عن طريق الخطأ المياه الإقليمية السودانية، وعند الميل 49 بحري قامت القوات السودانية بمداهمته والقبض على صياديه.
في الرابع من شهر نيسان/إبريل الماضي خرجت مراكب صيد من بحيرة المنزلة القريبة من الساحل المصري الشمالي، من بينها مركب يدعى “الأميرة ملك” على متنه 37 صيادا. المركب كان متجها إلى اريتريا من أجل الصيد في مياهها الإقليمية، لكن بعد أسبوع من بدء الرحلة، دخل عن طريق الخطأ المياه الإقليمية السودانية، وعند الميل 49 بحري قامت القوات السودانية بمداهمته والقبض على صياديه.
رحلات صيادي بحيرة المنزلة خارج الحدود من أجل الصيد -أو “السرحات” كما يسمونها- لم تعد حوادث فردية، بل ظاهرة واضحة. فقبل أشهر قليلة، وفي كانون الثاني/ديسمبر تحديدا، جنح مركب الصيد “بدر الإسلام”، والذي كان في طريقه إلى ميناء جدة السعودي من أجل الصيد هناك، وغرق 13 صيادا كانوا على متنه.كذلك تعددت حوادث خطف واحتجاز صيادين مصريين من قبل قراصنة أو ارهابيين في الاعوام الماضية.
في هذا السياق يقول حسن الشوا نقيب الصيادين “قضية احتجاز الأميرة ملك ليست الاولى ولا الأخيرة من نوعها، بل تعرض صيادين بحيرة المنزلة للمخاطر أصبح ظاهرة حيث تم احتجاز مراكب أكثر من 7 مرات خلال عام 2014 فى دولة السعودية واسرائيل بسبب الصيد فى مياهها الاقليمية، ورغم ذلك تعود المركب للصيد مرة أخرى للصيد”.
تراخيص اريترية
يقوم الصيادون عادة بهذه “السرحات” بدون أي مظلة قانونية تحميهم، أي دون الحصول على تصاريح، الأمر الذي يزيد من المخاطر التي يتعرضون إليها. غير أن صاحب مركب “الأميرة ملك” وجدوا طريقا آخر للقيام بهذه السرحات.
إذ يقول “محمد رشاد” صاحب المركب الذي لا يزال محتجزا حتى الآن في السودان “نعمل بعيدا عن الخارجية المصرية، لكني أقوم باستصدار التصريح الخاص بالسفر والصيد فى مياه اريتريا عن طريق وسيط يطلق عليه وكيل لاحدى الشركات الاريترية، حيث نقوم بالاتفاق مع احدى شركات الملاحة والصيد فى اريتريا بالعمل لصالحهم فى المياه الاقليمية الخاصة بهم بسبب وفرة الاسماك هناك. فأقوم بدفع مبلغ مالي مقابل إصدار التصريح وتعمل المركب داخل المياه الاقليمية لصالح الشركة ولصالحي مناصفة”.
محمد رشاد ليس الوحيد الذي يقوم بذلك، إذ يوجد حوالى 20 مركب أصحابها أغلبهم من السويس والبحر الاحمر تصطاد بالطريقة نفسها كما يقول.
وتقوم المراكب بجلب العمالة والصيادين من منطقة المطرية بالدقهلية وبحيرة المنزلة، متوسط حمولة المركب الواحد من 35 الى 40 صياد، “يسرحون” في البحر الأحمر، داخل المياه الاقليمية الاريترية وغيرها من الدول.
بحيرة غير صالحة للصيد
أسباب قيام صيادي بحيرة المنزلة بهذه السرحات متعددة، أهمها صعوبة الصيد في بحيرة المنزلة. فالبحيرة التي كانت مساحتها تبلغ 750 ألف فدان انتهى بها الحال لتصبح مساحتها 100 ألف فدان فقط بعد التعديات عليها، وباتت مقسمة إلى قطع ومزارع سمكية خاصة.
ويقول حسن الشوا إن بحيرة المنزلة كان يعمل بها حوالى 70 ألف صياد، ترك منهم 35 ألف صياد المطرية وبحيرة المنزلة ليعملوا فى مياه البحر الاحمر، ونقلوا محل إقامتهم إلى السويس وبورسعيد ودمياط لأن البحيرة لم يعد بها أي مصدر للرزق بسبب سيطرة “البلطجية” وأصحاب النفوذ على البحيرة بعد تقسيمها إلى مزارع سمكية وأماكن للصيد لصالحهم فقط، ويمنعون الصيادين من الصيد بها، حسبما يقول الشوا.
ويضيف الشوا أن هناك حوالى 10 ألاف صياد آخرين لا يزالوا يصطادون في البحيرة فى منطقة “أم خلف” القريبة من بورسعيد، ويتحملون مخاطر متعددة، “فالمنطقة مخصصة لصالح إحدى الجمعيات الخاصة، ويوجد بها أيضا بلطجية وأصحاب نفوذ”، بينما ترك حوالى 15 ألف صياد الصيد وذهبوا للعمل بمصانع الاستثمار فى محافظة بورسعيد بسبب البطالة أيضا وعدم وجود مصدر للرزق.
السرحة الأخيرة
رمضان السويركي (17 عاماً) أحد صيادي مركب الأميرة ملك، عاد من سجون السودان. يروي تفاصيل الرحلة وكيفية القبض عليهم فيقول “أعمل فى سفريات العمل بالمياه الاقليمية الخارجية منذ حوالى 5 سنوات، وكانت أغلب السرحات فى البحر الاحمر فى السعودية واليمن دون إصدار أي تصريح. كنا نعمل تهريب ونعود دون القبض علينا. السرحة تكون حوالى 20 يوم منهم 4 أيام ذهاب ومثلهم فى العودة، ويكون نصيب كل صياد حوالى 2000 جنيه”.
ويواصل “لأول مرة هذا العام نعمل بتصريحات رسمية تابعة للمياه الاقليمية في اريتريا، والسفرية الأخيرة كانت السرحة الرابعة لهذا العام، حيث ذهبنا إلى اريتريا للعمل مرتين ولم يعتدي علينا أحد، نعمل بتصريح مع صاحب المالك لصالح احدى الشركات الملاحة والصيد فى ارتيريا. فى البداية نقوم بالصيد لصالح الشركة، فنسلمهم 3000صندوق، كل صندوق يحمل حوالى 20 كيلو من الاسماك. وبعد الانتهاء من الصيد لصالح الشركة نقوم بالراحة يومين ونعود للصيد 3000 صندوق آخرين لصالح صاحب المركب ليقوم ببيعها وتحصيل الربح من مصر”.
ويروي السويركي أن السلطات السودانية أكدت في البداية أن القبض عليهم هو مجرد اجراءات روتينية للتأكد من سلامة اوراقهم، لكن بعدها تم احتجازهم فى سجن السودان بتهمة عبور المياه الاقليمية.
ويقول “لمدة ثلاثة أيام كانت المعاملة فى منتهى السوء فلا يوجد طعام فى السجون سوى مقابل نقود، وكذلك الملابس الخاصة بنا فى المركب رفضوا ان يحضروها رغم بروده الجو. بعدها قررت السلطات الاريترية الافراج عن القصر البالغ عددهم 6 من بينهم أنا، وأيضا رجل واحد مسن يبلغ 78 عام، ورجعنا الى القاهرة من خلال الخارجية المصرية وما زال باقي الصيادين محتجزين فى السجون بالسودان”.
“رزق كبير رغم المجازفة”
بجانب مركب الأميرة ملك هناك مركبان مصريان آخران محتجزان في السودان، هما مركب “هدى الرحمن” و”الأميرة مريم”.
أحمد على الخياط والد أحد الصيادين على مركب الاميرة ملك ويدعى علي، وهو لايزال محتجزا في سجن السودان، يقول لـ “مراسلون”: “أولادنا يذهبون للصيد في المياه الاقليمية تابعين لشركات اخرى بسبب قلة الرزق فى بحيرة المنزلة، وذلك منذ عشر سنوات. وليست هذه المرة الاولى التي يذهب ابنى فيها للصيد فى المياه الاقليمية فكل الصيادين يذهبون إلى اليمن والسعودية”.
ويواصل أحمد الخياط “فوجئت باتصال ابني علي يخبرني أنه تم القبض عليهم من قبل السلطات السودانية، وانقطع بعدها الاتصال. وتابعت القضية وعلمت أنه فى البداية حكم عليهم بثلاثة سنوات سجن، ثم بسنة واحدة وغرامة 5000 جنيه سوداني لكل صياد و10000 جنيه سوداني لصاحب المركب، ثم أوقف وزير العدل السوداني القضية مطالبا بأوراق القضية من جديد، ووعدنا بنظر الرئيس البشير في أمر اولادنا الصيادين المحتجزين فى حالة فوزه بالرئاسة ولا يوجد جديد حتى الآن”.
أما حنان الحسيني فقد ناشدت الحكومة المصرية التدخل من أجل الإفراج عن زوجها أحد صيادي مركب الأميرة مريم المسجونين أيضا في السودان. وتقول: “زوجي منصور العشماوي محتجز لأنه خرج بحثا عن الرزق، وهو الذى يعول البيت كله، وأناشد الخارجية المصرية والرئيس السيسي النظر فى أمر الصيادين المحتجزين”.
حتى الآن تعذر الوصول إلى تصريحات رسمية حول المحتجزين. وأكدت حنان أنه لا يوجد أي مسئول يتابع معهم القضية، مؤكدة أنها تتابع التطورات من وسائل الاعلام وتصريحات الخارجية المصرية التي أعلنت مؤخرا الافراج عن أحد المراكب، مركب “هدى الرحمن”، فقد أصدر النائب العام السوداني قرارا بالافراج عنها وما زال الجميع فى انتظار عوده الصيادين والافراج عن المركبتين الأخريتين.
يؤكد السويركي أنه رغم المخاطر التي تعرض لها إلا أنه سيعاود العمل فى المركب فى “السرحات” القادمة، وذلك لأنها أفضل من الصيد داخل مصر، ففي السرحات خارج مصر داخل المياه الاقليمية للدول المجاورة بالبحر الاحمر يعادل انتاج ثلاثة ليالي داخل المياه الاقليمية خمسة أضغاف حصيلة الاسماك التي يحصل عليها الصياد داخل البلاد لمدة 20 يوم متواصلة. ويقول “فى المياه الاقليمية الخارجية راحة ورزق كبير رغم المجازفة”.