عاد الحديث عن إلغاء تجريم المثلية الجنسية في تونس بعد أن أصدرت محكمة تونسية في 4 شباط/ فبراير الماضي حكما بالسجن لمدة سنتين على مواطن سويدي بتهمة ارتكابه “لأفعال مثلية” وسط احتجاج دبلوماسي سويدي.
هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، فقد سجن في نفس القضية مواطن تونسي لمدة 3 سنوات، عدا عن الاعتقالات المتكررة التي تطال المثليين، لكن المعالجة الإعلامية لهذه القضايا تبقي هذه الفئة في خانة “الحالات المرضية والشاذة”.
عاد الحديث عن إلغاء تجريم المثلية الجنسية في تونس بعد أن أصدرت محكمة تونسية في 4 شباط/ فبراير الماضي حكما بالسجن لمدة سنتين على مواطن سويدي بتهمة ارتكابه “لأفعال مثلية” وسط احتجاج دبلوماسي سويدي.
هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، فقد سجن في نفس القضية مواطن تونسي لمدة 3 سنوات، عدا عن الاعتقالات المتكررة التي تطال المثليين، لكن المعالجة الإعلامية لهذه القضايا تبقي هذه الفئة في خانة “الحالات المرضية والشاذة”.
قبل مدة على سبيل المثال جرى إيقاف محام تونسي ورئيس أحد الأحزاب السياسية بتهمة المثلية، فعمدت وسائل إعلام إلى التشهير بالمحامي والتطرق إلى كافة تفاصيل القضية مع الإصرار على وصف الفعل المنسوب إلى المحامي بـ”اللواط السلبي”.
نحن موجودون
“مراسلون” التقت علي وهو شاب تونسي مثلي وناشط في جمعيات حقوقية وأحد المؤسسين لحركة “نحن موجودون” التي تتبنى حقوق المثليين الجنسيين أو ما يطلق عليها بحقوق الـ LGBT (اختصار للمثليين من الذكور والإناث، ثنائيي الهوية الجنسية، والمتحولين جنسياً) .
يروي علي لـ “مراسلون” كيف يعيش حياته الجنسية “بشكل طبيعي” داخل المجموعة المحيطة به. “أنا محظوظ لأني ترعرعت في كنف عائلة تحترم الحريات الشخصية ونمط عيش كل فرد”. ويضيف “أصدقائي يحترمون ميولي الجنسية ولكن الأمر ليس سهلا في بعض الأحياء أو المناطق أين يمكن للمثلي أن يواجه فيها رفضا كليا من العائلة والمجتمع”.
ويتحدث علي عن حالات الاعتداء اللفظي و الجسدي التي يتعرض لها الكثير من المثليين الجنسيين في تونس وكثيرا ما تمر هذه الاعتداءات مرور الكرام، فالخوف من الاعتقال بتهمة “المثلية” يجبرهم على الصمت.
ويصعب تقدير عدد المثليين الجنسيين في تونس “لكن هناك الكثير من المثليين لا يعلنون ميولهم الجنسية خوفا على مراكزهم الاجتماعية او نظرة العائلة و المحيط الاجتماعي” بحسب علي. كما لا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد الإيقافات بتهم المثلية الجنسية.
المثلية ليست لواطاًَ
الباحثة التونسية ألفة يوسف في كتابها المثير للجدل “حيرة مسلمة” استخلصت من خلال قراءتها الفقهية للنصوص القرآنية أنه لا يوجد حديث مباشر عن المثلية الجنسية في الدين الإسلامي. “فالعلاقة الجنسية بالتراضي بين شخصين من نفس الجنس لا يمكن تشبيهها باللواط والذي اتسم بالعنف والإكراه وهو فعل شبيه بالاغتصاب و ليس فعلا إراديا ناجما عن التوافق و التراضي”.
وفي حديثها إلى “مراسلون” تقول ألفة يوسف: “المثلية الجنسية هي الميل إلى شخص من نفس الجنس، وهي ليست اختيارا بل هي نتاج عوامل نفسية و جسدية (هرمونية) و لايمكن اعتبار المثلي مريضا فقد ألغت المنظمة العالمية للصحة مرض المثلية منذ 50 عاما”.
و تضيف الكاتبة التونسية: “رفض المجتمع التونسي للمثليين هو انعكاس طبيعي لثقافة شريحة كبيرة من التونسيين الذين يرفضون كل اختلاف أو خروج عن المعتاد”.
و تقول الفة يوسف و التي لطالما تعرضت للنقد والشتم بسبب كتاباتها و تصريحاتها، إن المطلوب هو احترام المثليين و عدم الاعتداء عليهم والمس بكرامتهم الإنسانية، و تجد أن الحديث عن الزواج المثلي لا معنى له في مجتمع عربي محافظ.
و يقر الفصل 230 من المجلة الجزائية التونسية بأن “اللواط أو المساحقة إذا لم يكن داخلا في أي صورة من الصور المقررة بالفصول المتقدمة يعاقب مرتكبه بالسجن مدة ثلاثة أعوام”.
ويندرج هذا الفصل ضمن الجرائم الجنسية في الفرع الثاني المتعلق بالاعتداء بما ينافي الحياء و لم يقع تعديله منذ سنة 1913 (تاريخ إصدار المجلة الجزائية التونسية)، والتي تتضارب، حسب فقهاء القانون في تونس، مع روح الدستور التونسي الجديد والذي يمثل ضمانا كبير لحقوق الإنسان والحريات العامة.
فحوص العار
وحيد الفرشيشي، الدكتور في القانون وأستاذ القانون العام بالجامعة التونسية ورئيس الجمعية التونسية للحريات الفردية، ندد بالتعامل الإعلامي و القضائي مع قضايا المثلية الجنسية خاصة أن وسائل الإعلام تعمد إلى التشهير بالمثليين والتطرق إلى كافة تفاصيل حياتهم الخاصة ووصمهم بالإجرام وارتكاب الفاحشة.
ويتعرض المتهم بحسب الفرشيشي إلى فحوص شرجية أو ما يدعى بـ”فحوص العار” في لبنان أو مصر، و التي لا يزال العمل بها في تونس سارياً في كل القضايا المتعلقة بالممارسات الجنسية عامة و المثلية الجنسية خاصة. وهذا ما يجعل إبقاء هذا الفصل حسب الفرشيشي “مدخلا للتعدي على الحقوق والحريات لما تستبيحه السلطات على أساسه من وسائل لإثبات الواقعة”.
وتعتبر الوسائل المستعملة “للتثبت من وقوع الأفعال المثلية” انتهاكا واضحا للخصوصيات الفردية مثل مداهمة الأماكن الخاصة والإطلاع على الرسائل والمكالمات الهاتفية كما يعتبر الفحص الشرجي اعتداءا على حقوق الإنسان حيث يقوم به الطبيب بمعزل عن موافقة الموقوف.
وتعتبر المثلية الجنسية في تونس من المواضيع الشائكة والمحظورة على غرار بقية بلدان العالم العربي و الإسلامي، ويواجه المثليون في اليمن، السعودية ، إيران، السودان وموريتانيا عقوبة الإعدام بينما تتمثل العقوبة في السجن في بلدان أخرى على غرار تونس، المغرب و مصر.
لم نلق أي جواب
لم تكن قضية المثليين في تونس على رأس قضايا السياسيين، فرغم اتصالها بالحريات، لم تتبنى الأحزاب السياسية مطالب هذه المجموعة وبدت قضايا أخرى كالمساواة الفعلية بين المرأة والرجل والمناصفة السياسية على رأس البرامج الحزبية أو الرئاسية و ابتعد جل رجال السياسة عن المواضيع الشائكة والتي من شأنها”تأجيج الرأي العام” أو “تهديد نمط عيش التونسيين”.
وفي هذا السياق يقول وسام خلايفية (27 عاما) عضو مؤسس في حركة “إنسان بدون حقوق” وهي مجموعة من المدافعين عن حقوق المثليين و المطالبين بتغيير الفصل 230 من المجلة الجزائية التي تجرم المثلية الجنسية: “اتصلنا بالعديد من الأحزاب قبل الانتخابات التشريعية في 2011 و لكن لم نلق أي تجاوب و كلمة “ليس الوقت مناسبا” هي أحسن رد تحصلنا عليه”.
تغيير القانون
وينشط خلايفية في إحدى الجمعيات الحقوقية التي تعنى بشؤون الاقليات في تونس، ويفسر عدم نشاط المثليين بصفة فردية وعلنية بالحفاظ على “سلامتهم الشخصية” في ظل مناخ سياسي واجتماعي يسوده العنف السياسي وعدم “تقبل” الآخر المختلف.
ويتحدث وسام خلايفية والذي يدون بصفة مكثفة على شبكات التواصل الاجتماعي عن ما يقوم به المدافعون عن حقوق المثليين في تونس من أنشطة في سبيل الدفع نحو تغيير الفصل 230.
ويقول في هذا الصدد: “في سنة 2011 أطلقنا حملة للكتابة على الحيطان (جرافيتي) ضد الفصل 230 من المجلة الجزائية و نحن الآن نستعد كالعادة لتحضير نشاط بمناسبة يوم 17 أيار/مايو من كل سنة (اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية) كما نشتغل على حملات مناصرة لتمرير توصيات حول الفصل 230 من القانون الجزائي تحضيرا لتقييم تونس بالتزاماتها وتعهداتها في الاستعراض الدوري الشامل للأمم المتحدة بجينيف”.
ويحاول المثليون العيش بعيدا عن أنظار المتطفلين بينما يعمل بعضهم الآخر على “محاربة” النظرة السلبية، لكن معظمهم ينشطون باستخدام أسماء مستعارة على الانترنيت “خوفاً من مجتمع لا يتسع الجميع”.